زيارة البابا إلى العراق من يرحب ومن يعرقل؟ كتب علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
دأبنا منذ التغيير عام 2003أن نخوض في جدلٍ ونقاش وحوارٍ بعضه نافع وبعضه عقيم يميل الى حوار الطرشان إن جاز لنا التعبير في قضايا العلاقات الخارجية ،ومنها الزيارات المتبادلة للمسؤولين الاجانب والعراقيين. وقد أجبرتنا وسائل التواصل الاجتماعي على هذا النوع من الجدل الحواري الذي شغل الحيز الاكبر من وقتنا ،ولاتكاد الهواتف الذكية تفارقنا الافي ساعات النوم ،وبعض الدقائق من هذه الساعة الصباحية او لتبادل التحية اثناء الزيارة.
ومنذ أن أُعلن عن زيارة البابا الى العراق التي أُعد لها منذ اكثر من ثلاث سنواتٍ حينما أُبلغت الحكومة العراقية برغبة البابا زيارة الناصرية وزيارة موقع أُور الاثري ، أبدت الحكومة موافقتها مع الترحيب بهذه الزيارة الدينية السياسية للعراق، التي تعطي رسالة الانفتاح العراقي ونجاحه في التواصل مع أهم مركز لاتباع الديانة المسيحية في العالم. وتتوج بمسعى العراق الى تسجيل هذا المَعلَم الاثري في المنظمات الدولية لمساعدة العراق في الحفاظ عليه ،وإعادة متعلقاته ،كما يساعد في التنقيب عن الاثار التي لم يتم اكتشافها بعد.
وبعد هذه الاعوام أعلنت دولة الفاتيكان عن موعدٍ للزيارة في أذار المقبل لتكون هذه أول زيارة يقوم بها بابا الفاتيكان الى العراق وأحسب أنها ستكون زيارة تاريخية ونوعية سيما وأن البابا أبدى رغبته بلقاء مرجع المسلمين السيد علي السيستاني في النجف الأشرف، حيث يمثل هذا اللقاء نموذجا للتسامح بين الاديان السماوية، وإمكانية تقاربهما وهو مايؤكد عليه رجلا السلام، وسيكون لقاء شكر من بابا الفاتيكان لمرجع المسلمين الذي أفتى بقتال التكفييرين واوصى بحماية دور العبادة المسيحية في المناطق التي احتلتها منظمة داعش الارهابية ،وأوصى بإعادة بناء ما تضرر منها .
لقد رحب بالزيارة قطاع واسع من المثقفين وجمهور واسع من العراقيين ،وهذا مالمسناه في مواقع التواصل الاجتماعي ،مع استغرابي بعدم الاهتمام بها أو مناقشتها في وسائل الاعلام الحكومية والخاصة أو حتى من الفضائيات التابعة للاحزاب السياسية، وهناك معارضون للزيارة لكن هذا الاعتراض لايكون بصورة علنية لان المبررات للمعارضة تكاد تكون غير منطقية ولايمكن قبولها على المستوى الجماهيري بل تلقى صدى عند فئات محددوة بعضها منغلق فكرياً،وبعضها مؤدلج وينتظر صدور التعليمات في أي موقف يتخذه.
ولا أُخفي سراً أن هناك أيدٍ خفية تحرك مواقع التواصل او عبر الجيوش الالكترونية للتشويش على زيارة البابا للعراق ،وخصوصا لقاء النجف بين الرجلين كممثلين عن المسلمين والمسيحيين ليلتقي أتباع أكبر ديانتين في العالم، ولاندري ما سيتمخض عنه اللقاء من أفكار وحوار بين الرجلين وقد أثبتت التجربة أنهما يملكان من الحكمة والكياسة والافق الرحب في التعامل مع التحديات التي واجهتهما يؤهلهما لأن ينتجا في لقائهما ما كنا ننتظره ،أو ينتظره اتباع الديانتين لقرون خلت، هذه الايدي الخفية لاتريد للعراق الانفتاح على العالم .
وهذه الايدي الخفية لاتريد لقاءً بين ممثلي الديانات السماوية ليبقى الصراع بدلا من الحوار هو العنوان الابرز. هذه الايدي الخفية ستعمل بكل ما بوسعها لاثار الجدل وان فشلت ربما تعمد الى اثارة مخاوف أمنية ،او صحية حيث تعمد الى نشر ارقام مخيفة بشأن انتشار الوباء في العراق وفي محافظات بغداد والنجف ومناطق اخرى محددة لزيارة البابا .
من يعارض هذه الزيارة هم المنغلقون فكريا من أتباع الديانتين، والرجلان حتى هذه اللحظة مصممان على اللقاء وتبقى الامور البروتوكلية شكلية لايمكن لها أن تعرقل اللقاء .
هذه الزيارة ستكون الحدث الاكبر ولهذا أبدت عشرات من المحطات التلفزيونية ووسائل اعلام اخرى ومئات الاعلاميين رغبتهم بتغطية زيارة البابا التي كما قلت ستكون زيارة تاريخية . وفيها سيبين البابا انه الراعي للمسيح الذين شهدوا تهجيرا وقتلا لم تشهده العراق من قبل ،وأنه يعيد بتذكير المسيحين بالرعاية البابوية لهم ،وان كانت طوائف اخرى من المسيح لاتتبع البابا لكنهم يرحبون بمثل هذه الزيارة لبلد تعددت به الاديان والمذاهب وتنوعت به الافكار والاتجاهات ولطالما ذكرت ان عراق بلا مسيح ليس بالعراق ،وعراق بلا ايزيديين ليس بالعراق فالعراق كاملا عندما يكون سكانه الاصلاء ينعمون بالامن والامان فيه .
وهكذا كانت الحكومة العراقية حريصة منذ احتلال داعش للمناطق ذات الاغلبية المسيحية من توفير مناطق امنة لهم ،ولم تشجع فتح باب الهجرة على مصراعيه الذي يؤدي الى إفراغ العراق من أحد مكوناته الرئيسة بل وستسهم هذه الهجرة بما ارادته قوى التكفير من التغيير الديمغرافي لهذه المناطق. اما الزيارة للنجف فهي ستعطي الصورة التي قد تكون خافية عن البابا في سعة افق المسلمين في الانفتاح على الاديان الاخرى.
ولم تعد للحروب الصليبية وحروب الفتح حيزا في العقول بل الحوار والوصول الى الكلمة السواء .