شبح الحرب الأميركية الإيرانية تهديدٌ تام لمستقبل البشرية
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
يؤكد المساعد الخاص السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب: أمريكا سترتكب الخطأ الأكبر في تاريخها إذا ما فكرت في شن حرب ضد إيران
لماذا يعتبر شبح الحرب الأمريكية الإيرانية بمثابة تهديدا تاما لمستقبل البشرية..؟
منذ ستة عشر عاما، عمدت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش إلى استخدام كافة الحيل الإقناعية وسياسة الترهيب من أجل تعبئة الرأي العام العالمي في اتجاه الغزو الأمريكي للعراق. وعلى الرغم من أن أسلحة الدمار الشامل التي حذرت منها مستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس آنذاك لم تكن سوى مجرد نوع من الأوهام، إلا أن الغزو الذي تم بمباركة من المحافظين الجدد ظل مستمرا لسنوات. وقد رفض العراقيون الخطة المقترحة بشأن إقامة دولة أمريكية على ضفاف نهر الفرات. والجدير بالذكر أن الغزو الأمريكي للعراق لازال ينظر إليه باعتباره أكبر كارثة إنسانية وجيوسياسية حلت بالشرق الأوسط، والتي لازالت آثارها باقية حتى يومنا هذا.
لقد خلفت الحرب الأمريكية في العراق الآلاف من القتلى الأمريكيين ، وعشرات الآلاف من الجرحى والمشوهين ، ومئات الآلاف من القتلى العراقيين ، والملايين من العراقيين النازحين. كما ازدادت حدة الصراع الطائفي ، مما أدى إلى تدمير المجتمع المسيحي التاريخي ، وإنشاء تنظيم القاعدة في العراق – الذي تحول بمرور الوقت إلى تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر فتكا- هذا إلى جانب تنامي الدور المتصاعد لإيران في المنطقة. والسؤال هنا، كيف تمتع القادة الأمريكيين آنذاك، بكل ذلك القدر من الغباء!
والواضح للعيان، أن الرئيس الأمريكي الحالي يتبع نفس النهج البالي، فهاهو ينسحب من الاتفاق النووي مع طهران، معلنا الحرب الاقتصادية ضد إيران وجميع الدول التي تتعامل معها، إنه يجر الولايات المتحدة مجددا نحو الحرب غير مكترثا بالتبعات الخطيرة لذلك الأمر، فكيف يمكنه الاستخفاف بعقلية الشعب الأمريكي والمجتمع الدولي إلى هذا الحد!
قد يكون أمرا بديهيا أن تلقي واشنطن باللوم على طهران لعدم قبولها العرض السخي المقدم إليها، ومع ذلك فإن طهران ليست لديها ما يمنحها الثقة التامة في الوعود الأمريكية، حيث أن إيران متأكدة تماما بأنه لاجدوى من التفاوض مع رئيس دولة يبدو أنه مصمم على الذهاب في اتجاه الحرب، وبالتالي فهو ليس أهل للثقة لإبرام أي اتفاق.
وقد اقترح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخرا إجراء محادثات دون شروط مسبقة سوى أن تتصرف إيران على حد قوله كـ “دولة طبيعية” وأن ترضح للمطالب الأمريكية والتي اعتبرها عدد من الخبراء كثيرة ومستحيلة، وكل ذلك قبل الذهاب إلى طاولة المفاوضات. كما أوضح مستشار الأمن القومي جون بولتون في وقت لاحق، أن الرئيس الأمريكي مستعد “للحديث عن المستقبل” وذلك شريطة قيام إيران بالتخلي عن “أنشطتها النووية وغيرها من الأنشطة غير المقبولة”. وبعبارة أخرى ، يتعين على إيران أن تستسلم أولاً. لن تتفاوض الولايات المتحدة في ظل هذه الظروف. ولعل التساؤال الذي يشغل بال القارئ الآن، هل هناك ما يضطر إيران إلى قبول ذلك؟
تجدر الإشارة إلى أن النظام الإيراني طالما تمتع بالدهاء الشديد، فرغم وقوعه تحت قبضة الحصار المستمر، إلا أنه استطاع التغلب على الديكتاتورية الأمريكية، والتي ينظر إليها باعتبارها المحرك الأكبر لقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي لم تنشأ من فراغ، فقد فعلت واشنطن الكثير والكثير من أجل قيام ثورة تحض على العنف والتطرف في إيران. ولعل ذلك ما يجعل المواطن الإيراني يرى أمريكا باعتبارها العدو الأكبر والأشد خطرا على استقرار وطنه، والذي يخطط دائما إلى استهدافه بالسوء في كل فرصة ممكنة.
في عام 1953 قامت الولايات المتحدة بدعم الإنقلاب ضد رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق والذي تم اختياره ديمقراطيا من قبل الشعب، كما ساعدت شاه إيران على تعزيز نفوذه، حيث ساهمت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في إنشاء الشرطة السرية الإيرانية والمعروفة آنذاك باسم سافاك SAVAK وقد حاول الشاه تطوير المجتمع الإيراني الإسلامي –الذي لايزال محافظا- على نحو قسري، وقد ساعد حكمه القمعي والفاسد على توحيد صفوف العلمانين والمحافظين من أبناء إيران ضده، الأمر الذي أدى إلى الإطاحة به أخيرا في عام 1979.
وبعد ذلك، حرصت أمريكا على تقديم الدعم للرئيس العراقي صدام حسين في حربه ضد إيران والتي استمرت نحو ثماني سنوات وأدت إلى هلاك قرابة نصف مليون شخص، حيث كانت واشنطن تقوم بحماية النفط الوارد من الكويت إلى العراق، كما زودت العراق ببعض الأجهزة الاستخبارتية من أجل دعم العمليات العسكرية، إلى جانب الأسلحة الكيماوية والتي استخدمت ضد الإيرانيين، كما قامت البحرية الأمريكية في عام 1988 بإسقاط طائرة إيرانية مدنية في الفضاء الدولي.
تم فرض العقوبات الاقتصادية على إيران لأول مرة عام 1979 والتي تم توسيع نطاقها بانتظام بعد ذلك. وفي أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، حرصت واشنطن على تأسيس شراكة وطيدة مع المملكة العربية السعودية- المنافس الأكبر لإيران- وقد رفضت إدارة بوش عرض إيران بالتفاوض، حتى إدارة أوباما ايضا هددت باتخاذ إجراء عسكري ضد إيران.
وقد قالها هنري كيسنجر ذات مرة “جنون العظمة يجلب المزيد من الأعداء”. فعلى عكس الاعتقاد الشائع في أمريكا آنذاك بأن الشعب الإيراني سيرحب بأمريكا من اجل تخليصه من نظام حكم فاسد، فإن الجولة الأخيرة من العقوبات قد أدت على ما يبدو إلى تنامي المشاعر المعادية لأمريكا، حيث يمكن القول بأن النزعة الوطنية قد تفوقت على معاداة الشعب للسلطة الدينية القمعية.
وقد ساهم الاتجاه الأمريكي المعادي لإيران في اكتساب المملكة العربية السعودية قبضة هامة على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، مما دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى محاولة إعادة توازن القوى في المنطقة، وذلك من خلال خطة عمل شاملة متعددة الأطراف والتي نصت على إجراء تفتيش داخلي يهدف إلى تثبيط أي محاولة لامتلاك برنامج نووي إيراني في المستقبل، الأمر الذي أشارت إليه المخابرات الأمريكية بأنه لم يتم التطرق إليه بالحديث منذ عام 2003
وعلى الرغم من أن إدارة أوباما قد بالغت كثيرا في نص الاتفاق، إلا أن خطة العمل المشتركة JCPOA قد عرضت المزيد من التغيير في السياسة الإيرانية وتطوير شكل العلاقات الثنائية بين واشنطن وطهران. في الواقع، فإن الشباب الإيراني يحب أمريكا ويتطلع نحو المزيد من الانفتاح الاقتصادي، ولكن انخراط البلاد في المجتمع الدولي قد يزيد من أعباء التناقضات الداخلية. فإذا ما حاولت واشنطن تيسير دخول الإيرانيين في الأسواق الغربية، فسوف تتعالى الأصوات المطالبة بالمزيد من السياسات الانفتاحية في طهران، وذلك رغم المعارضة الإسلامية.
وهنا يمكن القول بأن اتجاه ترامب المتشدد والهادف إلى دحض كافة خطط أوباما السابقة، إلى جانب أفراد العائلة الملكية في السعودية هما المحرك الأساسي في اللعبة الأمريكية الحالية ضد إيران.
والمراقب للوضع حاليا سيلحظ أن كافة المخططات الأمريكية والخطابات التي تستهدف الدول المعادية لواشنطن قد باءت بالفشل التام، فالضغوط الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة لم تجبر أي نظام سياسي على الرضوخ للمطالب الأمريكية، لا على صعيد الملف الإيراني ولا حتى كوريا الشمالية والتي تسير وفق نهجهها الخاص ضربة بالنظام العالمي عرض الحائط.
وبالتالي فقد تسببت الإدارة الأمريكية في تعقيد الوضع الاقتصادي عالميا، وازدياد حدة التوتر واختلاق المزيد من فرص الصراع. ويجمع عدد من الخبراء بأنه في حال قيام أمريكا بإعلان الحرب ضد طهران، فإنها ستكون بمثابة كارثة كبيرة ليس لأمريكا وحدها، بل ولدول العالم أجمع، مما يحتم على واشنطن ضرورة مراجعة موقفها وتعديل استراتيجتها الخاصة في التعامل مع طهران.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا