شرق أوسط جديد بمعالم مختلفة | بقلم محمود حمصي
عام ونيف على طوفان الأقصى وإسرائيل ما زالت تغير معالم المنطقة، أسقطوا غزة ولبنان وسوريا والمنطقة بأسرها في فخ المقاومة، ولعبوا دور الضحية طوال هذه المدة وإسرائيل تحتفل في سقوط المحور وحماس أيضاً. انقسم العالم أجمع وأيّد ما قامت به حماس والآخر ندد وأيّد الضحية إسرائيل ليكتشف بعد ذلك أن ثمة أمر غريب وهو أن إسرائيل حققت ما تمنت أن تنال جزءاً منه خلال هذه الفترة وأن القضية الفلسطينية التي تباكوا عليها عقود باعوها اليوم مقابل ملاذ آمن في قطر أو تركيا إضافة إلى وطن بديل للفلسطينيين.
حماس والطوفان
في السابع من أكتوبر العام الفائت، قامت حماس بأكبر عملية اقتحام تاريخية لإسرائيل وصورت مشاهد السيطرة الدموية في حينها، وقف الشارع والإعلام العربي والمجتمع العربي برمته معها وأصبحت القضية الفلسطينية هي القضية العربية الأم تراجعت حماس في غزة وتركت شعب غزة الأعزل فوق الأرض، واستمرت عملياتها من أعماق الأرض وما طالبت به حماس وتطلبه الآن في المفاوضات لا يتعدى مصير الحركة وقادتها وقد أظهرت النتائج أن هذه العملية كانت غير حكيمة والتي أعلنت حينها عدة دول أنهم أنذروا إسرائيل التي أغفلت بحد زعمها نية حماس وقد تكشف الأيام ليس فقط علم إسرائيل بل أيضاً في التخطيط في صنعه. تعالت الأصوات المنادية بتدخل محور المقاومة التي تدعمه إيران، الذي تدخل بالفعل، وأغرق نفسه في مستنقع غزة الذي احتفل بسقوط سوريا ووجه قادته التهنئة الحارة وشعروا أن فلسطين تحررت بتحرير سوريا.
تدخل لبنان في الحرب
بعد الحرب على غزة، قامت المقاومة في لبنان بإسناد دقيق في غزة، والعمل ضمن بقعه جغرافية ضيقة لعدم هزيمة حماس في القطاع بالرغم من تأكيدها عدم معرفتها بأي نية مسبقة لحماس بالهجوم على إسرائيل.
إستمرت الحرب بالصيغة التي تريدها إسرائيل، من دون توسعة ليتم تجهيز الحرب على لبنان بشكل كامل فهي تعلم أن لبنان لا يريد الحرب ولا توسعتها وقد أظهرت أنها هي أيضاً لا تريد الحرب وتسعى للحل الديبلوماسي وبعد جمع كامل معلوماتها حتى أصغر مقاتل، قامت بالحرب على لبنان وحققت بعض أهدافها والتي أدت إلى نتائج عميقة مؤلمة داخل شعبية المقاومة وبعد اتصالات مكوكية، حققت الولايات المتحدة الأمريكية إنجازاً في الضغط على اسرائيل بوقف العدوان على لبنان الذي عاد الطرفان فيه إلى وقف لإطلاق النار وفق القرار ١٧٠١.
سقوط سوريا
لم تتدحرج الأمور لتدخل سوريا الحرب ولكن طوال فترة الخمسون عاماً على حكم آل الأسد لسوريا لم يخف على القاصي والداني مساعدة سوريا لحركات المقاومة في المنطقة تحديداً حماس، فقد تم فتح مكاتب لحماس في سوريا وتنسيق أهداف التنظيم الإستراتيجي نحو تحرير الأرض وتنظيم المخيمات الفلسطينية داخل سوريا والتعامل مع الفلسطينيين على أنهم مواطنين لهم ما له السوري من حقوق تعليمية وطبية وعليه ما عليه من واجبات مع احترام حقوقه، وبعد طوفان الأقصى، حاولت سوريا النئي عن نفسها نوعاً ما كي لا تكون جبهة إسناد جديدة وتقحم نفسها في الحرب الدائرة، فهي تعلم أنها ما زالت في معركة مع المعارضة وما زالت معزولة عن محيطها العالمي بسبب دعمها للقضية الفلسطينية، وبعد تجهيز العدة لإنهاء النظام السوري من تجهيز وتسليح وبناء قدرات ودعم استخباراتي دقيق في التواصل مع قادة الجيش السوري بدأت معركة سوريا وسقطت المدن من دون قتال وتليها سقطت العاصمة، ودخلت مرحلة شديدة التعقيد من جهة موقف الأكراد وسيطرة المتطرفين ومن جهة أخرى حماية الأقليات في سوريا. ولهذه الأسباب عززت أميركا جيشها في سوريا ودخلت إسرائيل وسيطرت على مناطق استراتيجية داخل سوريا ودخلت تركيا أيضا بسبب التمدد الكردي وأصبحت سوريا الجغرافية مقسمة بين تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فيما هم المعارضة السورية الوحيد هزيمة الأسد وطهران.
أي مستقبل ينتظر لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة
لا شك أن مشروع إسرائيل الاستيطاني لا يتوقف عند فلسطين بل أيضاً يشمل سوريا ولبنان ومصر والعراق والسعودية وفق خارطة إسرائيل الكبرى التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها منذ نشأتها.
وبعد إنهاء إسرائيل حربها على لبنان بفشلها بتحقيق الشرق الأوسط الجديد من لبنان وتحقيقه في سوريا بمساعدة تركيا، أصبح الجو السياسي اللبناني أقرب للتقارب والتوافق منه إلى التباعد بين الأفرقاء السياسية، حتى من الطائفة الشيعية التي دفعت أثمان القضية الفلسطينية قادتها وأبنائها وقراها وقد أصبحت تشعر أنها تقاتل نيابة عن الأمة الإسلامية فيما الفلسطينيين أنفسهم يطلبون من الطائفة الشيعية ترك قضيتهم، وباقي الأمة يعقدون الصفقات لإسقاط دول دعمت فلسطين حتى الرمق الأخير، كما أن حماس التي أعلنت صراحة أن تركيا هي الراعية لمصالح حماس وباركت ما جرى من أحداث بحق من دعم حماس، الأمر الذي جعل الشارع الشيعي على الأقل يعتبر أن موقفنا من غزة كان فقط للدفاع عن المظلوم في وجه الظالم وليس لأجل حماس وغير حماس، وهذا الطبيعي الذي يقال، فجبهة الإسناد لأجل فلسطين، كانت فخا إستراتيجياً للمقاومة، والجدير بالذكر أن البقاء والصمود هو بحد ذاته انتصار، ولو أكثر الجيوش تعداداً وقوة لكانت سقطت لما تحضر من خطط لهذه المقاومة ومع تغير الظروف الميدانية، لن يكون لبنان المقاوم والمدافع الوحيد عن القضية الفلسطينية، ولن يشرب كأس الغدر مرة أخرى، فقد ترك وحيداً في المعركة، لا دعم شعبي عربي ولا تأييد دولي بل الجميع يفاوض على دماءه، لذلك قد تلعب المقاومة الآن دوراً هاماً في تطوير لبنان لدفعه نحو الإزدهار مع المحافظة على حقوق لبنان البرية والبحرية وقد تكون المقاومة جزءًا كبيرًا أيضاً من الدفاع عن لبنان مع الجيش والشعب اللبناني لصون لبنان من الاعتداء الخارجي من دون القتال عن أحد أو إسناد أحد.
أما سوريا، بلد الحضارات، فإن سيطرة تنظيم القاعدة سابقاً وهيئة تحرير الشام حالياً على مفاصل الدولة لا يعني أن النظام السوري المدعوم من موسكو وطهران قد انتهى بشكل نهائي ولا يعني أن الائتلاف السوري (المدعوم عربياً) أصبح بحكم الملغي، وأيضاً لا يعني تقدم الهيئة شرق سوريا وشمالها أن التيارات الكردية المدعومة أميركياً قد انكفأت، الأمر نفسه للأقليات الدرزية والمسيحية، إنما تسارع حكم هيئة تحرير الشام بدعم قطري وتركي قد وضع النظام والائتلاف على الهامش والمستقبل القادم ينتظر الجمع بين هؤلاء الأطراف السورية إضافة للأطراف الخارجية التي تدعمها للوصول الى سوريا الجديدة وفق دستور جديد يضمن تمثيل كافة الأحزاب السياسية والأقليات ومشاركتها في حكم سوريا وفق دولة قانون موحدة.
في مقلب آخر، في حال لم يتم الإتفاق بين تلك الدول، فإن مستقبل سوريا سوف يكون عدة أقاليم طائفية ضمن دولة أو عدة دول وكل فصيل وحزب مسؤول عن دولته الخاصة، أما المؤكد فلن تعود الأحداث إلى الوراء، ولن تكون سوريا صاحبة الموقف الصلب الداعم للمقاومة ولن تعود سوريا الموحدة المؤثرة على العواصم العربية، ولن يكون حزباً واحداً وحاكماً واحداً كما في السابق.
أما غزة والضفة الغربية فلن يكونوا موطن للفلسطينيين بعد هذه التغيرات بل قد يكون هناك موطن بديل، فبعد هذه المعركة، أنهت إسرائيل كل اتفاقياتها السابقة بما فيهم اتفاق أوسلو وجميع اتفاقيات وقف التصعيد، فهي تنفذ خطة موضوعة منذ زمن للقتال على عدة جبهات وما كان ينقص تنفيذ الخطة هو الهجوم على إسرائيل لتأخذ الدعم الدولي وتلعب دور الضحية فكان لها ما أرادت بفضل سواعد حماس التي ساهمت في دعم شرق أوسط جديد. والذي يجمع بين هذه القضايا هو ان إسرائيل للأسف قد لا تعود العدو التقليدي للعرب بل قد تكون شرطي المنطقة الذي يلعب دوراً في فض النزاعات والوساطات بيننا نحن المتخاصمون.