عُمان: تجربة الشورى في الميزان.. ظفار أنموذجًا | بقلم مسعود أحمد بيت سعيد
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
أن تكون التجربة الشورية وصلت بعد عقدين ونيف إلى الطريق المسدود ليس في هذا مبالغة أو تجنٍّ، وأقول الطريق المسدود على اعتبار غاية مرجوة من وراء هذه العملية لم تتحقق إلى الآن. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي تلك الغاية؟ ولماذا لم تتحقق؟ وكيف يمكن تحقيقها؟
ومن الطبيعي أن تُثار الأسئلة عندما يدور الحديث عن تجربة مستحدثة، تتلمس خطاها بلا تقاليد برلمانية تاريخية، وتكتنفها الاجتهادات والرغبات والحسابات من كل جانب؛ الأمر الذي يتطلب وقفات ومراجعات نقدية جادة والوقوف على الإيجابيات والسلبيات، وتثبيت الأولى ونبذ الثانية.
ولا توجد تجربة بشرية بلا نواقص أو ثغرات، ويبقى أهمية الإيمان بممارسة ديمقراطية سليمة تعبر عن تطلعات العمانيين في إيجاد مؤسسات تقوم بدورها في تطوير أدواتها التشريعية والرقابية على أكمل وجه؛ كمطلب خاضع للاجتهاد المستمر؛ بحيث تتجاوز سنوات طويلة من الفردية وغياب المشاركة الفاعلة واستخلاص الأنسب من المناسب، ودائما لجهة شق نموذج يستلهم الخصوصية وتطورها من كل النواحي، حتى تأتي أكثر تعبيرًا عن طبيعة الاحتياجات الاجتماعية وترسي تقاليد حميدة في هذه المرحلة والتي تليها.
والحقيقة.. ربع قرن أو يزيد وقت كاف للحكم الموضوعي، ومن المفترض أن تكون قطعت أشواطًا في مضمار التقدم إلى الأمام بصرف النظر عن الأسباب والدواعي التي أملتها وما تطرحه من تساؤلات، والتي تحتمل تعدد القراءات، وسيكون من الصعب رصد الظواهر الاجتماعية وتحديدها بدقة في ظل غياب تعبيراتها السياسية؛ ومهما كانت صوابية هذه التحليل من عدمه؛ يبقى من الضروري الاستفادة من دروسها.
ومن نافلة القول.. إنَّ وضع العربة أمام الحصان قد أجهض التجربة وأفرغها من محتواها؛ حيث لا تجربة ديمقراطية ناجحة دون دستور عصري وقوى سياسية؛ وإعلام استقصائي طليق؛ وإن كان من المجحف تجاهل هوامش حرية الرأي والتعبير على الأقل في هذه الفترة. والآن باليد مجلس مُنتخب من قبل الشعب مهما كانت المآخذ؛ الأمر الذي يستدعي تطويره بحيث يلعب الدور المأمول في الحياة العامة. بالطبع تتوجَّس الانظمة السياسية من الحياة البرلمانية وتفاعلاتها، وهو ما تحاول السلطة -أي سلطة- بشكل مباشر أو غير مباشر الأخذ باليسرى ما أعطته اليمنى، مستغلة الفجوات الواسعة بين الشرائح الاجتماعية المختلفة.
وحتى نلامس الواقع، سنحاول مقاربة نتائج الممارسة العملية من زاوية تجربة محافظة ظفار؛ وسنكتشف دون عناء كيف تم وأد التجربة في مهدها. حيث أُدخلت التجربة منذ البداية العناية القبلية المركزة ويبدو لن تبرح منها قريبا، ولا نذيع سرا عندما نشير بوضوح تام إلى مدى تأثيرها السلبي باستدعاء النعرات القبلية والمناطقية بشكل لم يسبق له مثيل من قبل؛ مما يضع عائقا موضوعيا أمام تطور أي تجربة وطنية؛ جرى ذلك وفق ذهنية ضيقة تتجاهل قصدا أو سهوا أنَّ غياب الوطني ينمو نقيضه، وقد أشرنا لهذه التجربة باعتبارها ظاهرة غير مستحبة تستحق التوقف عندها بتأنٍّ.
وهي دعوة لمغادرة هذا النفق المظلم واستحضار التراث الوطني الكبير بما يسهم في إغناء التجربة وتطويرها.. عشرات الآلاف قد أطرَّوا هياكل فارغة وزودوها بشحنات قبلية ومناطقية؛ والعزف على ما تبقى في الذاكرة الجمعية من ترسبات واستغلال حاجات نفسية ومعنوية بعضها مشروع رسخه انسداد الآفاق، والبعض مفتعل ويتم توظيفه لغايات السيطرة والسطو على حقهم الدستوري والقانوني؛ في ظل عدم توافر البدائل والخيارات.
ومن المعروف أن القبيلة ظاهرة تاريخية متحركة لها بداية ونهاية، ومن الناحية الفعلية قد انتهت؛ حيث التطور الاقتصادي والاجتماعي، وما يفرز من مؤسسات وتشريعات قد أحالها إلى متحف العاديات، ويبقى السؤال: هل الهياكل الشكلية التقليدية لا يزال لها مستقبل في ظل التحولات الكبرى في الواقع الاجتماعي؟ وهل تستطيع في حال استمرارها الوفاء بالمتطلبات الوطنية الشاملة؟ وإذا كانت التحالفات مشروعة في الانتخابات البرلمانية بما فيها الديمقراطيات العريقة يبقى شرطها الأساس التحالف والصراع على البرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وليس تحالفا وصراعا قبليا ضد تحالف قبلي آخر؛ حيث تغيب البرامج والرؤى الوطنية والمصلحة العامة، وتغيب الغاية التي وُجِدت المؤسسات من أجلها.