لم يكن مجرد قارب هجرة غير شرعية هو الذي تسبّب غرقه بواحدة من أقسى الفواجع التي عاشها ذوو عشرات الضحايا في غرق القارب في ساحل طرطوس السوري، بل إنها قوارب اليأس التي تدفع بأبناء شعبنا في مشرق الوطن ومغربه، بل تدفع بأبناء العديد من بلدان العالم إلى ركوب الهجرة غير الشرعية طلباً لعيش يظنونه كريماً خارج بلدهم.
في جلسة مع رفيقي وأخي المناضل الدكتور هاني سليمان الذي ركب البحر قبل أسبوعين مع ثلة من شرفاء الوطن باتجاه الحدود البحرية مع فلسطين ليعلنوا تمسّكهم بثروة بلادهم الوطنية، قلت له: كم هو الفارق كبيراً بين قواربكم التي انطلقت من طرابلس وكل الساحل اللبناني باتجاه الناقورة، وكادت أن تصطدم بالبوارج الصهيونية على حدودنا البحرية مع فلسطين المحتلة، وبين هذه القوارب التي يقف وراءها “مهرّبون” ينهبون كل ما يملكه هؤلاء المساكين من أجل تهريبهم بحراً.. أنه الفرق بين الأمل الذي يحفّز على مواجهة الطامعين في أرضنا ومياهنا وخيراتنا، وبين اليأس الذي يستغلّه الطامعون في قوت الفقراء المعذبين بسبب ثلاثية التبعية والفساد والاستبداد التي تتحكّم بواقعنا العربي، بل بواقع العالم كله..
بين هذا الأمل الذي يشدّنا إلى الأرض ونصرّ على البقاء فيها، وبين ذاك اليأس الذي يراهن عليه كل من يريد إخلاء بلادنا من أهلها، يمكن أن نحدّد الطريق إلى المستقبل الذي لا فقر فيه.. ولا عذاب، ولا ألم..
أن نبقى في بلادنا ونسعى بكل ما أوتينا من قوة وتصميم، وجهد على مواجهة الصعاب، أفضل من المغامرة في الإبحار هرباً من أوجاعنا لنقع في أوجاع أشدّ وأقصى.
رحم الله ضحايانا الشهداء في قوارب اليأس والهجرة، فلقد نبّهونا بدمائهم إلى مصيرنا المشترك الواحد كلبنانيين وسوريين وفلسطينيين.