تحتفي الدول بجيشها وتعتبر يوم تأسيسه يوماً وطنياً خالداً ،ولطالما تغنت الامم بجيوشها ،والجيش العراقي واحد من جيوش المنطقة القوية والمؤثرة في الاحداث ،وقدمر بمراحل عديدة منذ تأسيسه في عشرينيات القرن الماضي في السادس من كانون الثاني عام 1921الى يومنا هذا.
وتكاد كل مرحلة تختلف عن الاخرى بحسب النظام السياسي الحاكم ،حيث ارتبطت المؤسسة العسكرية العراقية بالمؤسسة الحاكمة سيما بعد مجيء حزب البعث الى الحكم وتسلطه على المؤسسة العسكرية،وبدأ تحويل الجيش إلى منظمة حزبية من خلال الاشتراط بقبول البعثيين فقط في الكليات العسكرية ،وكذلك في كليات الاركان والدورات العليا ولم تكن هذه الكليات لتقبل بأقل من درجة عضو عامل إلا ماندر.
ولهذا نجد أن ذاكرة العراقيين مع الجيش العراقي تتأرجح بين المراحل التي مر بها .
ولقد كانت للجيش مآثر بطولية في حروب العرب بعد إحتلال فلسطين ويكاد الجيش العراقي هو الجيش الابرز الذي لم يكن في خط التماس ولكن كان تأثيره كبيراً في المعارك العربية وأهمها معركة 1948و1973 والتي تطوع العراق فيها رغم أنه لم يشترك في قرار الحرب لا في الاولى ولا في حرب تشرين 1973.
ويمكن أن نسمي مرحلة ماقبل البعث بالجيش القومي ،وحتى في مواجهة الحركة الانفصالية في شمال العراق التي كانت لالهاء وتحييد الجيش العراقي عن واجباته القومية ،وفيها تفاصيل كثيرة بحاجة الى ذكرها والوقوف على أهم نقاط تلك المرحلة وهو ما لايسعه المقال .
كانت مرحلة الثمانينات بداية عهد جديد للجيش العراقي مع استلام صدام حسين لكل مقاليد الامور وقد روج بأن يكون الجيش العراقي جيش عقائدي ،ولكن الامور كانت تتجه الى غير ذلك ،فقد أفرغ الجيش من كل الرجال الذين امتلكوا الخبرات الاكاديمية من الجامعات العالمية وابدلها برجال البعث مع تأهيلهم بدورات سريعة واخرى منظمة ليكون الجيش ذراعه العسكرية ،ولكنه لم يكن يطمئن لذلك أيضاً فأنشأ الحرس الجمهوري ووصل تعداده ليكون اكثر من ثلاث فرق ،وفيها تقسيمات وترتيبات حسب الولاء والقرابة منه .
لقد كان الجيش العراقي ضحية صدام في زجه بحروب عبثية ،وضحيته بعد سقوطه أيضا فقد رأى الكل أن الجيش جيشه ولهذا كان قرار بريمر بحل الجيش العراقي والذي عُد القرار الأخطر له على المستوى الستراتيجي .
وقد أراح هذا القرار الدول التي تضررت من قوة الجيش العراقي ،وكذلك الدولة العبرية التي كانت ترى في الجيش العراقي خطراً كبيرا عليها . لم يواجه قرار بريمر بحل الجيش أي إعتراض بل أيده الكل ضمنا أو تصريحا، وأراد بريمر ومن خلفه من صناع القرار في الادارة الامريكية إعادة هيكلة الجيش العراقي (كجيش دفاع وطني ) لايملك أي مقومات الحرب !، وهو مايدخل في صالح الدولة العبرية والدول المحيطة بالعراق ولهذا تسالم الكل على الامر .
وأعيدت تشكيلات الجيش بالاعتماد على رجاله السابقين أيضا وتحولت مهامه الى مهام الشرطة في حفظ الامن ،وهو ما أرهق أفرادها أولا وأفسد الكثير من رجالها .
ولو كنت تريد إفساد جيشٍ ما وزرع الفوضى في المدن لاوكلت له مهمة حفظ الامن داخلها، وهو ماحصل مع الجيش العراقي بعد أن أوكلت له هذه المهمة.
ولم أجد طيلة السنوات منذ الاحتلال الامريكي والتغيير في 2003حتى احتلال داعش لثلث أو أكثر بقليل من اجزاء العراق أي ستراتيجية واضحة لبناء وتسليح الجيش العراقي وفق خطة مدروسة رغم الانفاق الهائل على المؤسسة العسكرية .
وكان لضم الالاف لهذه المؤسسة لأغراض انتخابية وتوزيع الرتب عشوائيا وبشكل مفرط أثره في ترهل الجيش العراقي وكاد أن يصل تعداده الى المليون قبل 2014ولكنه لم يصل الى المرتبة التي كان عليها قبل 2003بأنه من أقوى جيوش المنطقة ورابع جيش في العالم وان كنت أشك في هذا الترتيب الذي صنع هالة كبيرة له من أجل التحشيد لضربه أنذاك وتدمير العراق في ستراتيجية مدروسة لصالح الصراع العربي الاسرائيلي .
لقد قلت أن هذا الجيش كان ضحية صدام في حياته ومماته .
ولم أجد هناك ثقة متبادلة بين السياسين (وأغلبهم قد قاتل الجيش ضده )ولم يستطع مغادرة عقليته العدائية وتجاوز الحالة النفسية ليحول رجال هذا الجيش الى أصدقاء وأبناء ،ولهذا كان الاهمال والتخوف من إعادة بناء الجيش هاجساً يسيطر عليهم وقد كانت التقارير والتحليلات تشبع عقولهم بعودة الانقلابات العسكرية على النظام السياسي.
مع أن المتفحص والمراقب السياسي يرى استحالة هذا الامر في العراق فلم تعد الامور كما كانت وتعددت مراكز القوى فيه .
وان العالم الجديد يرفض مثل هذه الامور لافي العراق فحسب وانما في دول العالم جميعا ولم نر نجاح أي انقلاب بعد الالفية الثانية الا باتفاق دولي .
وكانت العدة والتخطيط ترسم ليناء جيش رديف بعد فشل الجيش العراقي في محاربة الارهاب !!.
وقد شط بي القلم لاعود الى موضوعي حول الجيش العراقي في 2014 فلم يكن جيشا يمتلك المقومات التي تجعله ممتلكا لزمام المبادرة ،ولم يكن القائمون عليه قد أبروا لهذا الجيش ووفوا بالتزاماتهم معه
لامن حيث التدريب ،ولامن حيث التسليح، ولا من حيث التجهيز ،ووصول بعض الاسلحة الامريكية الحديثة من الدبابات والدروع لم تكن مجدية بلحاظ عمليات التدريب واستيعاب القادة لها .
بل إن بعضهم وضع خططا لجيش بديل يحل محل الجيش العراقي .
وبعد نكسة حزيران العراقية في 2014 يمكنني القول أنها مرحلة أُخرى في تاريخ الجيش العراقي ،مرحلة بناء تدريب بدني وتدريب نفسي وعسكري واتقان استخدام الاسلحة الحديثة أو تطوير الاسلحة السابقة .
لقد كانت المرحلة بعد النكسة مرحلة جديدة وجديرة بالتوثيق ،فلم يكن هناك سباق على القيادة للمواقع العسكرية بل كان هناك نوع من التهرب والتململ لانها كانت مواقع للمواجهة والقتال ولم تكن مواقع لامور اخرى كان بعضهم يحاول الوصول اليها بشتى الطرق قبل النكسة.
لقد كان اختيار القادة العسكريين امرا صعبا من الناحية الاولى التي ذكرتها ومن ناحية المؤهلات التي تسمح للشخص أن يتولى زمام المبادرة (النزاهة والكفاءة والشجاعة)
واستطيع القول أن مرحلة معارك التحرير أعادت هيبة الجيش العراقي وأدخلته في مرحلة بناء جديدة وأصبح جيشا لكل العراقيين ،وانه جيش التحرير الذي حرر المدن ودخلها منتصرا مزهوا لتنقلب الصورة عما كانت عليه قبل وأثناء نكسة حزيران 2014.
ويبقى الجيش العراقي رمزا للدولة العراقية والاحتفاء به في ذكراه المئوية احتفاءً بوطنية وتاريخ هذا الجيش العراقي .
وسلامة بنائه وقوته سيكون رمزا للدولة العراقية المتماسكة .
ليكون جيشا حامياً للدولة ولنظامها السياسي ولحدودها من شماله الى جنوبه .
فالقرن من الزمن جدير بأخذ الدروس والعبر لمستقبل أفضل .