مصير الأُمة التي تفقد المثل الأعلى… | بقلم علي الهماشي
أقصد بالمثل الاعلى هنا المثال الذي يُحتذى به،قد يكون شخصًا حاضرا أو قد تكون حالةً ترغبُ الأُمة بالوصول لها..
وهذا الهدف يجعل الأُمة سائرة بوتيرة موحدة ومتصاعدة مالم تتدخل عوامل خارجية أو تحدث هزة داخلية تغير توجهات المجتمع أو الأُمة، ورغم تفرق المهام والمسؤوليات إلا أنك تراها تصب في اتجاه الهدف المرسوم كما هي الروافد التي تصب في مجرى النهر الصغير.
و لهذا تحرص الأنظمة الشمولية أن تزرع في وعي المواطن ما تريده من (مُثُل) وتجعل من زعيمها (المَثَل الأعلى ) الذي يجب أنْ تلتحق به الجماهير.
ونرى المجتمع في الحالة أعلاه تكون له مسيرة ملحوظة وانتاجية في كافة المجالات.
ولا يمكننا أنْ نحسب ذلك للنظام الشمولي بل هو نتاج المجتمع وطبقاته المثقفة والعاملة بحسب نوعية الانتاج، لذلك لا يمكن رفض كل نتاجنا (العراقي) الثقافي والعلمي والاجتماعي وغير ذلك بحجة أنها تنتمي للنظام السابق،فهذا نوعٌ من التدمير المبرمج يدخل ضمن محو أو تشويه ذاكرة المجتمع العراقي ليكون هناك خللا في حركة المجتمع ومستقبله.
وما يمكن تشخيصه في مرحلة ما بعد نظام البعث هو غياب أو محاولة تغييب القيم والمثل العليا في المجتمع، والأسباب متعددة ومتداخلة..
وقد يتساءل ألا يمكن إعتبار الديمقراطية مثلا أعلى ؟
ولا أدخل في إجابتي عن التساؤل بتحليل مفهوم الديمقراطية وصلاحيتها كمشروع حكم أو قيمة معنوية للمجتمع إلا إنَّ ديمقراطيتنا مشوهة لم يُعرف منها إلا الانتخابات،ومحاولات تهديم أركان الدولة العراقية.
وقد يتساءل أخرون ألا يمكن إعتبار الحرية مثلا أعلى ؟ وهي أيضا عرفناها مشوهة ونفهم منها التظاهر وتعطيل العمل الرسمي وتخريب مرافق الدولة والاعتداء على الخصوصية للاخرين،وسب وقذف المسؤول بمبررات الحرية.
وبسبب الفوضى والتشويش الممارس بطريقة مدروسة نكاد نفقد المثل الاعلى أو يتم تغييب المثل الاعلى،ولا يُراد لمجتمعنا أن يكون له مثلًا أعلى !.
وهناك حراك يستهدف الشباب العراقي كما يستهدف الشباب العربي أيضا مع إختلاف بالتفاصيل لكل بلد، و (لا تقولوا نظرية مؤامرة) لكن الواقع يؤكد ذلك،كما إنَّ الحكومات المتعاقبة جميعها لم تكن قادرة على تلبية طموحات الشباب لضعف إمكانياتها الفكرية والتنظيمية او بسبب قصورها في قراءة الواقع وكان من البديهي لمصلحتها أن تلبي طموح الشباب ولكنها لم تكن مؤهلة لذلك.
وحتى على مستوى المؤسسة الدينية والاجتماعية لانجد طرحًا للمثل الاعلى بقوة لكي يتصدى للتحديات المطروحة،وربما ذلك بحاجة الى تفصيل فيه من حيث رؤية المؤسسة الدينية في العراق لنوع التصدي هل في التفاصيل ام في الامور العامة ؟وستبرز اسئلة كثيرة لهذا سأبقي على النتيجة وأرى أنَّ هناك نوعا من الشعور بالحرمان لدى طبقة الشباب،أو أنَّهم يعيشون الحرمان فعلا،مع الضغوط الاقتصادية والفكرية الداخلية والخارجية تدفعهم الى الاغتراب عن الواقع ومن ثم تظهر اعراض هذا الاغتراب بحالات نفسية كالاكتئاب او يحاول بعضهم التنفيس فينفجر على الواقع فإما تتلقفه أيدي الارهاب أو ايدي الالحاد، أو الظواهر الشاذة المتمردة على الواقع،وعلى البنية الاخلاقية، وربما كانت ردود أفعال وقتية أو حالات فردية ولكننا نرى استقرارا لها لتشكل ظواهر إجتماعية خطرة على النسيج الاجتماعي.
ولم تعد الطبقة المثقفة والمفكرة في البلد لها التأثير المطلوب،لا قصورًا في فكرهم،وانما بسبب تخلفهم عن استخدام الادوات التواصلية وسرعة تفاعلهم مع الشباب بشكل خاص والمجتمع بشكل عام الذي يتأثر بحالة ما على مواقع التواصل سرعان ما تتحول الى قضية رأي عام أو نجد حالة غير سوية في مكان ما فيروج لها بطريقة مدروسة لتصبح ظاهرة تهدد البنية الاجتماعية العراقية.
ولا يمكننا هنا إلا أن نؤشر على مواطن الخلل والمصير المنتظر في تغييب المثل الاعلى.
والمسؤولية مشتركة في مسألة التغييب يشترك فيها المثل الاعلى بعدم التصدي وهو يتخلى عن دوره !.
أو أنَّ المجتمع لا يستمع إليه فيواجه التيه، وما نمر به من إرهاصات قد تؤدي بنا الى التيه فغياب الهدف وغياب المثل تجعلنا أقرب الى التيه أكثر من تيه بني اسرائيل !!!.