نحو سلم اجتماعي عراقي (1)؛ | السيد علي الهماشي
نحو سلم اجتماعي عراقي ..1
عادة ماتطرح مواضيع السلم والسلام بين افراد المجتمع بعد انتهاء حرب أهلية تقع بين مكوناته أو بين سكان مناطق جغرافية وتختلف المسببات لذلك .ولكن السلم الاجتماعي مطلوب في كل الاوقات وله أن يتأصل في المجتمع بتوفر أدواته ومستلزماته وكلما سادت العدالة كان السلم أقرب الى الواقع وكان الأمن اكثر رسوخا فيه ،وتكون الجرائم الجنائية وغيرها أمرا شاذا ،أمرا يبعث على الاشمئزاز والنفرة من أبناء المجتمع ،وعندما تألف المجتمعات الجرائم فهذا يدل على أنه مجتمع غير سوي ،وبحاجة الى ثورة إصلاحية تعيد له رشده !.
والسلم اصطلاحا هو “أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة : هو ما يقابل الخصومة وهو الموافقة الشديدة في الظاهر والباطن بحيث لا يبقى خلاف في البين.
و من لوازم هذا المعنى مفاهيم الانقياد والصلح والرضا.” وربما التعريف يعطينا بعدا مهما لما اريد التحدث عنه ، ولكني أُريد أن
أصل الى أعمق من مفهوم السلام السياسي الذي يكون عادة بين السياسين وأُمراء الحرب وتبقى الطبقات التي تعرضت لحوادث القتل أو التهجير او الافراد الذين تعرضوا للعوق او فقدان اقربائهم وأعزائهم وأهلهم معرضين لتأجيج روحية الانتقام لديهم وقد تُعاد أو تتأزم الأُمور إلى أسوء من ذلك بحدوث ادنى خطئٍ .
والتساؤل الاول هل عاش مجتمعنا السلم الاجتماعي منذ تأسيس الدولة العراقية-التي تصادف بعد أيام الذكرى المئوية الاولى لولادتها -الى يومنا هذا؟
ولا اريد الاجابة بالنفي مباشرة قبل أن أستعرض مسببات الصراع الذي يصل الى حد الاقتتال والتي كثُرت في مجتمعنا العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية .
أتحدث عن الدولة العراقية لانها وجدت كنظام سياسي كان له الاثر الواضح في البنية الاجتماعية ،وفي فرض منظومة فكرية وأخلاقية جعلت من روابط المجتمع ضعيفة ومعرضة للقطيعة بسبب انعدام العدل الذي فرضه المحتل الانكليزي لغايةٍ في نفسه ،وربما كانت انتقاما من الخسائر التي لحقت به جراء ثورة العشرين التي يتذكرها حتى يومنا هذا !.
إن مافرضه المحتل البريطاني كان احد الاسس التي أدت الى خلل البنية الاجتماعية العراقية ولهذا كان السلم الاجتماعي مهددا بمجرد فقدان القوة التي أسست لذلك .
ولهذا نجد أن المجتمع العراقي ظل باحثا عن توليفة تعيد له توازنه وبقي مجتمعا قلقا على مستوى الجماعة وعلى مستوى الفرد .
وكان تفاعله مع الحركات او لنسمها الثورات كما يحلو لمؤيديها او الانقلابات كما اسماها انذاك المناؤون لها ،كان المجتمع العراقي مؤيدا لها من أجل البحث عن تركيبة جديدة ينتجها النظام الجديد يجد فيها مستقره النهائي .
ولكن هذه الانقلابات أو الثورات لم تنتج الا طبقة اخرى من المستفيدين على حساب قطاع واسع من الشعب وما اصطلح عليه في النظام الشيوعي طبقة (النومنكلاتورا)وهي طبقة حصلت على الامتيازات أنذاك وهي الطبقة الحاكمة في الاتحاد السوفيتي السابق كما فصلها مؤلف كتاب (سقوط الامبراطورية الحمراء) ميخائيل فوسلينسكي وترجمه للعربية الدكتور سناء مصطفى الموصلي .
ويبدو أن الامر لم يقتصر على ثورة الشيوعين بل قد يكون في جميع الثورات التي تصيبها الامراض عندما يتحول رجال الثورة الى رجال الدولة ،وهو ما وجدناه في كل المراحل التي مرت بمجتمعنا منذ 1920 حتى يومنا هذا .
ويأتي مطابقا لما ذكره فيخلس في كتاب (حواريو الثورة )في القرن الخامس “يرفع الثوريون الشعارات السياسية من أجل الشعب ولكنهم
يديرون ظهورهم له بعد استلامهم للسلطة” والحال ذاته في كل زمان ومكان إلا ثورة الانبياء ومن سار على دربهم .
ولهذا نرى أن الشعب العراقي لم يتواءم مع اي نظام من الانظمة التي مرت عليه سيما تلك جاءت بعد الملكية وكان الوضع ملتهبا في كل الفترات ولم نجد تمسكاً شعبيا بأي نظام من الانظمة التي مرت بل كان يسارع للثورة عليه .
وربما انتبه النظام البائد الى ذلك وصرح صدام
حسين في احدى خطبه عند استيلائه على الحكم في ثمانينات القرن الماضي فقال”انتهى زمن الثورات “!!!.
وبدأ يفرض نسيجا اجتماعيا آخر ويزيد من تعقيدات التركيبة المعقدة أصلا التي إمتدت لاكثر من أربعة عقود من الزمان.
وبدأ النظام السابق استخدام منهج منظم يبقي على ما يتواءم معه ويحاول تغيير أو محو ما يخالف مشروعه الشمولي الديكتاتوري .
والملاحظ أن التغيير الاجتماعي الذي اتبع مع المجتمع العراقي منذ تأسيس الدولة حتى عام 2003 كان تغييرا فوقيا وجبريا ،ولهذا كانت ثقافة مكتسبة لم تتجذر في قيم الفرد العراقي الا في حالات معينة ، وربما يعود الفرد الى أصالته وكذلك المجتمع بمجرد زوال القوة التي فرضت هذه الثقافة .
ولقد مارست كل الانظمة السابقة بمافيها الاحتلال البريطاني اسلوب محو الذاكرة للمجتمع ،وبعد التغيير في 2003 حاولت القوى السياسية المهيمنة ذلك بحجج واهية ويتناسى الكل انه نتاج شعب وهذه الممارسات تخل ببنيته ومنظومته الاخلاقية والفكرية وتعقد في علاقاته وروابطه الاجتماعية ..
واذا ما أردنا أن نعيد أو ننهج منهج السلم الاجتماعي فهذا يتطلب إعادة مفهوم السلام وهو لايعني وقف الحرب وانما يجب تفعيل المبادئ التي تركز السلم الاجتماعي وأهمها العدالة ..
فعندما يشعر الفرد بالعدالة في مجتمعه وتشعر فئات المجتمع العمرية او غيرها من التقسيمات المعروفة تشعر بالعدالة وبقيم أخلاقية عالية من تكافل ورعاية صحية وعمرية وحرية تعبير سنجد أن هذا المجتمع سيبدأ بالاندماج الروحي وستراه كتلة واحدة ،ونرى القران الكريم عبر عن الخسران للانسان في سورة العصر للذين لايتواصون بالحق ولا بالصبر اضافة لخسارتهم بالاخرة إن لم يؤمنوا بالله ويعملوا الصالحات .
{بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }.صدق الله العلي العظيم
لذلك فمسألة السلم الاجتماعي لايعني أن يكون المجتمع دون حرب ، ولايتحقق السلم الاجتماعي الا اذا سار المجتمع بطريق مستقيم يجد فيه الفرد نفسه محاطا بمنظومة اخلاقية سوية ولايعيش حالة الازدواجية بين ما في داخله وما يعتقده وبين مجتمعه وتكون دوافعه منسجمة مع دوافع المجتمع ،ويرى في قيمه
واخلاقه مجسدة في المجتمع .
وللكلام بقية
علي الهماشي