نطالب الحكومة المقبلة بإسترداد مستقبل العراقيين بعد سرقته! | بقلم علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
العنوانُ غريبٌ بعض الشيء، فالاسترداد يكون لشيء ماضي وليس للمستقبل، والمستقبل ليس شيئا ماديًا كما هو معروف فكيف تتم سرقته !؟
سيأتي الجواب من خلال سياق حديثي عن هذا المفهوم الذي نتغافل عنه لأننا نعيش في أجواء اللامُبالاة، ونفكر بالحالات الظرفية، ونعمل في أقسام الطوارئ فقط، ولانفكر في أجيالنا المقبلة.
تعرف السرقة “بأنها أخذ مال الغير بغير حق ” أو “أَخذ مال معين المقدار، غير مملوك للآخذ”.
وبعض الاحيان التصرف باموال الغير سرقة أيضًا.
وسيظن البعض أني سأتحدث عن الفساد الذي أضحى منظما تكاد حلقاته تتداخل في شبكات محلية واقليمية ودولية، ولكني سأترك ذلك لأنه بات واضحًا، ووصل حد التخمة!.
وهناك تثقيف مبرمج في جعل هذا الامر سمة وصفة وحالة مجتمعية سائدة بحيث يتقوى الفاسد بمنظومته الخارجية قبل الداخلية، أو يقال شعبيًا (هي خربانة خربانة) لتأصيل ذلك في النفوس وتقييد العقول والأيدي من محاولة التغيير.
وبعض الأحيان يكون الحديث عن الفساد ممجوجًا لاتهام الكل فيختلط الحابل بالنابل.
ولكن سرقة مستقبل العراق لا تتم بهذه الطريقة فقط، وإنما بغير ذلك أيضًا.
ألم تسمعوا فتىً يقول لأبيه سرقت مستقبلي وظلمتني، أو فتاةً تقول لأبيها سرقت مستقبلي وظلمتني؟ فهل يُعقل أن يقوم الأب بذلك وهو يسعى إلى بناء مستقبل أفضل لبنيه وفق عقليته ورؤيته ؟ ولكنه حرف مستقبلهم بقرار خاطئ فأضاع مستقبلهم وتسبب بسرقة مستقبلهم وظلمهم لأن عقليته لم تستوعب الافق الذي سيعيش به ابنه أو ابنته،ولاشك إنه ظلمهم وإن كان لا يقصد ذلك.
وعرف الراغب( الظلم ) فقال “وضع الشيء في غير موضعه المختص به، إما بنقصان أو زيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه، ويقال فيما يكثر وفيما يقل من التجاوز”.
والحكومة مثل الأب، أو لنقل الدولة مثل الأب (يتداخل المفهومان في بعضهما بعضا) ويفهمها المواطن كأنها لأمر واحد، وتماشيا مع الفهم العام سأذكر كلا منها دون التفصيل او التفريق بينها كما فعلت في موضوعي السابق (نحو سلم اجتماعي ج5.)
والحكومة حينما تضع الامور في غير نصابها فإنها تظلم الشعب اولا وأخير وتسرق مستقبله .
وأي مسؤول يتصرف بعشوائية ولا أدرية فهو يسرق مستقبل العراقيين .
وكل الدول المتقدمة، وحتى تلك الدول القريبة منا في الشرق الاوسط التي تصنف بدول العالم الثالث تضع مستقبل أجيالها ضمن الخطط التي ترسمها حكوماتها، وبعضهم يخصص صندوقا للاجيال (صندوق مدخرات إن جاز التعبير) ..
وكل خطط التنمية المستدامة تضع في اولوياتها مستقبل الاجيال .
أما في العراق فقد تم سرقة مستقبلي ومستقبل جيلي بحروب صدام وما آلت اليه النتائج بعد ذلك لتولد لدى الاخرين كراهيةً وحقدًا (مقدسًا) على الشعب العراقي.
وزاد الطين بلة انهيار منظومته الحاكمة بعد الاحتلال الأمريكي في 2003 لندخل في دوامة الفوضى ويصبح العراق ساحة لصراع الولايات المتحدة مع أعدائها المفترضين مرة، ومرةً تقول الدول بجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة، ودخلنا في دوامات اخرى بعد خروج القوات الامريكية العسكرية.
ولكي لا أرمي بكل اوراق الاتهام على الاخرين، لابد من تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ، تتحمله الطبقة السياسية والمثقفة والمؤسسات الدينية بالتفاصيل المعروفة اكل طبقة، ولابد من الصراخ علينا أن (نسترد مستقبلنا ) وان نتحمل مسؤولياتنا، ولابد من وضوح في الرؤية بشمولية مع إرادة وعزم في انتشال الواقع من وحل ضعف الثقة بالنفس واليأس من التغيير، والدخول في مستنقع العمالة التي يتفاخر بها بعضهم و كأنها ميزة ..
ومن كل هذا أجد أنَّ من يسرق مستقبل أجيالنا يريد الابقاء على الفوضى، وينهي كل روح وطنية،وكل مشروع يهدف الى استرداد مستقبل العراقي في كافة الاتجاهات من الدين والثقافة الى المشاريع الاقتصادية الانتاجية الى تطلعات الشباب .هناك فوضى منظمة مدروسة تطبخ وتدري لتحرف الوعي المتوقد لهم.
لعل الاعتراف لا يكفي ولابد من العمل بدلا من الصراخ الذي طالب به قبل قليل فقد قالت المرجعية سابقا(بُحت أصواتنا) وعندما تبح الاصوات ينتقل العمل الى الميدان ليجعلنا نضع اللبنة لمستقبل أجيالنا، وهذا ما يجب أن تضعه الحكومة المقبلة كاولوية من أولوياتها، وعلى البرنامج الحكومي أن يضع هذا التحدي بإعادة مستقبل العراقيين في جدول زمني وكأولوية واضحة.
وليكن شعارنا نطالب الحكومة العراقية المقبلة باسترداد مستقبل العراقيين.