الاحدثالشرق الاوسط
هل حققت تركيا تقدماً جيوسياسياً أم هذا بداية الانهيار!!؟ | بقلم علي الهماشي
قد يكون التساؤل أعلاه مفاجئاً أو خارج المعطيات فيما يتعلق بالأوضاع في المنطقة فتركيا حققت تقدماً جيوسياسي في مناطق النفوذ ،وأهلت فصائل مسلحة كانت على لائحة الإرهاب الدولي لتكون طرفاً أو حاكماً جديداً لسوريا.
لنتحدث بمكامن القوة التي لدى هذه الدولة ثم نتطرق إلى ما يمكن أن يكون وبالاً عيلها .
تركيا التي استقرت سياسياً بعد فشل الانقلاب أو بعد أحداث 15/7/2016 فقد سيطر أردوغان على الجيش بصورة كاملة وأبعد القيادات العسكرية الغير موالية عن رئاسة الجيوش الثلاثة وعن بقية المفاصل العسكرية ، واعتمد على الحلقة العائلية في الامور السياسية الخاصة ، مع بروز رئيس المخابرات أنذاك(هاكان فيدان) وزير الخارجية الحالي كحارس أمين لحزب العدالة والتنمية، أو يكون الخلفية المحتمل لأردوغان ( وهذه نقطة ربما تؤدي إلى انهيار المشروع الأردوغاني ).
وعندما أقول المشروع الأردوغاني فلا يعني إنَّ بقية الأحزاب أو الشخصيات السياسية التركية لا تؤمن به ، ولكن الخلاف أنَّ بعضهم لبس اللباس العلماني القومي كخليفة لاتاتورك ، ولبس أردوغان ومن قبله بقية الاسلاميين الاتراك اللباس الاسلامي القومي أو إعادة للعثمانية ، وكلا الفريقين لا يفرط بأحلام الإمبراطورية أو توحيد الشعوب الناطقة بالتركية ..
الاجتياح التركي بواسطة الفصائل المسلحة لسورية يعده بعض المراقبين خطوة للأمام قبل تغيير رئاسة البيت الأبيض ، حيث عانت تركيا أردوغان كثيراً على المستوى الاقتصادي ،ولم تستطع أن تستغل عضويتها في الناتو لتمرير متطلباتها ، ويمكننا القول إنها فقدت أهميتها في الحلف بعد الحرب الأوكرانية التي جعلت أولوية الناتو في هذا البلد وليس تركيا.
تركيا الآن سعيدة بهذا التقدم فقد حققت ما أرادته قبل أكثر من عقد من الزمن للسيطرة على غاز سوريا مع الأموال القطرية، ولكن هذا الأمر مازال بعيداً حتى هذه اللحظة أو على الأقل لم تتبين ملامح ذلك ..
تركيا الآن سعيدة وهي تصرح ولا تلمح بعودة مدن سورية إلى الدولة الأم، وهو ما لا يرفضه أي سياسي حتى المعارضة ..
تركيا ترى أنها تقدمت بخطوة عما كانت تتخوف منه وترى أنها قوة إقليمية كبرى في المنطقة، وهي لا تتقاطع مع دولة الكيان فما زالت علاقاتهما جيدة من الناحية الإقتصادية وهناك تعاون أمني بين الطرفين .
تركيا التي استغلت وجود اللاجئيين السوريين طيلة عقد من الزمن بالمساعدات الأوروبية وجدت تحولاً في المسار الأوروبي بعد أزمة كورونا والحرب الأوكرانية ..
تركيا بالمفهوم الميداني أزاحت ايران من سوريا وبشكل أقل روسيا التي لها تفاهمات خاصة مع تركيا قبيل هجوم الفصائل وتركيا لا تتجرأ بخرق الاتفاق معها وهما مع إيران كانت الدول الضامنة لاتفاق استانة .
تركيا تريد تأمين طريق الهند بالشرق الأوسط أو لنقل أنها أو تفرض واقعاً جديداً بأنها اللاعب الأكثر فاعلية ولا يمكن تجاوزه، ويمكن لهذا الواقع الجديد أن يفتح خيارات أخرى.
كما إنها يمكن أن تكون كذلك في طريق الحرير الصيني ، وبهذا تجد نفسها في وضع مريح ولا يمكن تجاوزها بكلا الطريقين .
هذا ما يمكن أن نسميه الخطوات التي تكون قد ربحتها تركيا من تغيير النظام السوري، ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق دون صعوبات على الأرض أو التي ستؤدي إلى بداية الانهيار للدولة التركية التي يتخوف منها الساسة الأتراك بكل أطيافهم ، ويرون في (سايكس بيكو) المؤامرة التاريخية ضد دولتهم، وإن لم تمس وحدة الأراضي التركية لاسباب عسكرية وجغرافية وتغيير النظام فيها إلى تفاصيل الحرب التي أوقفت نتائجها تقسيم الدولة التركية التي وجدت الدول المنتصرة في الحرب العالمية عدم جدوى ذلك واكتفوا بتقسيم تركة الإحتلال العثماني وهي المنطقة العربية.
لكن الدولة التركية بتركيبتها السكانية والجغرافية غير مستقرة لأنها لم تستطع حل المشكلة الكردية ،ومازالت تتعامل مع القضية بطريقة القوي والضعيف ومازالت الحقوق الكردية لاتجد لها صدىً في عقلية الحكومات التركية ذات النزعة القومية.
تركيا لم تتعود أن ترعى دولة أخرى فاقتصادها المنهك لا يستطيع ان يتحمل أعباء دولة منهكة مثل سوريا إلا إذا اعتمدت على المال القطري في ذلك، وهذا يتوقف على عامل الزمن ..
قد تفقد تركيا نفوذها مستقبلاً بسبب الوضع الجديد الذي يفرض انتخابات وتعددية بحسب المرحلة الانتقالية في سورية، والضغط الدولي لا يستسيغ إطالة هذه المدة.
كما أن الولايات المتحدة مازالت مصرة على إبقاء الفصائل المسلحة بقائمة الإرهاب ويبدو أن الرئيس المنتخب أبلغ حكومة بايدن بعدم اتخاذ قرار (متسرع) في هذا الجانب، وفي العرف الأمريكي
تلتزم الإدارة القديمة في مثل هذه الأمور برغبة الإدارة الجديدة، وترامب لا يريد خسارة هذه الورقة فبقاء الفصائل على قائمة الارهاب يعني استبعادها من المشهد السياسي القادم والتي ستكون مشكلة لتركيا التي ترعى هذه الفصائل وهو ما يخالف بنود الناتو.
إضافة إلى أن الولايات المتحدة مازالت متمسكة بقصد كحليف استراتيجي لها في سوريا، ويبدو أن الرئيس الأمريكي القادم لم تكن له مشكلة في ذلك في ولايته الأولى حيث لم يتغير الدعم لأكراد سوريا كحليف مهم في محاربة داعش، ومازال أكراد سوريا يحتفظون بالسجون التي تعتقل فيها عناصر داعش الإرهابية.
تركيا كانت ممراً سابقاً لمقاتلي لداعش من أوروبا إلى المنطقة، وقد ينعكس الأمر مستقبلاً مما يجعلها طرفاً راعياً للإرهاب وينذر بمشكلة كبيرة لها ..
كل هذه الأمور تجعل من التمدد التركي إلى داخل سوريا كقنابل موقوته وأنها دخلت حقل ألغام جديدة إذا ما تقاطعت مصالحها مع الكيان، وربما تجد الدول العربية سيما مصر والأردن وكذلك أن سقوط بشار تهديد للتمن القومي، وهذا ما أجبر مصر على فتح حوار جديد مع إيران ابتدأ بمناقشة حرب لبنان وغزة وفرضه سقوط بشار لتستقبل مصر الرئيس الإيراني ليبدأ حوار بين قطبين مهمين في الشرق الأوسط ،ولا ننسى أن مصر ترى في ليبيا تهديداً آخر على حدودها الغربية .
والأردن لا تريد أن يكون البديل عن بشار فصائل مسلحة بخلفيات الإخوان المسلمين وداعش ،والعراق أيضاً لا يبتعد عن هذا الفهم أيضاً..
كل ذلك ممكن له تطويق الامتداد التركي، لنرى ارتداده على الداخل هناك .
وسيبقى الإدارة الأمريكية الجديدة القول الفصل، ومن راقب الفترة الأولى لولاية ترامب سيقرأ الصعوبات الجمة التي ستواجه تركيا الحالمة بعودة العثمانية.