خمسون لبنان والصين (الجزء الرابع والثلاثون): إعادة تشكيل دور لبنان كصلة ثقافة كونية | بقلم إيلي الملاح
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لقد تعرفت على الصين والحضارة الصينية في فترة نشأتي أولا من خلال أفلام الفنون القتالية الصينية، فكنت أشاهد أفلام ممثلين صينيين أبرزهم “بروس لي” و”دوني ين” و”جاكي تشان” وكنت فيما بعد أحاول القيام بما كنت قد شاهدته من مواقف بطولية أو مضحكة مع إخوتي. ومن ثم، عندما بلغت حافة الخامسة عشرة من عمري، أغرمت بالأكل الصيني لكونه يمتاز بطعمه الحار لمعظم أطباقه وطريقة الأكل بإستعمال العيدان. في ذلك الوقت إقتصرت معرفتي بالحضارة الصينية على أنها حضارة الفنون القتالية والأكل الحار ومكان صنع البضاعة المقلّدة والغير ألاصلية بسبب إعتيادي على سماع عبارة: “من وان جايبو لخرب دغري؟ شو صيني؟”
عندما تقدمت لخوض إمتحان دخول الجامعة اللبنانية في مركز الترجمة، لم يكن بعلمي أنه يوجد إختصاص في اللغة الصينية، لكن وجود ذلك الاختصاص لفتت إنتباهي. فعند عند صدور نتائج امتحان الدخول تم وضعي ضمن “المجموعة الصينية”.
دراسة اللغة الصينية والثقافة الصينية كان بهدف توسيع نطاق عملي فيما بعد، فكنت قد أتقنت اللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، وكنت ملما” باللغتين الألمانية والروسية. لقد تحمست للغة الصينية لكوني اعتبرتها وقتذاك إحدى أصعب لغات العالم، فبذلك أصبح قادرا على إستخدام اللغات العربية والإنكليزية والصينية وهم بالاضافة الى الاسبانية اللغات الخمس الأكثر إستخداماً حول العالم. بصفتي الأن أتكلم وأكتب وأجيد قراءة اللغة الصينية بالإضافة أيضا إلى أنني أجيد الإنكليزية والعربية أيضا، أصبحت فردا من مجموعة صغيرة تجيد هذه اللغات الثلاث بمستوى إحترافي.
تجربتي الاولى الحقيقية بالتواصل مع الثقافة الصينية كانت خلال دراستي في الجامعة. مضت بضعة أسابيع في بداية السنة الأولى ونحن نتكلم مع معلمتنا السيدة “خى شياو جينغ” عن مسابقة إسمها “الجسر الصيني”، وهي مسابقة ثقافية صينية تقام سنويا ويشارك فيها العديد من طلاب الجامعات المهتمين باللغة والحضارة الصينيتين. كان لهذه المسابقة شقيّن: عالمي ومحلي. يقوم الطلاب المحلين أولا بمنافسة بعضهم البعض ليتأهل أحدهم ليخوض المسابقة العالمية التي يشارك بها طلاب من مختلف دول العالم. في سنتي الأولى قامت السيدة ” خى شياو جينغ” بتقديمي إلى مدرب فن قتالي صيني إسمه “الونغ تشن”. كان مدربي أيضا لبنانيا وإسمه “جو سليمان”، ولكنه زار الصين وإكتسب الكثير من المعرفة حول الحضارة الصينية خلال سنوات تدريبه في جبل “وو دانغ”، فقام بمشاركتي خبرته خلال التمارين. وفي نفس السنة فزت بالمركز الثاني بمسابقة الجسر الصيني، وشاركت أيضا بمسابقة خطاب باللغة الصينية من تنظيم السفارة الصينية. في سنتي الثانية فزت بالمركز الأول بمسابقة الجسر الصيني، الأمر الذي أهّلني للمشاركة بالمسابقة العالمية التي بمجرد التأهل لها تؤمّن للمتسابق منحة ستة أشهر لتعلم اللغة الصينية في جامعة صينية من إختياره. لقد إكتشفت خلال هذه التجارب، بالإضافة إلى التعرف إلى بعض الزملاء الصينيين الذين درسوا اللغة العربية، أن الحضارة الصينية أعمق من مجرّد حضارة فنون قتالية وأكل حرّ وتجارة واعمال، بل إنها حضارة فن، أصدقاء و…عمل شاق أيضا.
لقد كان هدفي بعد دراسة اللغة الصينية البحث عن لغة أخرى ودراستها كما درست الصينية، ولكن بعد ثلاث سنوات من الدراسة أدركت أنه ليس بمعرفة الكثير من اللغات تصل إلى أن تكون مترجم بارع، بل إنها فقط ميزة تفيدك إلى حدّ ما. إنني الآن أؤمن أن دراسة لغة ما ليست بمسألة وقت فحسب، لأن اللغة لا تبقى على نفسها، بل إنها تتطور وتتغير وعلى الراغب بالتّمسك بهذه اللّغة متابعتها. بمعنى آخر: إن دراسة لغة معينة هي بكل بساطة عملية لا تنتهي، وعملية دراسة دائمة للحفاظ على اللغة، إن كانت اللغة هي الصينية أو غيرها.
الآن أنظر إلى مستقبلي بمنحى جديد: أتطلع إلى تنمية ما قد إكتسبته خلال حياتي الدراسية وتطويره ليجعلني مترجما” محترفا” في محور اللغات الإنكليزية، العربية والصينية. نصيحتي للشباب اللبناني هي أنه علينا أن نعيد تشكيل لبنان كبلد تلتقي عنده الحضارات، صلة الوصل بين الشرق والشرق،الغرب والغرب …و الغرب والشرق، وبذلك أعني أن نقوم كشباب لبنان بدراسة مختلف اللغات الجديدة (غير الإنكليزية والفرنسية اللتين إعتدناهما لردح طويل من عمر اختلاطنا الكوني) وحضاراتها وجذبها إلى لبنان من جديد.
لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا