الصورة الكبيرةقراءات معمقة
الإطار الرقابي الأمثل لتعزيز إستقرار العملة الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي | بقلم المحامي د. باسكال فؤاد ضاهر

الملخص باللغتين العربية والانكليزية
يرمي هذا الرأي المتخصص إلى وضع الإطار القانوني الأجدى لتفعيل الرقابة المسبقة، المشار إليها في الفقرة السادسة من المادة الرابعة عشرة من اتفاقية الإتحاد النقدي لمجلس التعاون الخليجي التي ميّزت المصرف المركزي الخليجي المزمع إنشاؤه سنداً للإتفاقية. وقد سعينا من خلاله إلى الإضاءة على أهمية تلك الرقابة وكيفية تفعليها سنداً للتجارب الدولية الحديثة ذات الصلة، كما وإلى اقتراح شكل الهيئات الرقابية وتوصيفها، إضافةً إلى طرح تعزيز دورها من خلال إيجاد وخلق محكمة متخصّصة للفصل بالقرارات التي تصدر عنها. وقد أشرنا أيضاً إلى أهمية إصدار العملة الموحّدة واستقرارها وربط ذلك بحقوق الإنسان، كما وبالفقرات الأولى والثانية والثالثة من إتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي.
This specialized opinion aims to develop the most efficient and practical legal framework for activating the preliminary supervision, referred to in the 6th paragraph of Article XIV of the GCC Monetary Union Agreement, which distinguished the Gulf Central Bank to be established in accord with the said agreement.
Through this opinion, we have strived to shed light on the significance of such an oversight and how to initiate it based on recent international experiences that are compatible with, as well as to recommend the form and the interpretation of the regulatory bodies, and further to suggest enhancing their function by founding a specialized court to adjudicate the decisions that they release.
We have also invoked the importance of issuing the single currency and the value of its stability while associating it with the human rights, just as the first, second and third paragraphs of the International Monetary Fund Articles of Agreement.
*** *** *** ***
1- مقدمة.
تكمن أهمية اتفاقية الإتحاد النقدي لمجلس التعاون الخليجي التي أقرّت بتاريخ: 30/12/2008، في مجاراتها الواقع المالي والإقتصادي الضخم للدول الأعضاء والمؤثّر على الصعيد الدولي والمتّصل باللُّحمة، التوازن، والتكامل في المواقف بين الأعضاء. هذه العوامل، بالإضافة إلى غيرها، فرضت نفسها بالنهاية على إقتصادات هذه الدول لناحية التوقيع على الإتفاقية، الأمر الذي عزّز توجهّها إلى طرح إنشاء بنك مركزي وعملة نقدية موحّدة بغضّ النظر عن تسميتها؛
وبالرغم من انصرام اعوام على إنشاء ودخول هذه الإتفاقية الهامة حيّز التنفيذ دون الوصول إلى طرح هذه العملة الموحّدة وإنشاء البنك المركزي، إلاّ أنّ التطوّرات المالية والجيوسياسة والإقتصادية العالمية المتسارعة في أحداثها التي تحصل راهناً باتت تشكّل حافزاً لطرح هذه العملة الموحّدة بشكلٍ مُلحّ.
2- هدف الرأي.
يرتبط استقرار النقد بحقوق الإنسان وقد أكدّ على علوّ شأنه الأستاذ: Sergio Pereira Leite في مقالٍ له تحت عنوان Les droits de l’homme et le FMI :
Les droits de l’homme et la stabilité macroéconomique sont loin d’être incompatibles. Ils jouent même ensemble un rôle crucial dans la lutte contre la pauvreté. En soutenant des politiques économiques saines et en encourageant un dialogue constructif dans la société civile, le FMI contribue à la défense des droits de l’homme.
وسنداً لذلك، فقد التزمت الدول الأعضاء بحكم اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي بالسعي إلى أن تقيم نظاماً اقتصادياً لا تترتّب عليه إضرابات عشوائية وأن تتجنّب التلاعب بأسعار الصرف، وتوجيه السياسة الإقتصادية والمالية نحو تعزيز النموّ الإقتصادي وأن تعمل على دعم الإستقرار بإرساء أوضاع إقتصادية ومالية منظّمة. وانطلاقاً مما تقدّم، تكمن أهمية الفقرة السادسة من المادة الرقم (14) بأنّ واضعها قد إستقى العِبر من النقص الدولي في هذا المجال وأنه قد سعى إلى تجنّبه بهدف حماية العملة الموحدة، لا سيما وأن غياب هذه الرقابات الوقائية كان سبباً مباشراً بتحكّم الأزمات المالية التي عصفت بعدد من الدول والكيانات، وما زالت آثارها ترهق إقتصادات الدول ذات الصلة.
لذا، فقد اقتصر رأينا الحاضر على بحث الأطر القانونية الأجدى بغية وضع الفقرة المذكورة من الإتفاقية موضع التنفيذ الفاعل والهادف، لا سيما وأنّ تلك المهام متصلة بأهداف المصرف المركزي المزمع إنشاءه.
3- مواطن القوة في إتفاق الإتحاد النقدي لمجلس التعاون الخليجي:
– الإعلان للعالم ان قوة إقتصادية تتمتع بثقل وازن على الصعيد الإقتصادي والسياسي الدولي قد وصلت إلى مُنتهى التعاضد وقررت توحيد عملتها.
– النص على تمتع المجلس النقدي بالشخصية المعنوية المصحوبة بإلإستقلالية وفقاً لأحكام المادة 5 من الإتفاق والمادة 3 منه المعطوفة على أحكام المادة 7 من النظام الاساسي.
– التأكيد على حصانات الأعضاء في المجلس النقدي وفقاً لأحكام المادة 16 من النظام الداخلي للمجلس المتصلة بدورها بالمادة 23 من الإتفاق الأساسي.
– التشديد على السرية المهنية للأعضاء وفقاً لأحكام المادة 17 من النظام الأساسي للمجلس.
– التأكيد على حظر تمويل وإقراض الجهات العامة وفقاً لأحكام الفقرة 3 من المادة 6 من الإتفاق المؤكد عليها في الفقرة 3 من المادة 4 من النظام .
– الأمر عينه بالنسبة للبنك المركزي: إنما الأمر الأهم، هو حصر مهام البنك المركزي المزمع إتمامه، بتحقيق إستقرار العملة ورسم السياسات النقدية وإدارة الإحتياطات النقدية وتعزيز التشغيل الفعال للبنية الأساسية لنظام المدفوعات ونظام التسوية والرقابة.
– الإشارة إلى انه من أهداف البنك المركزي وضع قواعد عامة للرقابة الوقائية على المؤسسات المالية وفقاً لأحكام الفقرة 6 من المادة 14 من الإتفاق.
– الإتفاق على معيار التضخم بإستخدام الأرقام القياسية لأسعار المستهلك، والإشارة إلى وجوب ان لا يزيد معدله عن المتوسط المرجح لمعدلات التضخم للدول الأعضاء مع هامش 2 %.
– الاتفاق على معيار أسعار الفائدة ، وآلية تحقيق التقارب.
– الإتفاق على ماهية الإحتياطات وهي الذهب النقدي وحقوق السحب الخاصة والإحتياطي لدى صندوق النقد وإحتياطات النقد الأجنبي، والإتفاق على مقياس مدى كفاية الإحتياطات بان تكون كافية لتغطية الواردات السلعية للدول الأعضاء لمدة حدها الأدنى أربعة اشهر.
– الإتفاق على معيار وآلية التقارب بموضوع نسبة العجز السنوي.
4- مفهوم المؤسسات المالية في الدول الأعضاء:
تشمل المؤسسات المالية في الدول الأعضاء كلّ من المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية من بنوك تجارية واستثمارية وشركات تأمين وشركات الوساطة إضافةً إلى البنوك المركزية، مما يدل على أهمية توسيع أطر هذه الرقابة الوقائية وتنويع هيئات الرقابة.
5 – شكل هذه الهيئات.
أشارت المادة الرقم (13) من الإتفاقية إلى تمتّع المصرف المركزي بالشخصية القانونية المستقلّة في حدود الأهداف والمهام المنصوص عليها في متنها كما وفي نظامه الأساسي. وقد أكدت المادة الرقم (15) على حصانة هذه الإستقلالية بحيث حظرت على أي من أجهزة التعاون والجهات الحكومية توجيه اية تعليمات إليه، وإلى المصارف المركزية الوطنية، كما وإلى أي عضو من أعضاء أجهزتها التنفيذية تكون من شأنها التأثير على أداء واجباتهم، ملزمةً تلك الجهات باحترام هذه الأسس التي رفعتها لمصاف المبادئ المتصلة بالتعهد بعدم التأثير بأي شكلٍ من الأشكال على أعضاء الأجهزة التنفيذية في البنك المركزي؛ هذه الإستقلالية الهامة تُعتبر نواة عمل البنك المركزي ودرعه الواقي وهي السبب في اعتماد الإتفاقية نص الفقرة الثانية من المادة الرقم (18) والتي سمحت للمصرف المركزي وضع المبادئ والشروط الخاصة بتنظيم الرقابة الوقائية على المؤسسات المالية الموجودة في الدول الأعضاء وإجراءات الإلتزام والتدابير الواجب اتخاذها في مجال تعزيز الإستقرار النقدي.
سنداً لما تقدم، تقتضي الإشارة إلى أنّ التجارب الدولية قد أوجدت هيئات للضبط المالي توصّف Autorité publique indépendante تتمتع بالشخصية بالمعنوية أو Autorité administrative indépendante (لا تحوز الشخصية المعنوية)، وكلتاها تُعتبر سلطة مستقلة تتمتّع بالمزايا والضمانات التي أشارت إليها قرارات المجلس الدستوري الفرنسي ذات الصلة ). علماً أنّ تعريب مصطلح السلطة هنا يعنيautorité وليس Pouvoir ، وليس له أن يرتقي إلى مصافها وفقاً للقرار الصادر عن المجلس الدستوري الفرنسي في 11 تشرين الأول من العام 1984 الرقم 84- 181، ومن ثم تبعه عددٌ من القرارات.
هذه الهيئات قد تتمتّع بالشخصية المعنوية من عدمها ( كما أشرنا أعلاه) والإستقلالين المالي والإداري، إلاّ أنها تعمل تحت إشراف البنك المركزي، مهمتها رقابة القطاع المسؤولة عنه وضبطه، وذلك من خلال رصد الإنحرافات بغية حماية العملة الموحدة والكيانات المالية للدول الأعضاء ومنع وقوع الأزمات في المستقبل. وهي تمتلك سلطة استشراف الإنحرافات وضبط المخالفات وفرض القرارت إضافةً إلى اتخاذ الجزاءات بهدف منع أي خلل مستقبلي في عمل القطاعات المالية وذلك بصورة مسبقة وسريعة، ولذلك فإنها تحوز المكنات الكفيلة بتحقيق غايتها السريعة في علم المال.
6- تجزئة وتفصيل هذه الهيئات.
سنداً للفقرة الرقم (2) من هذه الدراسة، تقتضي الإشارة إلى أنّ التجارب الدولية ذات الصلة من ناحية، وتشعّب مهام هذه الرقابة الوقائية المرتبطة بشمولية تعداد المؤسسات المالية من المصرفية بنوعيها التجارية والإستثمارية وأسواق المال وشركات الوساطة إضافةً إلى المصارف المركزية من ناحية أخرى، يدفعنا إلى القول بأنّ تجزئة وتفصيل هيئات الرقابة قد يكون أنفع من حصرها بهيئة واحدة نظراً إلى تعدّد المهام المتّصلة بتعدّد القطاعات. وبالتالي، قد يكون من الأسلم تفصيل تلك الهيئات على نحو يشمل القطاع المصرفي والأسواق المالية وقطاع التأمين إضافةً إلى هيئة لرصد المخاطر المحيطة بالمؤسسات المالية بشكل عام، وفق التعداد التالي بيانه:
– “هيئة الرقابة المركزية على البنوك المركزية والمصارف التجارية والإستثمارية،” عملاً بنص الإتفاق؛
– “هيئة الرقابة على الأسواق المالية؛”
– “هيئة الرقابة على شركات التأمين؛”
– “هيئة التحوط.”
7- اقتراح تعديل المادة ٢٤ من الاتفاق وانشاء محكمة عليا تعنى بالقضايا المالية والمصرفية كما وبحماية وتوحيد القيم التي انبثق عنها ارادة الدول الموقعة
.
نصت احكام المادة (24) من الاتفاق المساقة تحت عنوان “تسوية المنازعات” على الآتي:
“تعمل الدول الأعضاء على تسوية أي نزاع ينشأ بينها بشأن تفسير أو تأويل أو تطبيق هذه الاتفاقية بالطرق الودية، ولها وباتفاقها إذا تعذر تسويته طبقا لما تقدم عرض النزاع على التحكيم وفقا لقواعد التحكيم التي يتفق عليها.”
من حيث المبدأ، إن اللجوء إلى حل المسائل المتصلة بقضايا المصلحة العامة
كموضوع العملة وآليات الرقابة وسلطة الضبط الوقائي المرتبطين جميعهم بمبدأ استقلالية المصرف المركزي المُكرس بحكم الإتفاق والذي ينبثق عنه سلطة اتخاذ القرارات المتعلقة بالأسعار الفائدة، أو العملات، أو الاحتياطات. أو القضايا التي تُعنى بتوحيد وحماية القيم التي إنبثق عنها الإتفاق؛ لا يتواءم مع الوساطة أو التحكيم لا سيما وانها مرتبطة بشكل وثيق “بالمبادئ العليا” و”بمبدأ سيادة الدولة المالية” التي لا يمكن التنازل عنها.
لذا فإنّ الرقابة على عمل المصرف المركزي المزمع إنشاءه كما وعلى هذه الهيئات يكون من خلال إنشاء محكمة قد تدعى “محكمة العليا” مهمتها فصل الإعتراضات والشكاوى التي تتطرأ من جراء العمليات والقرارات التي يأخذها المصرف والهيئات الرقابية بهدف الرصد والضبط ومنع الإنحرافات وحماية القيم التي انبثق عنها الإتفاق،
ومن الجدير بيانه بان هذا المنحنى يريح رأس المال الدولي والاستثماري الذي يابع مبدأ بانه لا يستكين إلا لدولة القانون؛
وعليه، فإن القضايا التي من الممكن أن تُطرح على هذه المحكمة قد تتكون من الأطراف التالية :
– الدول الموقعة على الإتفاق.
– المصرف المركزي الوطني والمصرف المركزي الخليجي أو العكس .
– الغير من شركات مالية ومصارف وسوى ذلك.
– او قضايا مقدمة من شعوب الدول المنضوية بالاتفاق بهدف إعلاء القيم الجوهرية التي تحمي الروابط المشتركة.
8- الخاتمة:
تقتضي الإشارة إلى أنّ دور هذه الهيئات هو تكاملي مع الهيئات الوطنية فهي لا تلغي دورها ولا تحل محلها بل تسعى إلى زيادة الضوابط والرقابة بهدف الرصد المسبق ومنع الإنحرافات بالسرعة القصوى في ظل دينماكية عالم المال المتحرك بشكل دائم والمرتبط بالتطورات السريعة التي تحصل فيه، وذلك بهدف إسباغ الحماية القصوى على العملة الموحدة وبالتالي على إقتصادات الدول الأعضاء المتصل بتأمين الرخاء المستدام لشعوبها.
كما أنّه من الضروري القول في الختام أنّ فكرة توسيع هذه التكتلات ينبغي أن تبقى حاضرة وهو أمرٌ جيد وجوهري، وقد يكون من الإيجابي ضمّ عدد من الدول الأخرى إلى هذه الإتفاقية وذلك بعد فرض عدد من المستلزمات القانونية والمالية عليها ضمن هرمية تحدد الأولويات .
التوصيات:
– العمل على تقرير العملة الموحدة.
– تفعيل إطار الرقابة المسبقة، ووضع إطار قانوني لها يتضمن مبادئ توجيهية، وتعزيزها، وتوزيع مهامها من خلال إنشاء هيئات متصلة نقترح ان تكون على الشكل التالي:
هيئة الرقابة المركزية على البنوك المركزية والمصارف التجارية والإستثمارية.
هيئة الرقابة على الأسواق المالية.
هيئة الرقابة على شركات التأمين.
هيئة التحوط.
– إنشاء محكمة متخصصة للفصل بالنزاعات التي قد تنشأ بين هذه الهيئات والمصارف المركزية التابعة للدول الأعضاء او فيما بينها وبين المصارف والقطاعات العاملة كما ومع الغير، إضافة الى توحيد وحماية القيم المشتركة التي انبثق عنها الإتفاق.