الاحدثالصورة الكبيرةقراءات معمقة

دور الاستخبارات في الصراعات الجيوسياسية (حرب أوكرانيا وغزّة نموذجاً) | بقلم المحامي نبيل الحلبي

 

مقدمة

تخوض القوات المسلحة مواجهات على جبهات القتال، تستخدم فيها مختلف الأسلحة النارية وغيرها ضد القوات المعادية. بموازاة ذلك هناك حرباً خفية تدور بين الأطراف المتصارعة في ميدان آخر، سلاحها العمليات السرية التي لا تعرف الحدود، فهي تضرب داخل اراضي العدو. كما تلاحق الاعداء وعملائهم وشركاتهم في أنحاء العالم.

إنها حرب الاستخبارات التي لا تقل خطورة عن الحروب العسكرية التقليدية، نظراً لأهميتها في رصد تفاقم الخلافات والنزاعات ومراقبة التصعيد، والتنبؤ بوقت المواجه العسكرية المباشرة.

كما تبرز اهمية اجهزة الاستخبارات اثناء الحرب، من خلال تزويد القوات المسلحة الوطنية بالمعلومات وبنك الاهداف التي قامت الأجهزة برصدها. وفي الوقت عينه تعمل اجهزة الاستخبارات على اضعاف قدرات العدو في المواجهة وتحصين الجبهة الداخلية في البلاد.

كذلك لأجهزة الاستخبارات دور فعّال في ادارة المفاوضات وحل النزاع، وفي استشراق آفاق النزاع والسلام، وما لهما من تأثير على الصالح الوطني والامن القومي.

مع تقدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أتّسع دور الاستخبارات في الصراعات الجيوسياسية، وأصبح متطوراً وأكثر خطورة وتعقيداً، ويمكن اكتشاف ذلك من خلال الحروب الحديثة. مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية الفلسطينية في غزة.

لذا يكون من المفيد الإضاءة على دور أجهزة الاستخبارات في الحربيّن، من حيث النجاحات، ومن حيث الإخفاقات، وما لذلك من تأثير على أطراف الصراع.

كما أنّ في الحربيّن تبرز أدواراً لأجهزة استخبارات لا تنتمي إلى طرفيّ النزاع، يل تتبع دولاً داعمة لكل فريق ضد الآخر، وهذا ما سآتي على ذكره في هذا البحث من شواهد وأمثلة.

خصوصاً ان الأطراف الدولية الداعمة تواجه بعضها في كلا الحربيّن، وعلى ضفة الصراع الجيوسياسي بشكل مباشر وغير مباشر.

  • دور الاستخبارات ما قبل الحرب.

 

 

 

– تقديم التقارير للقيادة السياسية وصنّاع القرار في الدولة حول مخاطر اندلاع الحرب أو إيجابياتها.

ترصد اجهزة الاستخبارات الوطنية تصاعد التوتر بين دولتها ودولة أخرى، ثم تقيسها بميزان الامن القومي والمصلحة الوطنية الاستراتيجية. بناءً عليه، تقوم الاستخبارات بتقييم حالة التوتر استنادا إلى ما يردها من مصادر معلومات، ثم تعمل على التحليل السياسي والأمني للأحداث، قبل أن ترفع تقريراً مفصلاً إلى القيادة السياسية في الدولة تشرح فيه دوافع القيام بعملية عسكرية ضد دولة معادية، أو عدم القيام بذلك. على أن يكون المقصد في كِلا الحالتين حماية الامن القومي للبلاد.

قبل ان تتفاقم الخلافات بين روسيا واوكرانيا، حذّرت الاستخبارات الروسية الكرملين من تنامي التأييد الشعبي داخل اوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لا سيما بعد وصول قيادة سياسية جديدة في كييف مؤيدة للغرب. كذلك لفتت إلى أن هذا الأمر قد يتعداه إلى قبول أوكرانيا دعوة الولايات المتحدة إلى انضمامها لحلف شمال الأطلسي، وما يستدعي ذلك من تهديدات خطيرة على الامن القومي الروسي.

تدرك روسيا ان أوكرانيا تشكّل البوابة الغربية والحاجز الجغرافي الاخير في وجه توسع الناتو، كما ان موقع شبه جزيرة القرم كقاعدة بحرية متقدمة لروسيا تمنح الاخيرة سيطرة على البحر الاسود لكونها تتوسط البحر الاسود. وتدرك روسيا ان فقدانها للقرم بشكل خاص وأوكرانيا بشكل عام سوف يصب لمصلحة القوى الاطلسية، الذين سيطبقون على روسيا براً وبحراً بعد بناء قاعدة أطلسية في القرم، وهو ما سيمنع روسيا مستقبلاً من الملاحة في البحر الاسود، وبالتالي يمنعها من الوصول الى البحر الابيض المتوسط. كما سيمنعها من تصدير الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي الاوكرانية، والذي يشكّل ٨٠٪؜ من صادرات الغاز الروسي إلى العالم، وما لذلك من تبعات اقتصادية خطيرة على روسيا.

 تعلم روسيا ان اوكرانيا تمثل امتداداً طبيعياً لها، وأنً مصالحها الاستراتيجية الحيوية تقضي بأن تقوم بالسيطرة على أوكرانيا وقطع الطريق امام انضمامها لحلف الناتو. فضلا عن الاهمية الاستراتيجية لميناء سيفاستبول الذي تتواجد فيه القاعدة العسكرية الروسية التي تضم أكبر اسطول بحري روسي وضرورة حمايتها، خاصةّ ان القيادة السياسية في كييف الموالية للغرب تسعى الى الغاء الاتفاقية الموقعة بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس الاوكراني السابق يانوكوفيتش (المؤيد لروسيا)، والتي تضمنت تمديد وجود القاعدة البحرية في هذا الميناء في شبه جزيرة القرم والتي كان من المقرر انتهاء وجودها عام ٢٠١٧ وتمديدها الى عام ٢٠٤٢

هذا الخطر الجيوسياسي دفع بالاستخبارات الروسية إلى تنفيذ عمليات خاصة تمهيدية وضرورية قبل الذهاب إلى العمل العسكري.

تمحورت هذه العمليات حول هدفيّن استراتيجيين:

اولاً- الاستيلاء على شبه جزيرة القرم وعلى ميناء سيفاستوبول:

في اواخر شباط فبراير ٢٠١٤ شهدت أوكرانيا حالة من الفوضى السياسية بعد الاطاحة بالرئيس يانوكوفيتش في الشارع ومغادرته البلاد. شعرت الاستخبارات الروسية بأن الأمور في أوكرانيا ذاهبة إلى تولي المعارضة السياسية المؤيدة للغرب السلطة.

هذا الوضع دفع بسكان شرق أوكرانيا من ذوي الاصول الروسية إلى الخروج بمظاهرات مضادة (وهنا لا يمكن استبعاد دور الاستخبارات الروسية في التعبئة والإدارة). استغلت روسيا حالة الفوضى في أوكرانيا ومظاهر الخلاف على الهوية، فدفعت بقوات خاصة عسكرية واستخباراتية الى شبه جزيرة القرم ذات الاهمية الاستراتيجية، واطبقت سيطرتها على المقار الحكومية، والاماكن الاستراتيجية مثل ميناء سيفاستوبول، وفي ١٦ آذار/ مارس ٢٠١٤ تم اجراء استفتاء في شبه جزيرة القرم حيث اختار ٩٥٪؜ من السكان الانضمام الى روسيا، وهكذا تمكنت روسيا وبخطوة سريعة وخاطفة من إعلان ضمها لشبه جزيرة القرم، والدفاع عن مصالحها الحيوية، عبر فرض واقع جيوسياسي جديد في شبه جزيرة القرم، قبل ان تتمكن السلطات الأوكرانية الجديدة القريبة من الغرب من لملمة حالة الفوضى ومواجهة اثار الاحداث في انحاء البلاد.

ثانياً- دعم حركات التمرد والانفصاليين في دونباس وتقسيم أوكرانيا:

 

تعتبر روسيا الأوكرانيين المعارضين للتقارب مع الغرب والذي ينتشر معظمهم في شرقي أوكرانيا قيمة استراتيجية لها.

لذلك عملت الاستخبارات الروسية على دعم المعارضة وتغذية حالة التمرد التي تصاعدت على الساحة الأوكرانية. حيث احتل المحتجون الموالين لروسيا مقار الحكومة في أقليم دونباس، واعلنت مقاطعتين ضمن الاقليم استقلالهما عن أوكرانيا وهما (دونيتسك) و(لوغانسك) في ١٢ أيار/ مايو ٢٠١٤، وقد دعمت روسيا انشاء قوات الدفاع الذاتي في دونباس لصد هجوم القوات الأوكرانية على الاقليم، ولم يقتصر الدعم الروسي على تجهيز السلاح والتدريب. بل تبعتها حملة اعلامية واسعة ضد العملية العسكرية الأوكرانية قادتها الاستخبارات الروسية واشرفت عليها.

عملت الاستخبارات الروسية في أوكرانيا على تهيئة الظروف المناسبة لإيجاد حالات تمرد وحركات انفصالية كجزء من اسلوب الحرب الهجينة التي تشنها روسيا داخل الاراضي الأوكرانية.

يعود الدور الاستخباراتي الروسي في أوكرانيا الى اليوم التالي على تفكك الاتحاد السوفييتي. حيث عمل جهاز الاستخبارات الروسي على نشر التيارات القومية الروسية في أوكرانيا.  لذلك نجد ان بعض الاوكرانيين الناطقين بالروسية كانوا ينتمون الى الحركة الاوراسية العالمية، كما ان الكوادر في جمهورية دونيتسك الانفصالية تم تدريبهم سابقاً بين عامي ٢٠٠٦ و٢٠٠٩ في معسكرات تشرف عليها حركة اتحاد شباب اوراسيا القريبة من الاستخبارات الروسية، مما ادى الى انتشار المشاعر الموالية لروسيا في اقليم دونباس بوقت مبكر من عام ٢٠٠٥ مع توسع نشاط التيارات القومية الروسية فيها. لذلك كانت لتلك المشاعر القومية دوراً كبيراً في تشجيع انفصال اقليم دونباس عن اوكرانيا.

هذه الإنجازات الميدانية تسجّل لجهاز الاستخبارات الروسي الذي اطلع الكرملين على المخاطر المحدقة على الامن القومي، وواكب مع جميع مؤسسات الدولة الروسية خطة العمل، وعمل على تنفيذها بنجاح.

إلّا أنّ هذه النجاحات قد لا تتحقق في بعض الاحيان، نظراً لقصور في العمل الاستخباراتي وعدم دقة المعلومات التي حصلت الاستخبارات عليها، أو بسبب تضارب في تقارير اجهزة الاستخبارات داخل الدولة نفسها، وبالتالي لا يمكن للقيادة السياسية اتخاذ قرار بناءً على تقارير متضاربة.

كذلك قد يكون السبب لعلّة في الدولة نفسها وصنّاع القرار فيها، ففي الكثير من الاحيان يكون التزاحم السياسي في البلاد، وطغيان الحسابات السياسية للمسؤولين في القيادة، سبباً لعدم اتخاذهم القرار المناسب في حماية الامن القومي.

فيما يتعلّق بعملية ٧ أكتوبر في غلاف غزة، هل تلقت القيادة الإسرائيلية تحذيرات من أجهزتها الأمنية؟

منذ نشأتها عام ١٩٤٨ تعيش الدولة العبرية على مدار السنوات الاربع الأخيرة أزمات سياسية داخلية واضطرابات وخلافات وصلت إلى داخل المؤسسات السياسية والامنية والعسكرية.

زادت عملية “طوفان الأقصى” يوم ٧ اكتوبر ٢٠٢٣، التي شنّتها ضد مواقع إسرائيلية فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتهم حركة حماس، من حدّة الخلافات داخل القيادة السياسية الإسرائيلية، ومنذ ذلك الحين يحاول كل طرف في إسرائيل تحميل الطرف الآخر مسؤولية الفشل في توقع الهجوم وما تبعه من خسائر.

في خضم هذه الخلافات، فجّرت هيئة البث الاسرائيلية مفاجأة من العيار الثقيل، بعد زعمها أن الوحدة 8200 التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قامت في سبتمبر/ أيلول ٢٠٢٣، أي قبل ثلاثة أسابيع من الهجوم، بإعداد وثيقة بعنوان تدريب مفصل على المداهمات من البداية إلى النهاية.

تتحدث الوثيقة بالتفصيل عن سلسلة من التدريبات التي نفذتها وحدات النخبة التابعة لحماس، والتي تدربت فيها على مداهمة المواقع العسكرية والكيبوتستات واختطاف الجنود وكيفية حراستهم أثناء وجودهم داخل قطاع غزة. كما تشرح الوثيقة الخطوة الأولى في التمرين، وهي فتح ثغرات في موقع وهمي للجيش الإسرائيلي، تم بناؤه في غزة يحاكي المواقع القريبة من القطاع.

ادعّت هيئة البث الإسرائيلية أن السلطات الأمنية تجاهلت الوثيقة، مضيفةً إنه قبل الهجوم الفلسطيني على غلاف غزة، كانت المؤسسة العسكرية والمؤسسة الامنية تحتفلان بالحاجز الأمني الجديد الذكي الذي اكتمل بناؤه قبل عامين من هجوم حماس، فهو جدار فوق الأرض وتحتها بنيت عليه أنظمة تكنولوجية ذكية ومتطورة.

أياً تكن صحة المعلومات التي أوردتها هيئة البث الإسرائيلية من عدمها، فإنّ عملية طوفان الأقصى كشفت حجم الإخفاق الاستخباراتي الإسرائيلي أو في أحسن الاحوال فشل مؤسساتي لعدم اخذ التحذيرات الامنية على محمل الجد، إذا ما صحّت رواية هيئة البث الإسرائيلية.

– التنبؤ بساعة الصفر أو بالزمن التقريبي لبدء العمليات العسكرية.

يعتبر الكشف عن الوقت المحدد لبدء العملية العسكرية التي سيشنها العدو إنجازاً استخباراتياً نوعياً، فهو يفقد العدو عنصر المباغتة في الهجوم ويحبط مفاعيل الضربة الاولى التي غالباً ما تكون مؤذية، لعدم استعداد الطرف الآخر على حماية المواقع المستهدفة، وعدم توقعه الضربة.

قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، نشر مجموعة من الهواة على موقع تيك توك مقاطع مصورة لتحركات القوات الروسية وحشودها عند الحدود مع أوكرانيا.

تلقفت اجهزة الاستخبارات الأوكرانية والغربية هذه الصور وتقاطعت مع معلومات سابقة قد حصلت عليها من مصادر مختلفة.

في واقع الأمر كانت الاستخبارات الاوكرانية والاستخبارات الاميركية قد وظفت عددًا كبيرًا من المحققين الرقميين من اجل مراقبة تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا بهدف استشراق ساعة الصفر.

لقد استخدم هؤلاء المحققون معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر للتحقيق في تحركات القوات الروسية تجاه الحدود مع أوكرانيا.

هذا، وكشفت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا عن معلومات استخباراتية مفصّلة حول خطط روسيا الحربية وأهدافها في أوكرانيا، وتوصلا إلى تحديد جدول زمني تقريبي لبدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

لقد تعمدت الولايات المتحدة إعلان توقيت الهجوم الروسي على أوكرانيا من اجل إفساد الخطة العسكرية الروسية مسبقاً، وإحباط عنصر المباغتة فيها.

– إدارة توجيه الرأي العام وحملات الدعاية والإعلام لتبرير خوض الحرب.

مسألة دخول أي حرب أو نزاع مسلّح هي مسألة غير شعبية، نظراً للتكلفة البشرية والاقتصادية والخوف من تداعياتها المجهولة.

لذلك تنشط اجهزة الاستخبارات على توجيه المواطنين عبر حملات إعلامية ودعائية موجهة، من اجل حشد الجمهور وتعبئة الرأي العام داخل الدولة لصالح قرار خوض الحرب، وتلبية نداء الواجب، والاستعداد للتضحيات.

قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا نشطت حملات الدعاية الروسية في البلاد من اجل دفع الرأي العام للقبول بهذه الحرب التي سيخوضها الجيش الروسي ضد أوكرانيا، التي تجمعه معها الديانة المسيحية الأورثوذكسية، والجوار، والتاريخ المشترك.

لذلك ركزت الاستخبارات الروسية في حملاتها الموجهة للرأي العام الروسي، على اتهام القيادة الاوكرانية بالعنصرية وبتشجيع نمو النازية الجديدة ضد الاوكرانيين الناطقين بالروسية. واشارت البروباغاندا الروسية الى الانتهاكات التي يتعرض لها الرعايا الروس بسبب هويتهم القومية على ايدي ما اسمتهم بالنازيين الجدد والقوميين المتطرفين، بخاصة في “جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك” الانفصاليتين بإقليم دونباس (جنوب شرق البلاد)، وكذلك في شبه جزيرة القرم. متهمةً مجموعات كحركة القطاع اليميني، وحزب الحرية (سفوبودا)، فضلاّ عن مجموعات عسكرية تطوعية، انضوت لاحقا ضمن الجيش الأوكراني في حرب الانفصاليين، ككتيبة “آزوف”، بالنازيين.

عملت حركة حماس على مدار أشهر قبل إطلاق عملية طوفان الأقصى على إبراز الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية، لا سيما في مخيم جنين، وجرائم المستوطنين ضد الفلسطينيين في الخليل وفي مدينة القدس، والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين فيه.

كما اضاءت في بياناتها على الحصار الجائر لقطاع غزّة الذي تحول إلى سجن كبير.

وانتقدت وسائل الإعلام القريبة من حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية حالة التسامح الدولي مع الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، لا سيما بعد رفع نتنياهو خارطة للشرق الأوسط الجديد داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث لا مكان في الخارطة لدولة فلسطينية أو للضفة والقطاع. كما انتقدت التطبيع العربي الرسمي المجاني مع الاحتلال، وما يمكن أن يلحق ضرراً بالقضية الفلسطينية وبمصير الفلسطينيين.

عند انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ نشرت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، بياناً لقائدها محمد ضيف، يعلن من خلاله اسباب العملية، مشيراً إلى جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، ومضيفاً أن قيادة القسام قررت وضع حد لكل هذه الجرائم، “وانتهى الوقت الذي يعربد فيه الاحتلال دون محاسب”، وفق تعبيره.

بدورها عملت الغرف الاستخبارية الاسرائيلية على تسويق رواية قتل حماس لآلاف المدنيين الاسرائيليين في احدى الحفلات، وداخل بيوتهم، واغتصاب النساء، وقطع رؤوس الأطفال.

نجحت هذه الرواية في حشد الدعم المحلي والخارجي في بداية الحرب على غزة، قبل أن ينكشف زيفها لاحقاً، من خلال بعض الصحف العبرية.

– إضعاف قدرات العدو الاستخباراتية قبل المواجهة العسكرية.

 

إستعداداً للمواجهة العسكرية تبدأ أجهزة الاستخبارات في الدول المعنية بحرب سرية، تصطاد خلالها شبكات عملاء وجواسيس الدول المعادية. كما تعمل على احباط العمليات السرية التي تنفذها الاستخبارات المعادية داخل الدولة التي زرعت فيها الجواسيس.

خلال عملية طوفان الأقصى قامت كتائب القسام باقتحام “قاعدة أوريم” العسكرية، وهي من أهم منشآت التجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية لدى إسرائيل، وهي مقر عمل الوحدة 8200 التي تعد أبرز وحدات المخابرات العسكرية الإسرائيلية “أمان”. كذلك تعتبر قاعدة أوريم قاعدة تجسس عالمية مدعومة من اجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والكندية والأسترالية والنيوزيلندية، والمعروفة اختصاراً “بالعيون الخمسة”.

كان لهذه العملية الامنية الخاصة اثراً بالغاً على قدرات الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية قبل عملية الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث فقدت الاستخبارات الإسرائيلية خزاناً من المعلومات القيّمة متصلة بنشاط فصائل المقاومة الفلسطينية داخل القطاع المحاصر.

بعد شهرين على عملية طوفان الأقصى، أعلن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، أن إسرائيل ستلاحق قادة حركة “حماس” في قطر وتركيا ولبنان، حتى لو استغرق الأمر سنوات، ملمحاً إلى عمليات اغتيال ستنفذها الاستخبارات الاسرائيلية.

عقب التهديد الاسرائيلي، حذّر جهاز الاستخبارات التركية MIT إسرائيل من عواقب وخيمة، إذا حاولت ملاحقة قادة حركة حماس على أراضي تركيا، وفقاً لما نقلته وسائل إعلام رسمية تركية وإسرائيلية.

بتاريخ ٥ نيسان /أبريل ٢٠٢٤ أي بعد ٤ أشهر على التحذيرات التركية، أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا القبض على ثمانية أشخاص ضمن شبكة تجسس، كانوا يجمعون وثائق ومعلومات في تركيا لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي.

لا يمكن اعتبار تركيا، ولا جهاز استخباراتها حليفاً لحركة حماس. لكن تركيا وقطر تصنّفان من دول الاحتواء للحركة، وتحرصان على هذا الدور الاستراتيجي رغم ما تتعرضان له من حملات وضغوط بسبب ذلك.

بمكانٍ آخر تعتبر أجهزة الاستخبارات الأوروبية والاميركية بما فيها وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية CIA حليفاً استراتيجياً لنظيرتها الاوكرانية.

من هذا المنطلق عملت اجهزة الاستخبارات الغربية فيما بينها على رصد عملاء المخابرات الروسية في أوروبا والولايات المتحدة في العام الاول للحرب الروسية الأوكرانية، وخلصت إلى اتهام أكثر من ٤٠٠ دبلوماسي روسي بالعمل لصالح الاستخبارات الروسية وقامت بطردهم من دولها باعتبارهم اشخاصاً غير مرغوب بهم (persona non grata) ، وعممت أسماءهم في كافة الدول الأوروبية والولايات المتحدة لمنع إرسالهم من جديد كدبلوماسيين إلى تلك الدول.

لا شك أن هذا العدد الكبير من الدبلوماسيين الروس الذين تم ترحيلهم يخفف على كاهل اجهزة الاستخبارات الغربية أعباء الرقابة، فكل ما كان عدد الاشخاص الموضوعين تحت المراقبة أكبر، كل ما كانت مهمة مراقبتهم أصعب.

مما لا شك فيه ايضاً ان عملية الطرد الجماعية لهذا العدد من الدبلوماسيين الروس ليست بادرة احتجاج سياسية كما يحصل في حالات مماثلة، إنما عملاً امنياً إستباقياً ووقائياً لتقليل قدرة الاستخبارات الروسية على إلحاق الضرر بمصالح الدول الغربية المساندة لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وهذا ما اكده الصحفي الاستقصائي المتخصص بالشؤون الاستخباراتية، ومؤسس موقع (Agentura.ru) اندريه سولداتوف، حيث اعتبر أن عملية الطرد الجماعية للدبلوماسيين الروس كان لها تأثير كبير على العمليات الروسية داخل أوروبا.

ليس ثمة جهة محايدة يمكنها أن تؤكد أن مئات الدبلوماسيين الروس الذين تم طردهم من الدول الغربية كانوا عملاء لجهاز الاستخبارات الروسية. لكن من المعروف والمعتاد أن عملاء المخابرات في الدول المعادية عادةً ما يعملون تحت ستار الوظيفة الدبلوماسية.

في هذا السياق، أكد مسؤولون أميركيون ان عملية الطرد تستند على معلومات جمعها مكتب التحقيقات الفدرالي عن كل شخص من الذين طردوا، وعن طبيعة نشاطه داخل البلاد.

بدورها قالت السلطات البولندية ان ٤٥ روسياً تم طردهم من البلاد بسبب تورطهم في انشطة “لتقويض الاستقرار ” داخل الدولة.

في واقع الأمر، كانت هناك تحذيرات استخبارية غربية من أن تلجأ الاستخبارات الروسية إلى استهداف منشآت او قوافل الإمداد في بولندا، باعتبارها تمثل الممر الغربي الرئيسي للسلاح والذخيرة إلى اوكرانيا.

– تعزيز قدرات القوات المسلحة الوطنية عبر دعمها بالمعلومات قبل الحرب.

 

لا يمكن أن يذهب اي جيش في العالم إلى الحرب وهو مغمض العينين. من هنا كان دور اجهزة الاستخبارات الوطنية والصديقة ان ترفد قيادة القوات المسلحة بالمعلومات المهمة حول قواعد العدو ونقاط ضعفه، وطرق الامداد، ومخازن الذخيرة والسلاح والمطارات وبنك الاهداف العسكرية التي حصلت عليها اجهزة الاستخبارات من مصادرها البشرية كالعملاء والجواسيس، او من خلال وسائل التجسس التقنية وأبرزها المسيّرات والطائرات بدون طيار المزودة بكاميرات مراقبة.

تملك الاستخبارات العسكرية الاوكرانية طائرات بدون طيار من نوع (UAV)، والطائرة PD-1 الأكثر تطوراً والتي بوسعها التحليق لمسافة ١٨ ميلاً، وتملك اجهزة الكترونية متطورة، وكاميرات حرارية تعمل بالأشعة تحت الحمراء لزوم التصوير الليلي، ولديها وصلات مشفّرة للفيديو لأغراض التجسس والمراقبة ومنع الاختراق.

استخدمت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية هذه الطائرات من اجل رصد تحركات الجيش الروسي وتحديد مواقعه بشكل دقيق، والنقاط التي تتمركز فيها الوحدات الروسية المقاتلة والمدافع والصواريخ. كذلك قامت بمسح مواقع نقاط التفتيش وتحديد مواقع نقاط الضعف في خطوط التماس.

مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لأرتال من الاليات الروسية والمواقع العسكرية الروسية المحترقة والمدمرة بعد استهدافها من المسيّرة (بيرقدار) التي حصلت عليها أوكرانيا من تركيا.

لا يختلف أحد، بمن فيهم الاسرائيليون، على ان الهجوم العسكري الذي شنته كتائب القسام في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ على قواعد عسكرية واستخباراتية إسرائيلية، كان محدد الأهداف مسبقاً بناءً على معلومات استخباراتية حصلت عليها حماس من جواسيس لها وعملاء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في اختراقٍ استخباري آخر، أرسل تنظيم حزب الله الجناح اللبناني يوم ١٨ يونيو/حزيران ٢٠٢٤ إحدى طائراته المسيّرة، التي أطلق عليها اسم “الهدهد”، لتعود بصور حسّاسة من شمال إسرائيل، تحديدًا مدينة حيفا. نشر حزب الله مقطعًا مصورًا يتضمن مسحًا دقيقًا لمناطق في شمال إسرائيل صورتها طائرات مسيرة يقول الحزب إنها تمكنت من تجاوز وسائل الدفاع الجوي الاسرائيلية.

وأظهرت المقاطع المصورة، التي التقطتها المسيّرة، مواقع إسرائيلية حساسة كالقواعد العسكرية، ومخازن السلاح، وصواريخ، وموانئ بحرية، ومطارات. كما كشف الفيديو عن مشاهد جوية لمدينة حيفا، من بينها مجمع الصناعات العسكرية، ومنطقة الموانئ التي تضم قاعدة حيفا العسكرية ومنشأة بتروكيميائية، علاوة على مبنى قيادة وحدة الغواصات، وسفن ساعر الحربية بأنواعها.

جاءت هذه العملية في الوقت الذي زاد الحديث عن عملية عسكرية اسرائيلية في جنوب لبنان.

– تدريب وبناء قدرات اجهزة الاستخبارات من قبل اجهزة الدول الحليفة.

 

تتعاون اجهزة الاستخبارات للدول الحليفة فيما بينها على جمع المعلومات عن العدو المشترك وتعمل معاً على اختراق انظمته وعلى زرع الجواسيس والعملاء داخل ارضه. كذلك يشمل التعاون دورات التدريب وتبادل الخبرات وتزويد جهاز الاستخبارات المطلوب دعمه بالقدرات والمهارات وبالتقتيات اللازمة.

أشرفت أجهزه الاستخبارات وقوات المهام الخاصة في الدول الغربية بما فيها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) على تدريب ودعم وتأهيل نظيرتها الاوكرانية منذ سنوات، وزادت تلك التدريبات بعد إعلان روسيا ضم شبه جزيرة القرم، وشملت القيام بمهام خاصة وبعمليات سرية.

ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الاميركية أنّ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية دعمت انشاء مركز سري تحت الارض في احدى غابات أوكرانيا. وجاء في تقرير للصحيفة الأمريكية أن “المخبأ تم بناؤه في الأشهر التي تلت الغزو الروسي ليحل محل مركز القيادة المدمر، هو مركز عصبي سري للجيش الأوكراني”، حيث تقوم فرق من الجنود الأوكرانيين بتتبع أقمار التجسس الروسية من هناك، والتنصت على المحادثات بين القادة الروس. ويتم تمويل القاعدة بالكامل من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إضافة إلى رفدها بالمعدات اللازمة.

في عام ٢٠١٦، أي بعد عامين من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، بدأت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) بتدريب قوة كوماندوز أوكرانية من النخبة. من ضمنها الوحدة 2245 التي استولت على طائرات بدون طيار، ومعدات اتصالات روسية، ليتمكن فنيو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لاحقاً من إجراء هندسة عكسية لها وكسر نظام التشفير في موسكو.

– تجنيد العملاء والجواسيس.

اختراق البيئة المعادية بالعملاء والجواسيس امر بديهي، ولا يقتصر الأمر في حالة الحرب فقط. لأن حرب الاستخبارات لا تتوقف بين الدول حتى بعد السلام أو نهاية الصراع. ذلك ان القلق على الامن القومي يبقى الشغل الشاغل لأجهزة الاستخبارات لرصد المواقف الغير معلنة والنوايا المبيّتة.

قبل اي نزاع عسكري تكثف الدولة نشاطها الاستخباري ضد الدولة المعادية، فتزرع في ارضها الجواسيس وتجنّد داخل مؤسساتها العملاء. هؤلاء لا يتم الاعتماد عليهم لنقل المعلومات فحسب، بل يمكن تكليفهم بعمليات سرية للتأثير على قدرات العدو قبل الحرب. مثل قيامهم بأعمال تخريب لمنشآت، وأعمال تفجير مخازن السلاح وخطوط الإمدادات، وتنفيذ اغتيالات…

عادةً ما يتم تنفيذ هذه العمليات من خلال عملاء مدربين توفّر لهم البعثات الدبلوماسية الستار اللازم لتسهيل نشاطهم وحركتهم داخل الدولة المستهدفة.

شهدت اوكرانيا منذ ٢٠١٤ حرباً سريّة حادة مع روسيا. حاول كل طرف تجنيد الجواسيس والعملاء ضد الطرف الآخر، وتصفية جواسيس الطرف الآخر. تزامن ذلك مع سلسلة اغتيالات طالت مسؤولين أوكرانيين وصفت بالعمليات الاستخباراتية.

في لبنان وسوريا استطاع الجيش الاسرائيلي تنفيذ العديد من عمليات الاغتيال طالت قادة في الحرس الثوري الإيراني ومن حزب الله ومن حماس والجماعة الاسلامية. من الواضح أن هذه العمليات لم تكن جميعها تعتمد على تقنيات التجسس الآلية.

بل اعتمد قسم كبير منها على العنصر البشري، مثل العملاء الذين زرعتهم الاستخبارات الاسرائيلية في البلدين اللذين يعانيان من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية للمواطنين وللموظفين، وهذا ما يوفّر البيئة الخصبة لتجنيد العملاء، خاصةً في أوساط الضباط الامنيين الفاعلين الذين يعانون من تدهور قيمة رواتبهم.

مساء يوم ١١ حزيران /يونيو ٢٠٢٤ استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لأربعة قياديين عسكريين بارزين في حزب الله في بلدة جويّا جنوبي لبنان. من المعروف والمعلن أن مسؤولي حزب الله على دراية تامة بتجنب استخدام كل ما يمكن أن يحدث اختراقاً امنياً لهم. لذلك يرجّح ان تكون عملية الاغتيال ناتجة عن اختراق أمني بشري في الجسم التنظيمي للحزب على مستوى الصف الامني الاول او الثاني، نظراً لحساسية الاجتماع وسريته ورتب أشخاصه المستهدفين، وهذه العملية تختلف عن عملية اغتيال القيادي في حماس الشيخ صالح العاروري الذي استهدفته غارة إسرائيلية مع رفاق له داخل شقة في ضاحية بيروت الجنوبية يوم ٢ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٤، فمنذ اندلاع المواجهات العسكرية بين الجيش الاسرائيلي وحماس في غزة لم يتوقف العاروري عن المقابلات مع الفضائيات والمواقع الإخبارية، ومن المعروف أن هذه المقابلات تسبقها اتصالات مع هاتف الضيف أو مساعده لتنسيق مكان وزمان المقابلة. ما يعني ان الاحتياطات الأمنية، والسلامة الشخصية لم تكن ضمن حسابات الرجل وأولوياته.

في المقابل، أظهرت عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها كتائب القسام في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ انها استندت على جهد استخباري دقيق لكل المنشآت والمواقع العسكرية الإسرائيلية التي تعرضت للهجوم، ما يعني ان حركة حماس استطاعت اختراق المجتمع الاسرائيلي ومؤسسات الامن والدفاع الاسرائيلية بالجواسيس والعملاء.

  • دور أجهزة الاستخبارات خلال الحرب.

 

 

 

– تنفيذ عمليات خاصة ذات طابع سرّي.

 

بعد اندلاع الحرب تتحرك اجهزة الاستخبارات للمشاركة في المجهود الحربي، من خلال تنفيذ عمليات خاصة وشديدة السريّة تستهدف مصالح الدولة المعادية لإضعاف قدراتها العسكرية واللوجستية، والضرب خلف خطوط العدو، وداخل ارضه، وفي كل مكان تصل يدها اليه ويشكّل هدفاً حيوياً وإستراتيجياً لها.

في الحرب الروسية الأوكرانية الأولى عام ٢٠١٤ اتهمت الدول الغربية وحدة GRU29155 التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الروسية بتنفيذ سلسلة من العمليات السرية داخل أوروبا، تراوحت بين عمليات الاغتيال والتخريب.

حيث اتهمت اجهزة الاستخبارات الغربية الاستخبارات الروسية بتفجير مستودعاً للسلاح في احدى الغابات التشيكية في تشرين الأول /أكتوبر عام ٢٠١٤ كما اتهمتها بتسميم تاجر سلاح في بلغاريا عام ٢٠١٨ والذي كان يستخدم مستودع السلاح في تشيكيا الذي جرى تفجيره لدوره في إمداد أوكرانيا بالسلاح والذخائر.

كذلك اتهم جهاز الاستخبارات البريطانية المخابرات الروسية بالضلوع في حوادث التسمم المفتعلة في ساليزبيري جنوب بريطانيا.

أياً كانت الاتهامات الغربية الموجهة إلى وحدة GRU29155 فمما لا شك فيه أن هذه الوحدة نجحت في إجلاء القادة والمسؤولين الموالين لروسيا من أوكرانيا عام ٢٠١٤.

بتاريخ ٢٦ ولغاية ٢٩ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٢ وقعت سلسلة من التفجيرات عند خطوط أنابيب نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2 ناتجة عن عمل تخريبي متعمّد استهدف خط الغاز الروسي الذي يغذي أوروبا الغربية عبر  بحر البلطيق بالغاز الطبيعي.

تقاذفت روسيا والولايات المتحدة الاتهامات لاحقاً حول من يقف وراء العملية، فيما اقفلت السويد التحقيقات لعدم صلاحية محاكمها للنظر بالحادثة كونها وقعت في المياه الدولية، دون الكشف عن تفاصيلها ومن يقف خلفها. لكن التفجيرات التي استهدفت خطوط الغاز الروسية تزامنت مع افتتاح بولندا والنرويج لخط أنابيب البلطيق، وهو مشروع إستراتيجي لنقل الغاز النرويجي من بحر الشمال إلى أوروبا عبر الدنمارك، على أن يحل محل خطوط أنابيب نورد ستريم الروسية.

واحتجت روسيا على عدم توصل التحقيقات لأية نتائج، واتهمت وزارة الخارجية الروسية، الدول الثلاث المانيا والسويد والدنمارك بتعمد تضييع التحقيق بهدف إخفاء من يقف وراء التفجيرات، وقالت إنها غير راضية عما وصفته بالطبيعة الغامضة للتحقيق ورفض التعاون القضائي مع روسيا.

في صباح يومِ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٢ ، هزَّ انفجارٌ ضخم ناتج عن شاحنة مفخخة جسر القرم الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم.  أسفر الانفجار عن مقتل ثلاثة أشخاص، واشتعال سبع عربات وقود لقطار سكة حديد عابر، مما تسبَّب في اندلاع حريق واسع امتدَّ إلى جسر السكك الحديدية الموازي، وتسبب في انهيار نصفي للجسر.

اتهمت روسيا الاستخبارات الاوكرانية بالوقوف خلف الهجوم، فيما تعتبر السلطات في كييف الجسر هدفاً عسكرياً مشروعاً لانه يستخدم في الجهد الحربي الروسي ضد اوكرانيا.

أوقفت الإستخبارات الالمانية في آب /اغسطس ٢٠٢٣ نقيبًا في مكتب المشتريات بالجيش الألماني يدعى Thomas H.

عندما اتصل بالسفارة الروسية في برلين ونقل اليها معلومات عسكرية سرية، اتهمه القضاء الألماني لاحقًا بمشاركة صور لأنظمة التدريب على الذخائر وتكنولوجيا الطائرات.

النقيب الموقوف الذي كان مسؤولاً عن شراء معدات حربية الكترونية تستخدم لتعطيل أنظمة الدفاعات الجوية المضادة، إعترف لاحقاً أمام محكمة في دوسلدورف بنقل معلومات حساسة إلى الاستخبارات الروسية، لا سيما ما يتعلق بأنظمة الحرب الإلكترونية.

في بداية ايار / مايو ٢٠٢٤ اعلن المتحدث بإسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أن بلاده تدين بشدّة النشاط السيبراني الخبيث الذي تقوم به مديرية الاستخبارات الرئيسية في هيئة الأركان العامة الروسية، والمعروفة أيضاً بإسم (إيه بي تي 28)، ضد ألمانيا والتشيك وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا والسويد، وهذه الدول معروفة بدعمها العسكري والاستخباري المباشر لأوكرانيا.

في عملية خاصة وصفها الجيش الإسرائيلي بالناجحة، أعلنت حكومة الحرب الإسرائيلية يوم ٨ حزيران/يونيو ٢٠٢٤ إنقاذ أربعة اشخاص كانت كتائب القسام قد أسرتهم في هجوم السابع من اكتوبر الشهير.

قال الجيش الإسرائيلي إن عملية إنقاذ الرهائن تمت بتعاون مشترك بين جهاز الشاباك والجيش من موقعين مختلفين وسط مخيم النصيرات في غزة.

فيما صرّح افيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي أنّ العملية نفذت في وضح النهار وكانت مركبة ومعقدة جرت بعد تحضيرات استمرت لأسابيع، وسبقتها عمليات لجمع المعلومات الاستخبارية حول أماكن احتجاز الرهائن. مضيفاً أن العملية كانت سرية للغاية، ولم يعلم بها سوى عدد قليل من الجنود والقادة العسكريون، وأشرف عليها كل من رئيس الأركان، ورئيس جهاز الشاباك، وتتكون القوة الخاصة من عناصر الشاباك والوحدة الشرطية الخاصة “اليمام” بمساعدة قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي والفرقة 98 الخاصة.

لكنّ مصادر فلسطينية أشارت إلى مشاركة وحدة أميركية خاصة في العملية كانت ترتدي لباساً مدنياً، وأنّ هذه الوحدة استخدمت شاحنات المساعدات الإنسانية التي دخلت عبر الميناء الذي تشيده البحرية الأميركية عند شاطئ غزة، قبل أن تتوجه إلى مخيم النصيرات.

ذكرت صحيفتيّ الواشنطن بوست ونيويورك تايمز أن فريقاً أميركياً خاصاً يتمركز في إسرائيل، قدّم معلومات للقيام بعملية تحرير الاسرى من قبضة حماس. بدورهم، اكد مسؤولون اميركيون وإسرائيليون أن مشاركة وحدات اميركية خاصة في العملية اقتصرت على تقديم المعلومات الاستخباراتية الى الجانب الإسرائيلي.

لكن المغرّد الاسرائيلي من أصول يمنية موشي يائير نشر على موقع X عدد الخسائر في صفوف القوة الخاصة التي نفذت عملية تحرير الأسرى، مشيراً إلى سقوط ستة جنود قتلى في العملية وضابط وسبعة جرحى من بينهم جندي اميركي.

مع بداية الحرب الاسرائيلية على غزة، اعلن المتحدث بإسم البنتاغون باتريك رايدر عن وصول قوة أميركية خاصة إلى إسرائيل متخصصة بتحرير الرهائن.

اشارت بعدها مصادر اميركية وإسرائيلية أن هذه الوحدة هي «قوة دلتا السرية » ومن مهامها تحرير الرهائن والاستطلاع ومكافحة الارهاب، وتحاط عملياتها بالسرية. كما انها مزودة بأكثر المعدات تطوراً في الجيش الاميركي من سلاح وتكنولوجيا، فضلاً عن منظومة تتبع واجهزة تنصت ميدانية محمولة، ونواضير ليلية، تمكنها للقيام بعمليات ومهام خاصة سرية وخاطفة.

منذ وصولها إلى تل أبيب تعمل قوة دلتا مع نظيرتها الاسرائيلية «سايريت ماتكال » وتعني وحدة استطلاع هيئة الاركان العامة، من اجل الكشف عن مكان تواجد الاسرى الاسرائيليين والعمل على تحريرهم.

خلال زيارته الداعمة لإسرائيل بعد عملية ٧ تشرين الأول/ اكتوبر ٢٠٢٣ نشر البيت الابيض صورة للرئيس بايدن محاطاً بعددٍ من افراد قوة دلتا الخاصة الاميركية. تعرّض بعدها الرئيس الاميركي لموجة من الانتقادات والهجوم من معارضيه الجمهوريين، اتهموه بالاستهتار الامني عبر تعريض الفريق الاميركي الخاص للخطر بعد نشر الصورة التي تظهر ملامحهم ووجوههم، لأجل تحقيق مكاسب سياسية.

بعدها حذف البيت الأبيض الصورة وقدّم اعتذاراً عن هذا الخطاً الغير مقصود.

– تقديم المعلومات للقوات المسلحة الوطنية.

تعمل اجهزة الاستخبارات من خلال وسائل التجسس التقنية المتوفرة لديها ومن خلال الجواسيس والعملاء التي قامت بزرعهم داخل البيئة المعادية، على جمع المعلومات العسكرية المفيدة، مثل مواقع التجمعات العسكرية المعادية، ومخازن السلاح والوقود والذخيرة،

وخطوط الإمداد الرئيسية، ومنصات المدفعية وقواعد الصواريخ، والمطارات السرية وغيرها من الاهداف التي تشكّل ميزة عسكرية.

بعد جمع كل تلك المعلومات، تقوم اجهزة الاستخبارات بتقديمها الى القوات المسلحة الوطنية من اجل تنفيذ الضربات على تلك الاهداف الحيوية.

– تحصين الجبهة الداخلية ورصد اي نشاط متمرد.

في الوقت الذي تنشغل فيه جميع مؤسسات الدولة بالحرب، وما يدور عند جبهات المواجهة مع العدو، تتحول اجهزة الاستخبارات إلى العين الساهرة على الامن الداخلي وعلى الامن العسكري.

قد يحدث ان تشهد القوات المقاتلة انتكاسات عسكرية في الميدان تنعكس سلباً على معنويات الجيش وعلى الشعب.

قد يستغل البعض حالة التململ من اجل القيام باحتجاجات داخلية تصل إلى تهديد للأمن القومي، خاصةً إذا كانت مدفوعة من الخارج. كما قد ينتج عنها حالة من التمرد والعصيان داخل صفوف القوات المسلحة، الأمر الذي يضعف الجبهة ويسرّع الهزيمة والاستسلام أمام العدو.

عملية كشف حالات التمرد تبدأ من رصد الاستخبارات لحالات التذمر داخل الجيش وتقدير خطورتها وقياس درجات التصعيد فيها.  من اجل وأد اي محاولة لزعزعة الاستقرار داخل الجبهات في مهدها.

ان اي فشل في رصد حركة التمرد في بدايتها، قد يفقد اجهزة الاستخبارات السيطرة عليها لاحقاً، وتكون المواجهة الداخلية مكلفة.

رغم نجاحاتها في اكثر من مكان بعد الحرب الروسية الأوكرانية الاولى عام ٢٠١٤ إلّا أنّ وكالة المخابرات العسكرية الخارجية الروسية GRU، وجهاز الأمن الفدرالي الروسي FSB فشلا في توقع تمرداً عسكرياً قصيراً قاده رئيس ميليشيا فاغنر يفغيني بريغوجين في اواخر حزيران/يونيو ٢٠٢٣ رغم تصاعد لهجة الأخير وتهديداته لمؤسسة الدفاع الروسية وتحميلها مسؤولية إخفاقات عسكرية مرّات عديدة.

أخفقت الاستخبارات الروسية في قياس درجة التهديدات وحالة التذمر وتحديد مدى خطورة هذه التصريحات والتهديدات على الامن القومي، وعلى معنويات القوات المسلحة في الجبهات.

بتاريخ ٢٣ آب/اغسطس ٢٠٢٣ لقي بريغوجين مصرعه مع عشرة اشخاص آخرين على اثر سقوط طائرة كانت تقلهم من موسكو إلى سان بطرسبرغ. فيما وصفته السلطات الروسية بالحادث. أشار، بالمقابل، مسؤولون أمريكيون وأوروبيون إن التقارير الاستخباراتية الأولية تدفعهم  إلى الاعتقاد بأن انفجاراً على متن الطائرة من المحتمل أن يكون هو الذي تسبب بسقوطها، في إشارة إلى ان هذه الحادثة مدبرة من جهاز الاستخبارات الروسية للتخلص من بريغوجين، الأمر الذي نفته موسكو ساخرةً من تلك التصريحات.

في غزّة استطاع جهاز الأمن العام لحكومة حماس من القبض على ضباط وجنود يتبعون لجهاز المخابرات العامة التابع للسلطة الفلسطينية، قال بيان لوزارة الداخلية في حكومة غزة انهم تسللوا إلى القطاع بأوامر من اللواء ماجد فرج.

في بيان لها قامت بتوزيعة على وسائل الإعلام، اشارت وزارة الداخلية في غزة انه:

“دخلت يوم ٣٠ اذار/مارس ٢٠٢٤ قوة أمنية مشبوهة مع شاحنات الهلال المصري، ونسقت أعمالها كاملاً مع قوات الاحتلال للتسلل إلى شمال غزة بهدف احداث حالة من البلبلة والفوضى في الجبهة الداخلية بالتنسيق مع جهاز الشاباك وجيش الاحتلال، وأدار اللواء ماجد فرج عمل القوة بطريقة أمنية مخادعة، ضلل فيها الفصائل والعشائر الفلسطينية”.

وأضاف البيان أن: “الجانب المصري أبلغ هيئة المعابر عدم علمه بالقوة الأمنية التي تسلمت الشاحنات المصرية، وأخلى المسؤولية الكاملة عنها.

وأضاف البيان: “وعليه، تعاملت الأجهزة الأمنية في غزة مع هذه العناصر، وتم اعتقال ١٠ منهم، وإفشال المخطط الذي جاؤوا من أجله”، وشددت وزارة الداخلية في غزة في بيانها على أنه “سيتم الضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه أن يلعب في مربع لا يخدم سوى الاحتلال”.

بدورها نفت السلطة الفلسطينية في رام الله صحة ما جاء في بيان وزارة الداخلية في غزّة من مزاعم، على حد وصفها.

– الرقابة على وسائل الإعلام وإدارة الدعاية والتوجيه.

تنشط اثناء الحروب الشائعات وأعمال نشر الاخبار الكاذبة والدعاية المضادة،  وعادةً ما تكون هذه الأعمال من تدبير اجهزة الاستخبارات المعادية، أو تقوم لاحقاً بتوجيهها والاستثمار بها.

قد تلجأ بعض الدول اثناء الحرب إلى إعلان حالة الطوارئ وما يستتبع ذلك من قانون يقيّد بعض الحقوق والحريات العامة في البلاد بما فيها وسائل الإعلام والتعبير.

كذلك قد تلجأ الدول في وقت الحرب إلى تقييد حرية الصحافة والإعلام بدون أن تلجأ الى إعلان حالة الطوارئ، فتحدد اجهزة الاستخبارات الوطنية ما يمكن نشره وما لا يمكن نشره، وتقوم بإدارة أعمال الدعاية والتوجيه للتأثير على الرأي العام في مجتمعها وداخل المجتمع في الدولة المعادية. كما تقوم بالدعاية المضادة ضد العدو وتفضح الاخبار الكاذبة.

بتاريخ ٢٦ شباط/فبراير ٢٠٢٢ بثت مجموعة انونيموس (وهي منظمة قرصنة الكترونية محترفة تستهدف عادةً في هجماتها الأنظمة التي تتهمها بالفساد) مقطع فيديو قصير على مواقع التواصل الإجتماعي التابعة لها والتي يتابعها الملايين من دول العالم، وقد ورد في المنشور المرفق بالفيديو العبارة التالية:«جاءنا الان أنونيموس تخترق القنوات الحكومية الروسية لبث حقيقة ما يجري في أوكرانيا ».

تلجأ مجموعة انونيموس عادةً الى أسلوب اختراق المواقع الالكترونية الرسمية للحكومات لتنشر ملفات الفساد، أو تقوم بقطع واعتراض بث القنوات التلفزيونية للهدف نفسه. لكن هذه المرة وبعد يومين فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا، ارادت من خلال اعتراض بث القنوات الروسية نشر مقاطع مصورة تكشف أهوال الغزو والقصف الروسي وأثره على المدنيين، من اجل التأثير على الرأي العام الروسي الذي تجمعه بالشعب الأوكراني روابط تاريخية ودينية وثقافية مشتركة.

بالمقابل استخدمت الاستخبارات الروسية الدعاية المضادة ضد أوكرانيا، وضمنّت حملاتها الموجهة التركيز على الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون الناطقون بالروسية في أوكرانيا، بسبب انتماءاتهم القومية على يد مجموعات وصفتهم بالنازيين الجدد، والقوميين المتطرفين المدعومين من حكومة كييف.

في بدايات الحرب الإسرائيلية على غزّة استضافت قناة العربية الفضائية عضو مجلس التشريعي الفلسطيني اسامة العلي المعروف بمعارضته الشديدة لحركة حماس. حيث اتهم في مقابلته قادة حماس بالهروب من غزة قبل عملية طوفان الأقصى مضيفاً ان إسماعيل هنية رئيس حركة حماس هرب مع زوجته واولاده من غزة إلى الخارج قبيل العملية مما يعني أنه كان على علم بما سيجري على غزة وسكانها من حرب وويلات.

تداول ناشطون هذه المقابلة على نطاق واسع، حيث جرى استثمارها سياسياً من قبل الجهات المعادية لحماس لتأليب الرأي العام الفلسطيني والغزاوي بشكل خاص ضدها، إضافةً إلى الشعب العربي والشعوب الإسلامية التي أعربت عن تضامنها وإعجابها بالمقاومة الفلسطينية في غزة. كان الهدف خلف هذه البروباغاندا ضرب مصداقية القيادة الفلسطينية في غزة وإحداث شرخ بينها وبين بيئتها وقاعدتها الشعبية التي تعاني من القتل والتدمير والتهجير.

بتاريخ ١٠ نيسان/ أبريل ٢٠٢٤ استهدفت غارة اسرائيلية في مخيم الشاطئ غربي غزة سيارة كان بداخلها ابناء إسماعيل هنية الثلاثة وإثنين من احفاده، مما ادى إلى مقتلهم على الفور، وفي يوم ٢٤ حزيران/ يونيو من العام نفسه استهدف قصف اسرائيلي منزلاً في مخيم الشاطئ غربي غزّة ادى الى مقتل عشرة من افراد عائلة اسماعيل هنية من بينهم شقيقته.

لم يقم اسماعيل هنية ولا احد من قادة حماس على نفي الشائعات والتصريحات التي تداولها معارضون لحركة حماس على نطاق واسع في بادئ الأمر، وذلك للضرورات الامنية، وعدم الانجرار للدفاع عن النفس، والوقوع بشرك الاستفزاز والفخ الامني للكشف عن أماكن تواجد عائلاتهم.

كذلك الأمر حصل عندما عرضت قنوات البث الاسرائيلية لشخص جرى تصويره من الخلف وهو يسير مع عائلته داخل نفق للإختباء، زعمت انه يحيى السنوار .

– التحقيق مع الأسرى والجواسيس والعملاء المشتبه بهم.

في الدول الديمقراطية التي تلتزم بالقانون الدولي تشرف أجهزه الاستخبارات على التحقيقات التي يجريها ضباط من القوات المسلحة الوطنية مع الضباط والعناصر المعادية الذين وقعوا في الأسر احتراماً لاتفاقية جنيف الثالثة التي ترعى حقوق الأسرى. تحصل اجهزة الاستخبارات الوطنية من خلالها على اجوبة ضرورية ومفيدة لأغراض العمليات العسكرية.

لكن فيما خص الجواسيس (وهم مستثنون من حماية القانون الانساني الدولي)، تقوم اجهزة الاستخبارات بالتحقيق معهم ومع العملاء الذين يعملون لصالح العدو، من اجل الكشف عن كامل خارطة العملاء وشبكة الجواسيس وشركائهم داخل البلاد،

 و لمعرفة نوع المعلومات التي قاموا بنقلها إلى الجهات المعادية. كذلكللحصول على معلومات منهم، والعمل على تجنيدهم مقابل حريتهم والمال، وغيرها من الإغراءات التي يطلبونها بالمقابل.

– التجسس على المسؤولين في الدول التي لها علاقة بالنزاع.

تعمل أجهزة الاستخبارات الوطنية على التجسس والتنصت على المسؤولين في الدول الحليفة وفي الدول المعادية، وذلك لضرورات الامن القومي، ولرصد أي تحالفات جديدة، أو تبدل في المواقف لبعض الحكومات، وما لها من تبعات على مجريات الحرب وموازين القوى.

تقوم اجهزة الاستخبارات الوطنية برفع تقارير بهذا الشأن إلى القيادة السياسية في البلاد لاتخاذ المواقف اللازمة المبنية على المستجدات والتطورات التي جرى كشفها.

  • دور أجهزة الاستخبارات في نهاية المواجهة العسكرية.

 

 

 

الدور المحوري في استشراق الاحداث.

لأجهزة الإستخبارات دوراً محورياً في استشراق الأحداث المستقبلية، وتجنب العواقب الاستراتيجية، وتقديم المشورة الصالحة الى القيادة السياسية وصنّاع القرار في الدولة، استناداً الى تقارير مبنية على التحليل الاستخباراتي، وذلك تجنباً للآثار السلبية ما بعد الصراع وحماية الامن القومي في البلاد. لذا يقتضي توفر تضامن وتعاون وتشبيك بين كافة اجهزة الاستخبارات داخل الدولة لتقديم تقارير موثوقة ودقيقة وغير متناقضة، وهذا الأمر لا يمكن توافره في دولة تعاني من صراع لأجهزة الاستخبارات فيما بينها.

 

 

– دور الاستخبارات في المفاوضات وحل النزاع.

 

تلعب اجهزة الاستخبارات دوراً حيوياً في ترتيب المفاوضات المباشرة بين اطراف الصراع، والمساعدة في حل النزاع وترتيب الصفقات والإشراف على إنجازها.

لذلك عندما يجري الحديث عادةً عن مفاوضات غير مباشرة، او مفاوضات خارج الأضواء أو خلف الكواليس، يكون المقصود بها هي مفاوضات اجهزة الاستخبارات للدول المتحاربة، او تلك التي لها علاقة بأطراف النزاع.

قد لا تكون الأمور ناضجة للحل كي تتمكن القيادة السياسية في البلدين المتحاربين للجلوس مع بعض بشكل مباشر، فتوعز كل دولة لجهاز الاستخبارات لديها للبحث بالأمور العالقة وتذليل العقبات، وتمهيد الطريق امام المفاوضات المباشرة، او لإتمام صفقة سياسية أو ذات طابع امني متصل بالنزاع القائم وغيرها.

فشل المفاوضات بين القيادات السياسية له تبعات نفسية واجتماعية واقتصادية وسياسية مؤذية وسيئة على جميع الأطراف. لكن في حال فشلت المفاوضات السرية التمهيدية التي تجريها اجهزة الاستخبارات بعيداً عن الأضواء، لن يكون لها تداعيات وانعكاسات سيئة على المشهد العام، لأنها مفاوضات غير معلنة في الأصل.

بعد عملية السابع من اكتوبر والحرب الاسرائيلية على غزة، طرحت حركة حماس عرضاً يتضمن اجراء صفقة تبادل شاملة بينها وبين الجانب الإسرائيلي. على اثر ذلك شهدت العاصمة القطرية لقاءات لم تنقطع حتى اليوم بين قادة وممثلي اجهزة الاستخبارات للعديد من الدول المعنية من اجل التوصل إلى صفقة شاملة تنهي الحرب في غزّة.

– إدارة المعركة الاستخباراتية بعد انتهاء النزاع المسلح.

 نهاية الحرب أو السلام لا يعني نهاية دور الإستخبارات، إن كان في حماية السلام أو لناحية استمرار النزاع الخفي.

بعد اتفاقية السلام في كامب دايفيد بين مصر وإسرائيل في ايلول / سبتمبر عام ١٩٧٨ لم تتوقف الدولة العبرية عن ارسال جواسيسها إلى مصر، أو التوقف عن تجنيدها للعملاء للحصول على معلومات حيوية حول الجيش والاقتصاد وغيرها …

رغم ذلك تتعاون اجهزة الاستخبارات في البلدين على حماية الاتفاقية بينهما ومنع جر الأمور إلى المواجهات مجدداً، رغم كل ما يحصل في غزّة التي تشكّل تاريخياً عمق الامن القومي المصري، ورغم خرق إسرائيل للاتفاقية مع القاهرة بعد دخول جيش الاحتلال الاسرائيلي إلى معبر رفح ومحور فيلادلفيا.

كذلك لا يغيب الحديث عن اليوم التالي لوقف الحرب في غزة. كل التكهنات والمقترحات تصدر عن اجهزة استخبارات الدول المعنية. لكن ما هو في بال اجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والذي لم يعد خافياً على احد، هو سعي الحكومة الإسرائيلية بعد الحرب إلى إطباق الحصار على قطاع غزة، بهدف قلب الأمور داخل القطاع المحاصر، وإحداث حالة من الغضب الشعبي ضد حكومة حماس، كما تخطط إسرائيل إلى دفع سكان غزة إلى الهجرة للخارج عبر الميناء البحري الذي انشأه الجيش الاميركي، عندما لا يجدون اي سبيل لاستعادة الحياة الطبيعية بعد تدمير الجيش الاسرائيلي كامل البنى التحتية في القطاع.

بهذه الاستراتيجية تكون إسرائيل قد انتقلت الى الحرب الاستخباراتية بعد الانتهاء من المواجهات العسكرية، وتأمل ان تحقق أهدافها من خلالها، ما فشلت بتحقيقه في الحرب.

لمن يود الاطلاع على المقال باللغة الأجنبية :اضغط هنا

نبيل الحلبي، محامي وباحث لبناني متخصص في القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الجنائي الدولي

‎⁨نبيل الحلبي محامي وباحث لبناني متخصص في القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الجنائي الدولي. الرئيس التنفيذي للمؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان (لايف). مبعوث سابق في التفاوض وحل النزاعات، وخبير دولي في ادارة الصراع. منسّق سابق لبرامج وزارة الخارجية البريطانية ودول الكومنولث تشمل التحقيقات الخاصة بشأن الانتهاكات الجسيمة، وإدارة الصراع في سوريا. قام بالمراجعة والإعداد القانوني والانساني لبرنامج الشرطة المجتمعية المقدم من حكومة الولايات المتحدة لقوى الامن الداخلي اللبنانية. حائز على درجة دبلوم في العلوم الاستخباراتية من جامعة صباح الدين زعيم في اسطنبول ومن الاكاديمية الدولية للعلوم الامنية في لندن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى