لبنان في لُعبةِ الروليت الروسية: هل تكون النهايةُ المُرعِبة خيراً من الرُعبِ بلا نهاية؟ بقلم البروفسور بيار الخوري
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
تعتمد لُعبةُ الروليت الروسية على الحظّ الى أقصى درجة، حيث تقوم على تزويد المُسدّس بطلقة واحدة في أسطوانته التي يُمكنها أن تحمل ست رصاصات، وتُصَوَّب الى الرأس ويُسحَب الزناد، ويُشكّل احتمال الموت هنا نسبة حوالي 17%.
في النسخة الأكثر فتكاً للروليت الروسية لا يُعاد دَوَران أسطوانة المسدس، ويتم تبادله بين اللاعبين. في أفضل الحالات سيقع الموت على من يُمسك المسدس بعد المحاولة الخامسة.
فهل كان لبنان محظوظاً فعلاً خلال العام الماضي بعد أن أصبحت أحداثه الجسام مدعاةً للسؤال: كيف هالبلد بعدو عايش؟.كيف مرّت الطلقات الخمس الأولى من دون أن تقتل اللاعب الموجوع؟
كيف بعدو عايش؟ بعد انهيارِ القطاع المصرفي وعَجزِ اللبنانيين، من مُودِعين وشركات، عن التصرّف بثرواتهم ورأسمالهم العامل وجنى أعمارهم وتعويضات نهاية خدمتهم (الطلقة الاولى). والمُفارقة هنا أنه حتى حين عاش لبنان حرباً أهلية مديدة شهد فيها كل أنواع العنف والتهجير والقتل على الهوية وحكم الميليشيات، لم يتعرّض أحدٌ لثروات أبنائه النقدية في المصارف، أضف إلى قدرته – التي يفتقر إليها اليوم – في إستيعاب ظاهرة البنوك المُتعثّرة من خلال قوانين الدمج والتصفية.
كيف بعدو عايش؟ لقد دخل سعر صرف الليرة اللبنانية في معادلات سوريالية لا علاقة لها بقوانين اسواق المال والنقد ( الطلقة الثانية). خسر اللبنانيون قيمة أجورهم ومُدّخراتهم والمعدل المستهدف للأرباح، وانخفضت القيمة الفعلية لمخزونات التجار مع تراجع مستوى الدخل وبلوغ معدلات الفقر مستوى 50% في وقت تجاوزت البطالة معدّل 40% من دون احتساب البطالة المُقَنَّعة.
كيف بعدو عايش؟ وفوق هذا وذاك، ها هو وباء كورونا ينهش جسم لبنان العليل يومياً. وربما هذا المشهد سيتجاوز ما شهدناه في المشهد الإيطالي ( الطلقة الثالثة) في ظل سياسة ” قد بساطك مد اجريك” التي تعتمدها الحكومة في مواجهة الوباء؛ فالناس والمصالح يجب أن تعمل كل يوم لتحصيل أرزاقها بعدما بلغ الناتج الوطني ثلث ما كان عليه منذ عام. لا الشعب قادر على الإستمرار بلا عمل، ولا الحكومة المنهوبة خزائنها والمُبتلية بالفساد والبلادة والمحسوبية قادرة على إطلاق اي حزمة تحفيز تُوَفّق بين منع إنتشار الوباء ومنع انهيار أرزاق الناس. ينتشر الوباء تحت ضغط قرب نضوب أموال دعم المواد الأساسية، والإنقطاع المتواتر للدواء والأجهزة والمُستلزمات الطبية وأجهزة التنفس وأسرّة المستشفيات.
كيف بعدو عايش؟ بعد الطلقة الرابعة التي كادت تصيب لبنان بمقتل في كارثة الرابع من آب (أغسطس) التي ضربت المرفأ وأحياء بيروت، وكلّفت لبنان 200 شهيد وآلاف الجرحى ومليارات الدولارات و صدمة جماعية، “تروما”، تُلاحق المواطنين كل يوم: لقد نَجَونا ولكن ماذا يضمن المرة الثانية؟ إنفجار بيروت نزع الأمل من اللبنانيين، خصوصاً في ظلّ العجز عن تقديم أسباب ( مُقنعة أو غير مُقنعة) لما حصل. لبنان بعد هذا الإنفجار مُختلفٌ كلياً عمّا سبقه. يُشكّل التفجير أو الإنفجار (وهنا تختلف التسميات لأسباب لسنا في وارد الحديث عنها) أصعب مأساة سياسية وإجتماعية ضربت لبنان، لا لحجمها (فاحجام الخراب والمآسي في السنوات الخمسين الاخيرة أكبر بكثير)، ولكن لبنان اليوم فَقَدَ المناعة وفَقَدَ القدرة على التوقّع وهنا بيت القصيد.
كيف بعدو عايش؟ في ظل الطلقة الخامسة وهي العجز السياسي عن تشكيل حكومة في ظل كل التحديات والمخاطر التي يواجهها لبنان. في محاولتين رعتهما فرنسا بعد الرابع من آب (أغسطس) أثبتت الطبقة السياسية أنها قد باتت أعجز عن تحقيق اتفاقِ الحدّ الادنى لتسسيير أمور البلد، وأثبتت أن كل ما جرى خلال العام المنصرم لم يُغيِّر قيد انملة من أجندتها. فالقيادة السياسية مُرتَهنة للصراع الدولي والإقليمي على لبنان وبتناقضاتها الخاصة كأن شيئاً لم يحصل في سنة. صحيح أن العقوبات الأميركية قد عطّلت مشروع حكومتين، لكن ذلك يؤكد كم باتت المناعة السياسية ضعيفة عن الوقوف بوجه أي مُتغيّر أو حتى التهديد بهكذا مُتغيرات.
ليبقى السؤال الأكبر: ماذا ينتظر لبنان على أبواب الطلقة السادسة؟ آخر دولار في مصرف لبنان؟ آخر عقوبة من الخزانة الاميركية؟ آخر سرير وجهاز تنفس في المستشفيات؟ آخر قرش في المصارف؟ إنفجارٌ مُبهَم وكارثة وطنية جديدة؟ آخر مواطن يقول “بتفرج”؟ هل تكون النهايةُ المُرعِبة خيراً من الرعب بلا نهاية؟