التنين الناعس | بقلم علي أمين
تخطو الصين باقدام ثابته وخطوات متباطئه نحو الوصول إلى القمة مزاحمة الولايات المتحدة الأميركية على المركز الإقتصادي الأول في كوكب الأرض وباستراتيجية سماها الزعيم الصيني شي ومراكز الدراسات الاستراتيجية الصينية بالتنين الحذر والمترقب من افخاخ نصبها منافسوه في صعوده لتزعم الاقتصاد العالمي بالإضافة الى خطط الصين الداخلية لتوفير مئات الآلاف من الوظائف لمواطنيها سنويًا وبعد ان فرد ذلك التنين جناحه على الكثير من الدول الآسيوية عبر الكثير من الإتفاقيات والمعاهدات الاقتصادية والتشاركية وعبر حزم مساعدات وصلت خيراتها للكثير من دول افريقيا والعالم وبعد اطلاقها وتدشينها مشروع الحزام والطريق الذي يعيد ذكرى وامجاد التجارة الصينية القديمة البرية والبحرية التي وصلت الى السواحل العربية في ميناء قنا اليمني والذي كان نقطة انطلاق قوافل التجارة عبر طريقي الحرير والبخور حاملة الحرير الصيني كملابس لملوك فارس وفراعنة مصر وملوك اوروبا وولاتهم على الشام وكذلك البخور والتوابل القادمة من بلاد الهند واللبان اليمني يعيد التاريخ نفسه حديثا عبر مبادرة الحزام والطريق من الصين الى اوروبا عبر الكثير من البلدان الواقعة عبر خطي المرور للمشروع والتي من ضمنها البلدان العربية والتي تشكل بشكل كبير الشريان الرئيسي للماكينة الصناعية الصينية والتي تمدها بالطاقه والوقود كي تظل تعمل وتدور…
ومع احتدام التنافس العالمي بين الدول العظمى ومحاولة كل منها بسط نفوذها والسيطرة الاقتصادية على أجزاء كبيرة من الاسواق العالمية واحتكار الكثير والعديد من الصناعات والمنتوجات لكي ترضخ باقي الدول لسياساتها والقبول بالتبعية واللف في مدار تلك الدولة او تلك…
وفي ظل هذه الصراعات يبحث الكل عن موارد طبيعية ليأخذ منها المواد الأولية لصناعاته وكذلك يبحث عن موارد الطاقة لتشغيل تلك المصانع ولابد عند الدخول في ملف الطاقة الا يتم تغييب الشرق الأوسط ووعلى رأسة المملكه العربية السعودية والتي تتزعم احتياط العالم النفطي… والتي في الوقت ذاته تسابق الزمن لإنجاز مشاريعها التنموية ورؤيتها الاقتصادية التي ستقفز بها في التصنيف الدولي من مجموعة العشرين إلى أقوى اقتصاديات العالم…
وكان لا بد من الاتجاه شرقًا والعمل الى جانب نمور الاقتصاد الآسيوي وعلى رأسه الصين التي تشكل أهمية بالنسبة إلى السياسة الدولية بعد اصلاحات الإقتصادية للزعيم الصيني السابق دنغ شياو بينغ والذي بدأها عام 8791 م والتي وضعت الصين على الطريق الصحيح للإستفادة من قوته وثرواته رغم ان هناك من يتصور ان تغيير الاتجاه إلى مئة وثمانين درجة من الغرب الى الشرق إنحرافا في البوصلة السعودية وتغيير الإتجاه والخط الإستراتيجي فترك الولايات المتحدة والخروج من تحت عبائتها قد يطيح بالنظام السعودي او بالطامحين للجلوس على عرش المملكة لكن وفي ظل ظروف الحرب المشتعلة في اليمن والضغط الاعلامي بالإضافة الى رؤية 2030 الطامحة بجعل المملكة دولة لا يستهان بها ليس فقط كمصدر للطاقة ولكن كبلد صناعي متقدم تكنولوجيا وينعم ويتشارك مع الآخرين بالأمن والسلم والرخاء المشترك وتحت قيادة شابة وطموحة تريد بلورة الكثير من الافكار وتغيير النظرة السابقة عن المملكة…
لا يفوتنا التذكير ان حقبة الثمانينات من القرن المنصرم وتزامنًا مع الحرب العراقية الإيرانية ما حدث عند طلب المملكة ممثلة بالمرحوم الملك فهد من أميركا شراء صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى فقوبل طلبها بالرفض القاطع من قبل إدارة ريجان فما كان من المملكة إلا ان اتجهت صوب الصين وعقدت صفقات صواريخ معها…
كذلك لا نغفل عن الزيارات السابقة الى روسيا والمباحثات والتي بدأها الملك سلمان ولقاء اولي العهد السعودي الأمير محمد بالرئيس الروسي وكذلك زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد الى موسكو والمحادثات بين البلدين وأوجه التعاون في مجال الطاقة بين البلدين.
لا ننسى ان اميركا لا تزال تقف على قدمين ثابتتين كمتربع على دول العالم وانتهاج الصين مبدأ السلم في علاقاتها مع اميركا وتجنب التصادم معها ونسترجع ما حدث مع الحكومة الصينية في قضية عملاق الاتصالات والتصنيع الصيني شركة هواوي وشبكات الجيل الخامس والضغط الأميركي الذي أجبر الصين على تسوية ملف القضية كذلك لا ننسى ان من يمارس فرض العقوبات هي الادارة الأميركية وليست الصين على الرغم من ان الصين قامت بقرض الولايات المتحدة او من خلال شراء السندات الأميركية بعشرات المليارات من الدولارات….
بين كل هذه الاحداث الزاخرة والمتزاحمة تطل المملكة برأسها نافضة رمال الزمن عن عينيها ترنو الى المستقبل وبخطى حثيثة لأخذ موقعها الطبيعي بين الدول بشكل فردي ممثلة لنفسها في ظل انقسامات عربية تقطر لها القلوب الدماء وكزعامة عربية يمكن ان تتبلور مستقبلاً.
تعمقت العلاقه السعودية الصينية حديثًا أكثر بعد زيارة الأمير محمد إلى الصين التي ستشكل بتقاربها مع المملكة التي تنتهج استراتيجية مشابهة لعدم الانحياز وتغليب المصلحة الوطنية على رأس الأولويات والأهداف فموقع المملكة الاستراتيجي يؤهلها إلى لعب دورًا محوريًا في كثير من القضايا الاقليمية وحتى الدولية…. كذلك الثروة النفطية التي تشكل ورقة لعب أساسية ودولية بالإضافة لإشرافها على أكثر المواقع والمقدسات الإسلامية الحرم المكي والمسجد النبوي….
كذلك ضغط ملف حرب اليمن والملف الإيراني بكل عناوينه النووية والدينية والذي يعتبر المشروع والملف المنافس للمملكة في تزعم المنطقة وكان لا بد من مشاركة أصدقاء إيران العلاقة الطيبة والتعرف بهم والركون اليهم والتشارك معهم وتوقيع الاتفاقيات التي تعود بالنفع المتبادل والمشترك…
وعلى رأس هذه الدول الصين والتي تهدف الى بناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية والذي يمثل شعار السياسة الخارجية المركزية للزعيم الصيني شي جين بينغ وما تؤكد عليه استراتيجية الصين وتعاملها مع الدول العربية من خلال استراتيجياتها للأمن القومي والتي نشرت في ما يسمى بالكتاب الأزرق وما تم بثه عبر وكالة شينخوا للأنباء ومركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية عن ضرورة متابعة الحلم الصيني في دولة قوية وموحدة ونهضة عظمى للأمة الصينية، ولا يتأتى ذلك إلا بعلاقات ممتازة مع دول العالم والتي من ضمنها الأمة العربيه ممثلة بالجامعة العربية وكذلك مجلس التعاون الخليجي وبناء علاقات تتسم بالاحترام والنفعية وتعزيز التعاون في مجالات الاستثمار والتجارة والتواصل الانساني والثقافي ووالوقوف على مختلف القضايا التي تهم وتخص الأمة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية بصفتها احدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وممن يمتلكون حق النقض الفيتو وتطبيق أجندة الأمم المتحدة….
لقراءة الأجزاء الـ17 السابقة من ملف القمم العربية الصينية : اضغط هنا