السفير الصيني في لبنان يكتب: الحل الصيني لصيانة السلام والأمن في العالم والشرق الأوسط.
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
في الوقت الراهن، تتضح وجوه التغيّرات غير المسبوقة منذ مئة سنة أمامنا تدريجيًا، ودخل العالم في مرحلة الاضطرابات والتحولات. إذ إن البشرية لم تتمكن بعد من الخروج من ظلال الجائحة، تتصاعد الأزمة الأوكرانية باستمرار، ما زال التعافي الاقتصادي العالمي هشًا وضعيفًا، وتتعاقب التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية. تتمسك بعض الدول بعقلية “الحرب الباردة” البالية، وتضرّ بنظام الأمن الدولي بشكل خطير، حيث يواجه تيار العصر للسلام والتنمية بتحديات خطيرة.
في هذا الوقت الحاسم، اقترح الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة الأمن العالمي في حفل افتتاح المؤتمر السنوي لمنتدى بواو الآسيوي لعام 2022، الذي يقدم الحلول الصينية لمواجهة التحديات الأمنية الدولية. تدعو المبادرة إلى التزامات في ستة مجالات:
1- التمسك بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، والعمل سويًا على صيانة السلام والأمن في العالم
2- التمسك باحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى واحترام الطرق التنموية والنظم الاجتماعية التي اختارتها شعوب العالم بإرادتها المستقلة
3- التمسك بالالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ونبذ عقلية الحرب الباردة ومعارضة نزعة أحادية الجانب وعدم ممارسة سياسة التكتلات أو المواجهة بين المعسكرات
4- التمسك بالاهتمام بالهموم الأمنية المشروعة للدول كافة وإقامة إطار أمني متوازن وفعال ومستدام على أساس مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة ومعارضة السعي إلى الأمن القومي على حساب الأمن القومي للغير
5- التمسك بإيجاد حلول سلمية للخلافات والنزاعات بين الدول من خلال الحوار والتشاور، ودعم الجهود كافة التي تسهم في إيجاد حلول سلمية للأزمات، وعدم جواز المعايير المزدوجة ومعارضة فرض عقوبات أحادية الجانب بشكل عشوائي أو ممارسة “اختصاص طويل الذراع”
6- التمسك بحماية الأمن في المجالات التقليدية وغير التقليدية، والعمل سويًا على مواجهة النزاعات الإقليمية والقضايا الكونية مثل الإرهاب وتغير المناخ والأمن السيبراني والأمن البيولوجي
يظهر الواقع بشكل كامل أن المواجهات والظلم المختلفة في العالم اليوم تعود غالبًا إلى عدم الالتزام الجاد بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. لم تكن الحرب والعقوبات السبيل الأساسي لحل النزاعات، بل إن الحوار والتشاور هما الوسيلة الأكثر فعالية لحل الخلافات. وفي ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية الحالية التي تثير اهتمام المجتمع الدولي، يرى الجانب الصيني أن الأسباب وراء ما وصلت إليه الأوضاع الأوكرانية اليوم معقدة ومتشابكة.
من أجل حل الأزمة الراهنة، لا يمكن صب الزيت على النار وتصعيد التوترات، بل من المطلوب التمسك بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة واحترام وضمان السيادة وسلامة الأراضي لجميع الدول، ومن المطلوب أيضًا التمسك بالاتجاه الصحيح لتعزيز محادثات السلام وحل النزاعات سلميًا، ومن المطلوب التمسك بمبدأ الأمن غير القابل للتجزئة ومراعاة الشواغل الأمنية المعقولة لأصحاب الشأن. بالنسبة إلى القضية الأوكرانية، لا تسعى الصين لتحقيق مصالح جيوسياسية، ولن تراقب الحدث من مسافة آمنة بينما تجلس مكتوفة الأيدي، أو تضيف الوقود إلى النار. إن الهدف الوحيد الذي تتوقعه الصين هو تحقيق السلام في أوكرانيا.
في الشرق الأوسط، ظل الأمن والتنمية معضلتين تشغلان بال الدول في المنطقة منذ فترة طويلة. يعتقد الجانب الصيني أن شعوب الشرق الأوسط هم سادة الشرق الأوسط، ولم يكن هناك فراغ سلطة في الشرق الأوسط، وليست هناك حاجة إلى أولياء أمور من الخارج. منذ أكثر من سنة، طرح الجانب الصيني بالتوالي “المبادرة ذات النقاط الخمس بشأن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط” و”المبادرة ذات النقاط الأربع للحل السياسي للمسألة السورية” و”الأفكار ذات النقاط الثلاث لتنفيذ “حل الدولتين” بين فلسطين وإسرائيل”، الجوهر الأساسي هو تشجيع دول المنطقة على التخلص من تدخل القوى الكبرى، والمضي قدمًا بروح الاستقلال والاعتماد على الذات، واستكشاف مسار التنمية بخصائص الشرق الأوسط، والتحكم بحزم في مصيرها.
طبعًا، ما زال الطريق طويلًا للحفاظ على السلام وتعزيز التنمية في الشرق الأوسط. في الآونة الأخيرة، شهدت التوترات الفلسطينية-الإسرائيلية جولة جديدة من التصعيد. يرى الجانب الصيني أن القضية الفلسطينية، باعتبارها أكبر ظلم تاريخي، يجب تصحيحها في أسرع وقت ممكن، ومن الضروري أن يتحدث المجتمع الدولي بصوت واحد حول الوضع الحالي.
ندعو جميع الأطراف المعنية، ولا سيما إسرائيل، إلى التحلي بضبط النفس، ومنع الوضع من الخروج عن نطاق السيطرة. سيواصل الجانب الصيني دعم “حل الدولتين”، ودعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني، ودعم عقد مؤتمر دولي أكثر موثوقية واتساعًا لتعزيز السلام ودفع استئناف مفاوضات السلام بين فلسطين وإسرائيل. لن توقف الصين دعمها للشعب الفلسطيني في قضيته العادلة طالما لم تُحل القضية الفلسطينية.
في مواجهة التغيرات الكبيرة غير المسبوقة في العالم منذ قرن، إن الصين على استعداد للتعاون مع جميع الدول والشعوب المحبة للسلام والموجهة نحو التنمية، بما في ذاك لبنان، لحماية التعددية، والدفاع عن الإنصاف والعدالة، ومعارضة الهيمنة والأحادية، ومعارضة بشدة العقوبات الأحادية الجانب التي لا أساس لها في القانون الدولي، ودعم الجهود كافة التي تسهم في إيجاد حلول سلمية للأزمات. ستواصل الصين الالتزام بمفهوم تعزيز الأمن من خلال التنمية، وتعمل مع دول المنطقة سويًا بما فيها لبنان، في تسريع وتيرة بناء “الحزام والطريق” بجودة عالية، وتحضير القمة الصينية- العربية. وستواصل الصين تقاسم فرص تنموية مع دول المنطقة، بما يرسخ أسس السلام والأمن في المنطقة، وبناء مجتمع مستقبل مشترك صيني-عربي في العصر الجديد.
مصدر المقال : اضغط هنا