استحقت المملكة العربية السعودية ” الندية التكتية والشراكة الاستراتيجية “،ودخلت وعن جدارة ناد كبار المقررين على المسرح العالمي، وهي علامة فارقة للسعودية ومتمايزة من حيث الجغرافيا والزمان، في خطوات ثابتة لمسيرة واضحة ورؤية ثاقبة لتأكيد مكانتها في قلب عالم يتجه ومنذ سنوات لناحية مختلفة من البرمجيات التشابكية لمنظومة مختلفة، بنظام جديد حيث التعددية في الأقطاب هي الأصل .
التقطت الصين وكما العادة هذه المتغيرات واثبتت براعتها بالقراءة الواقعية وأكثر من أميركا الغارقة في ضبابية الرؤية والتخبط الدولي،والمصابة “بعمى ألوان” السياسة الخارجية، نجحت السعودية في أن تكون العراب ودولة الراية العربية بجمعها العرب وعلى مائدتها، ونجحت كذلك في أن تكون الدولة صاحبة الريادة والأولوية الجاذبة للشراكات الكبرى والتحولات العالمية وأحداثها, والحائزة على الثقة في أن تكون رقم صعب لبناء المشاريع الرؤيوية ورسم السياسات والتخطيط لأي جديد فجلبت التنين .
في أن تكون المملكة السعودية الدولة المضيفة والرئيسة لثلاث قمم متساوية ومتوازية وكأننا أمم تشكيل هندسي استثنائي وهو المثلث المتوازي الأضلاع ولكنه بأربعة رؤوس، حيث الرؤوس الثلاثة المتعادلة مع بعضها مؤلفة للمثلث، والرأس الرابع هو للمملكة وفكرها قيادتها, وهو برهان على تفردها المنهجي في القراءة الاستباقية ولكيفية التعامل مع المتغيرات الدولية والاقليمية، وقد برهنت كل الأزمات على محورية الدور السعودي في تحقيق الأمن الدولي وتوازنه أيضا وخصوصا الطاقوي منه، محولة كل معضلة ومحنة الى امتحان تجتازه بنجاح ومكانة, وتحويله لفرصة ومنحة ولظرف فعال، الأمر الذي أعطى الحضور العربي الوزن والثقل والمكانة .
وتنطلق الأولوية السعودية من خلال منهجية الاندماج والتناغم الآسيوي وخاصة مع الصين, فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية والتنموية والمالية،بالتوازن والمحافظة على الشراكة الاستراتيجية الأميركية، بشعار السعودية هي أولا والمنطقة العربية أولا، وتحاول المملكة الاستفادة مع علاقتها الاستراتيجية على هذا المنوال دون الانتقاص من الوجود الواقعي لأي دولة .
رسمت هذه القمم مسودة الانتقال السعودي والخليجي والعربي من مرحلة التنوعية الاقتصادية وتعددية مجالياته الى مرحلة التنوعية والابتكارية في التحالفات والشراكات الدولية، في ظل أزمات دولية متواترة ومتلاحقة بدءا بالكورونا وأزمة التضخم العالمي،وصولا للحرب المستعرة في أوكرانيا،مقرونا بالخروج العبيط لأميركا من المنطقة .
بالرغم من أهمية هذه القمم ومدلولاتها الا أنها لا ترتقي لمرحلة التحول الاستراتيجي وانما لسلوك عملي جديد، وتحاول المملكة وبذكاء حاد جدا بدبلوماستها الناجعة والناضبة باللعب على وتر الثغرات الحادة في علاقتها والاستفادة من المنافسة الصينو-أميركية ومن تطورات الأزمة الأوكرانية الروسية، وذلك شبيها للدور الأميركي والذي لعبه وزير خارجيتها وثعلبها الماكر “هنري كيسنجر ” حينها،بهدف الاستفادة من الخلاف بين قطبي الشيوعية آنذاك (الاتحاد السوفييتي والصين ) لعزل الأولى، اضافة لمشكلة التضخم العالمية وارتفاع أسعار الطاقة .
تنتهج المملكة دبلوماسية الشراكة والتعاون ولا تقبل أبدا لا بالاستقطاب ولا بالتبعية، فالتعاون مع الصين لا يعني عدم التعاون والشراكة الاستراتيجية مع أميركا ، ولا يمكن حصر الزيارة في ظل سياسات ومصالح مشتركة في اطار الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية، فالصراع ليس موجود بل هنالك منافسة واختلاف في وجهات النظر والطريقة التقييمية للملفات ذات البعد غير الاستراتيجي، أي الظرفية وخاصة لناحية العلاقات .
فهناك اختلاف في علاقة المملكة بالصين عن علاقتها بأميركا، حيث مع الأولى والى الآن اقتصادية فقط، وظهر ذلك في أولوية القمم الثلاث وبيانات الختام، فيما الشراكة مع أميركا مختلفة الأبعاد والأهداف،وهذا ما يعيدنا للقمة السعودية الأميركية الأخيرة في جدة وعنوانها “الأمن والطاقة والسياسة”، لكن السعودية عاتبة في الأصل على أميركا في تساهلها مع الملف النووي الايراني, بمحاولة ادارتها البادينية العودة اليه، بمناورة من ايران وعجز أميركي، رغم الخطر الذي يهدد المنطقة وآسيا وحتى الوسطى منها وما بينهما المصالح الأميركية .
أكدت الصين بهذه الفعاليات والقمم الثلاثية من عزمها على التعامل مع الدول العربية كرزمة واحدة من بوابة السعودية، بـتأسيسها لمرجعية تعاونية وأثر خافق مع المملكة,وهذا اعترافا صينيا بريادية السعودية الدولة والقيادة عربيا واقليميا ودوليا,وتعد منطقة الخليج والسعودية الوحيدة القادرة على أن تمد الصين وبسلام بالأمن الاستراتيجي الطاقوي من أجل تأمين وقودها وصناعتها، ومن المرجح أن يشكل التناغم والتمازج بين رؤية 2030 السعودية ومختلف مشاريع المنطقة (الامارات 2050, الكويت2035، البحرين2030، قطر2030، سلطنة عمان 2040, مصر 2030) كذلك مع مشروع الحزام والطريق نقطة الارتكاز في هذا التعاون لخلق نموذج الوصل الاستقراري بين الشرق والغرب لتقوية التراصف الاستراتيجي ولبلوغ الوثبة المفتاح المقررة والمدخلة لمرحلة جدية من التكامل والتناغم والتفاضل المنسق وخاصة لعامل ما بعد الجائحة والتضخم والركود العالميين والحرب الأوكرانية الروسية، وعلى أميركا وأوروبا وجل دول المسرح العالمي التمعن في قراءة هذه التحولات المتنوعة القطبيات والاستفادة الايجابية من متغيراتها الجيوبوليتيكية.
لقراءة الأجزاء الثمانية السابقة من ملف القمم العربية الصينية : اضغط هنا
