طريق الحرير الجديدة تتحدّث الفرنسيّة أيضاً
إذا كانت مبادرة “الحزام والطريق” الصينية تشكّل تحدّياً للدول النافذة،فإنها حلمٌ لتلك الباحثة عن النمو.
فمليارات الدولارات التي ستستفيد منها هذه الأقطارلإصلاح بُناها التحتيّةوتشييد أخرى، هي بحاجة اليها من زاوية”العين بصيرة واليد قصيرة”، لا تتعلّق بالطرق وسكك الحديد، بالمرافىء والصناعة، وإنما أيضاً بالإتصالات والفضاء.
والفرق كبير بين انزعاج الدول المتمكّنة، وحاجة الدول المتعثّرة.
من وجهة نظر فرانكوفونية، بصفتي مؤسس رئيس جمعية”الأرزة الفرانكوفونية”، أتفهّم بعض التحفّظات، بأن يؤخذ في الإعتبار عدم إغراق السوق بالمنتجات الصينيّة. لكنّ للسوق أيضاً منطقها، منطق العرض والطلب، وللمنافسة الشريفة الحسم.
يعود تاريخ “طريق الحرير” القديم إلى القرن الثاني قبل الميلاد. ويشير الإسم إلى شبكة الطرق البريّة والبحريّة التي ربطت بين الصين وأوروبا مروراً بالشرق الأوسط، بطول يتعدّى عشرة آلاف كيلومتر.
بدأت محاولات الصين لإحياء “طريق الحرير” بداية تسعينات القرن الماضي، عبر ما عُرف ب”الجسر البري الأوروبي الآسيوي” الذي يصل بين الصين و كزاخستان، منغوليا وروسيا، ويصل إلى ألمانيا عبر – سكك حديدية.
تتجاوز النسخة الحديثة من هذه الطريق ما قد يتوقعه الخيال البشري. فقد تم استثمار قرابة 181مليار دولار في 59 دولة يعيش فيها قرابة 4.4 مليار شخص. وتشمل هذه الدول قرابة 55 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وقرابة 55 بالمائة من الموارد المعروفة على هذا الكوكب. وعلى امتداد أكثر من عشرة آلاف كيلومتر.
تتكون “طريق الحرير” الجديدة، بشكل أساسي، من طريق برية يطلق عليها اسم “حزام طريق الحرير الاقتصادية” التي تربط قارة آسيا بأوروبا، إضافة إلى طريق بحرية تربط آسيا بأفريقيا والشرق ببلدان المغرب. وستحمل هذه الطريق اسم “طريق الحرير البحرية للقرن الحادي والعشرين”.
تهدف الصين من خلال “طريق الحرير” الجديدة التي تحمل اسم “الحزام والطريق” التسويق لمبادرة ستجعلها محور ا للعلاقات الاقتصادية العالمية. فهي مشروع عملاق تشارك فيه 59 دولة، تريد بيجينغ من خلالها تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا، أفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى. وهو أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، يشمل بناء مرافئ وطرقات، سكك حديدية ومناطق صناعية. ففي نهاية عام 2013 تم الإعلان عن مبادرة “الحزام والطريق” على لسان الرئيس الصيني شي جين بينغ. وتعهدت الصّين بتخصيص 162 مليار دولار للخطة الطموحة.
ما هي الدول الفرانكوفونية التي تستفيد من “الحزام والطريق”؟
كون مجموعة الدول الفرانكوفونية تضم أقطارا في قارات ثلاث، يقع بعضها في مفاصل جغرافية رئيسية، فقد كان على “طريق الحرير” ان تقيم معها اتفاقات توزّعت بين البنى التحتية والاتصالات، التجارة والصناعة، البيئة والفضاء، وغير ذلك من القطاعات.
وتسعى الصين منذ سنوات للتقرّب من دول أوروبا، أحد أبرز أسواقها. وقد سعت الى ذلك تجاه المنطقة الوسطى منها في سياق شراكة (16+1).
واستثمرت في عدد من القطاعات الاستراتيجية في بعض دول الاتحاد الأوروبي.
وبواسطة مبادرة “الحزام والطريق”، ترمي بيجينغ الى تقليص فترة الشحن إلى هذه القارة التي تتخوف من إغراقها بالمنتجات الصينية. فانقسمت دولها ما بين متفائِل وقلِق. فعلى سبيل المثال، يُعتبر شرق أوروبا أحد المشجعين للمبادرة الصينية. أما شمالها فهو في حالة ذعر خوفاً من محاولة الصين السيطرة على العالم.
ماكرون يحذّر من الهيمنة
وقد كانت فرنسا والدنمارك ولوكسمبورغ، آخر الدول الفرانكوفونية التي انضمت إلى هذه المبادرة.
ووضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته الاولى للصين التي قام بها في كانون الثاني 2018 ضمن اطار “الحزام والطريق”. الاّ انه حذ ّر من مخاطر “هيمنة جديدة”.
ولكن ما تزال ثمة نقاط احتكاك بين باريس وبيجينغ، خصوصاً العجز التجاري الفرنسي البالغ 30 مليار أورو مع الصين. وتسعى فرنسا في هذا الصدد الى “إعادة التوازن” إلى العلاقة التجارية الثنائية، وتدعو إلى المبادلة بالمثل في فتح الأسواق بين الاتحاد الأوروبي والصين.
يربط الصين بأوروبا خط سكك حديد، يصل 26 مدينة صينية ب 51 مدينة أوروبية في 15 دولة. وقامت تلك القطارات ب 14,691 رحلة منذ إطلاقها عام 2011 .
وقد أشار ماكرون في مقابلة أجراها معه موقع “تشاينا أورغ”، إلى أن هذه المبادرة في غاية الأهمية وتُعد فرصة حقيقية. ورجّح أن تلعب دوراً هاماً في تنظيم المساحة الأوراسية.
وقال: “أعتقد أنه من المفيد جداً تعزيز التقارب بين أوروبا والصين، والتشاور بينهما بشأن هذه المبادرة.
وفرنسا على استعداد للعب دور المحرّك في ذلك”. وأبدى ماكرون تحفظاً واحداً غالباً ما يعبّر عنه الأوروبيون، وهي حرصهم على “تفادي أن تقتصر المشاريع على تدفّق فائض إنتاجيّ صينيّ”. فدعا إلى العمل في إطار “شراكة متوازنة تكون قواعد التمويل فيها منسجمة مع معاييرنا ومع ما نسعى إليه معاً”.
وتتطلع فرنسا إلى قيادة الدول الغربية لتعزيز التعاون مع الصين، في إطار مبادرة “الحزام والطريق” والحفاظ على مكانة فرنسا وتعزيزها في أوروبا والعالم.
الصين في الاليزيه
من جهته بدأ الرئيس الصيني شي جينبينغ في آذار الماضي الشقّ الرسميّ من زيارته لفرنسا، حيث يعتزم نظيره إيمانويل ماكرون حضّه على الالتزام بقواعد النهج التعددي، وسط انقسامات أوروبية حيال حملة بيجينغ الدبلوماسية-التجارية.
وبعد لقائه جينبينغ في قصر الاليزيه، دعا ماكرون الى “شراكة قوية بين الصين وأوروبا”.
بدوره قال الرئيس الصيني إن “أوروبا موحّدة ومزدهرة تلائم استراتيجيتنا لعالم متعدد الاقطاب”، داعياً أوروبا لاعتماد “استراتيجية مترابطة” في تعاملها مع بلاده. وتابع في تصريحات للصحافة أنّ “الصين ستدعم دائما التكامل الاوروبي وتطوره”.
وأضاف جينبينغ أن “الصين وفرنسا بلدان عظيمان لهما تاريخ مجيد”، مشيداً باختيار ماكرون الصين في رحلته الأولى الى آسيا. وتابع: “نشاطركم الرغبة في ان نكون قائدَين يتحملان المسؤولية ونختار مواصلة تعزيز العلاقة بين بلدينا”.
في بيجينغ عرض الرئيس الصيني شي جينبينغ على أليكسيس تسيبراس رئيس وزراء اليونان المثقلة بالديون، دعماً قوياً قائلاً إنه يجب على البلدين توسيع تعاونهما في البنية الأساسية والطاقة والاتصالات. وأبلغ ضيفه أن بلاده جزء مهم من استراتيجية الصين ل”طريق الحرير الجديدة”. وقالت وزارة الخارجية الصينية إنه يجب على الصين واليونان تركيز جهودهما على تحويل ميناء بيريه إلى مركز دولي مهم لإعادة الشحن.
ويزور تسيبراس بيحينغ لحضور اجتماع قمة للترويج لرؤية الرئيس الصيني لتوسيع العلاقات بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، من خلال مبادرة “الحزام والطريق”.
كما انضمت سويسرا رسمياً إلى مبادرة “الحزام والطريق” عندما وقّع رئيسها أولي ماورر ونظيره الصيني شي جينبينغ، مذكرة تفاهم في بيجينغ.
فقد أكّد رئيس الكنفدرالية في المحادثات التي دارت بين الرئيسين أواخرأبريل الماضي، أن العلاقات الثنائية وصلت إلى “مستوى رفيع غير مسبوق من حيث تواتر الزيارات وحجم القضايا المشتركة” المتعلقة بالشؤون المالية والضرائب، العلوم وحقوق الإنسان.
وأصدرت الحكومة السويسرية بيانا جاء فيه: “هدف الدولتين هو تعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والتمويل من أجل القيام بمشاريع في دول ثالثة على امتداد طرق مبادرة “الحزام والطريق”.
من جهتها ترغب بولندا أن تصبح مركزاً لوجيستياً ل”الحزام والطريق”.
وفي مقدونيا استثمرت بيجينغ في بناء طرق سريعة. وخلال لقاء جرى بين رئيس الحكومة الصيني لي كيكيانغ ونظيره المقدوني زوران زاييف، اعتبر الاخير ان “المساعدة التي تقدمها جمهورية الصين الشعبية مهمة لتحديث بلاده”.
وحذرت المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل من محاولات الصين ربط استثماراتها في البلقان بمسائل سياسية، وسط اتهامات لببجبنغ بالسعي لتعزيز نفوذها في اوروبا عبر هذه الوسيلة.
قبرص ثالث شاحنة اوروبية
واعتبر الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس أن تطوير مبادرة “الحزام والطريق” تعتبر في مصلحة العالم لأنها تعزز التعاون بين الدول وتسهم في تحقيق السلام والاستقرار والنمو الاقتصادي.
وفي مقابلة مع وكالة أنباء “شينخوا” قبيل توجهه إلى بيجينغ لحضور منتدى “الحزام والطريق” الثاني للتعاون الدولي، أثنى أناستاسياديس على الصين لتنظيم “هذا الحدث الممتاز الذي يعطينا فرصة لإعادة تأكيد التزامنا بتعزيز علاقتنا … بما يصبّ في مصلحة شعبَي قبرص والصين”.
وأوضح أنه يعتبر هذه المبادرة “فرصة عظيمة لدولة مثل قبرص من أجل معرفة كيفية دفع تعزيز علاقتنا الممتازة مع الصين” وتعزيز التعاون بين الدولتين”. وذكر أنه “يتوقع مزيداً من المبادرات لبناء التعاون مع كل الدول المشاركة، الأمر الذى يوفّر الفرصة للمزيد من الاستثمارات إما من جانب الصين أو العكس من أجل تنمية التعاون في التجارة والاستثمار”.
وقال أناستاسياديس إن قبرص استفادت بشكل كبيرة من مبادرة “الحزام والطريق”، مضيفا ًأن الاستثمارات 2013 – الصينية ساعدت قطاع التشييد المنهار في الخروج من الأزمة الاقتصادية عام 2012 وعن التعاون البحري، قال إن قبرص، تُعتبرر ثالث أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي في تسجيل الشحن، والعاشرة على مستوى العالم، ستستفيد منه.
وأضاف أننا “سنحاول بأقصى جهدنا أن نكون جزءاً من هذه التنمية، التي ستفيد دون شك قطاعنا البحري”.
في القارة الاسيوية، احتلّ الشرق الاوسط مكانةً بارزةً على خارطة “طريق الحرير”، كون الصين مهتمة بورشة اعادة الاعمار في سوريا.
الصين تدخل لبنان من الباب…بالقطار
فقد بدأت الصين تسعى لتعزيز مكانتها في لبنان، وأصبح مرفأ طرابلس مؤهلاً ليكون بوابة الصين إلى الاستثمار في ورشة إعادة الإعمار في سوريا، وفق ما تنشره الصحف العالمية.
وأكد سفير جمهورية الصين الشعبية لدى لبنان وانغ كه جيان، أن الصين ترغب في المشاركة بنشاط في تنفيذ مشاريع اتصالات جديدة في لبنان. وجاء ذلك في بيان صدر عن السفارة الصينية في بيروت بعد اجتماع السفير بوزير الاتصالات محمد شقير.
وتوقّع السفير القيام بمزيد من التعاون العملي مع لبنان في إطار مبادرة “الحزام والطريق”. كما أعرب عن أمله في أن “يوفّر لبنان بيئة أعمال مفتوحة وعادلة للشركات الصينية للقيام بنشاطات تجارية في البلاد”.
ولفتت وكالة انباء “شينخوا” إلى أنّ الصين تأمل بتقديم هبات إلى المؤسسات العسكرية في لبنان، إضافة الى اهتمامها بتطوير البنى التحتية. وذكرت أنّ الصين كانت قد قدّمت دعماً عسكرياً خلال المعركة التي خاضها الجيش اللبناني ضد “داعش” في العام 2015.
من جانبه، أشاد الوزير شقير بالتكنولوجيا والخدمات التي تقدمها شركات الاتصالات الصينية في لبنان، وكذلك بالتعاون الجيد بين الجانبين. ورحّب بمشاركة الصين المستمرة النَشِطة في بناء البنية التحتية للاتصالات في لبنان، وخصوصاً بناء شبكات الجيل الخامس.
ويسعى المستثمرون الصينيون أيضاً إلى إقامة مصانع ضخمة، واحد للسيراميك وآخر لصناعة الإطارات والمياه المعدنية، ومصنع كبير للمفروشات وغير ذلك…
وفي تطوّر جديد على مستوى العلاقات الصينية-اللبنانية النامية، بالتزامن مع الحديث عن اعتبار الصين لبنان بوابةً لإعادة إعمار سوريا، عرض وفد صيني زار وزير الأشغال والنقل، يوسف فينانوس خططاً لإعادة تفعيل سكة الحديد التي تربط بين بيروت وطرابلس، في إطار مشروع استثماري صيني واسع النطاق في مجال خطوط النقل في المنطقة.
وفي التفاصيل أنّ الوفد الصيني الذي اجتمع بفنيانوس ورئيس مجلس الادارة المدير العام لمصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، زياد نصر، وممثلة المجلس الأعلى للخصخصة للشراكة بين القطاعين العام والخاص، ديالا الشعار، بحث في تطوير قطاع النقل في لبنان وتفعيله. وعرض للمشاريع التي تُعنى بتطوير القطاع بشكل عام، إضافة إلى مشاريع البنى التحتية المتعلقة بمرافق النقل العام.
وفي هذا السياق، قالت رئيسة الجمعية الصينية- العربية للتبادل الثقافي والتجاري، إليانا إبراهيم، إنّه من شأن خط بيروت – طرابلس أن يجذب المستثمرين الصينيين، في حال كان جزءاً من مجهود واسع النطاق لربط المنطقة ببعضها البعض، مضيفةً: “نحن مستعدون لدعم لبنان بمعرفتنا التقنية… لكننا نبدي اهتماما أكبر بربط بيروت طرابلس، وطرابلس بحلب، وحلب بدمشق، وهكذا دواليك”. وتابعت إبراهيم: “إذا جرى الاعتماد على الأشخاص الذين يركبون القطار للذهاب إلى العمل، لن يكون هذا كافياً . فلا بدّ من الاعتماد على الشحن، وعلى السلع”. وبيّنت أنّ العائدات التي سيدرّها تفعيل سكة الحديد هي ما يثير حماسة المستثمرين الصينيين. ف”نحن مهتمون بالتطوير بنسبة 61 %، لكننا مهتمون بالعائدات بنسبة 81%”.
والتقى رئيس الحكومة سعد الحريري بوفد صيني ترأسه السفير الصيني في لبنان، وانغ كيجيان، الذي رافقه وفد اقتصادي من شركة الطاقة الصينية .”China Energy Group” وأوضح السفير الصيني أنّ هذا اللقاء يُعدّ واحداً من بين زيارات عدة قام بها ممثلو شركات صينية مهتمة بالاستثمار في لبنان، معتبراً أنّ هذه الخطوات تعبّر عن رغبة الصين، على مستوى الحكومة والشركات، في التعاون مع الجانب اللبناني في مجال التنمية الاقتصادية من أجل مصلحة البلدين. ونأمل التوصل إلى اتفاق قريب.
وفي نيسان الفائت كشف موقع “The 961” تقريراً عن الاستثمارات الصينية في لبنان، وأنّها ستؤدي إلى خلق 5 آلاف فرصة عمل. وبيّن الموقع أنّ 400 شركة صينية وقّعت منذ آذار الفائت عقود إيجار لمدة 15 عاماً في مركز “كاسكادا مول” التجاري في البقاع الأوسط، في مسعى منها إلى أن يكون نسخة عن المركز التجاري الصيني في دبي Dragon Mart الذي يُعدّ أكبر سوق صينية في الخارج.
ويضع خبراء التحركات الصينية في لبنان هذه، في إطار الجهود التي تبذلها بيجينغ للمشاركة في إعادة إعمار سوريا التي تقدّر الأمم المتحدة كلفتها ب 250 مليار دولار أميركي.
وسبق للصين أن أرسلت وفوداً إلى سوريا ولبنان، علماً أنّها تبدي اهتماماً بمرفأ طرابلس بشكل خاص، بحسب تقرير نشرته صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية.
واشنطن لعدم استغلال لبنان موقعه
ودخلت واشنطن على خط “عرقلة” التوسّع الصيني في الاستثمار في لبنان، واضعة “فيتوات” محددة على قطاعات عدة لا ترغب بان يكون ل”بيجينغ” يد فيها، وهو أمر يطرح أكثر من علامة استفهام حيال كيفية تعامل الحكومة ومجلس النواب المُطالب بسنّ تشريعات تشجّع الدخول الصيني الى الاسواق اللبنانية.
وفي الوقت الذي يستعد فيه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان لزيارة بيروت للاطلاع على مسار الاصلاحات المطلوبة في اطار مؤتمر “سيدر”، تحرّ كت واشنطن باتجاه الحد من “النفوذ” الصيني المرتقب على الساحة اللبنانية. وقد ابلغت السفيرة الاميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد رئيس الحكومة سعد الحريري، في لقائهما الذي عقد عقب وصول مسؤولين كبار من المؤسسات الحكومية الصينية الى بيروت، ان بلادها في “حرب تجارية” مع الصين. وطالبت بأن لا يكون لبنان “منصّ ة” صينية لإعادة إعمار سوريا والاستفادة من موقعه الجغرافي لمنافسة واشنطن تجارياً في الشرق الاوسط وصولاً الى اوروبا. وألمحت الى أن واشنطن تضع هذا التوسّع “تحت المجهر”، و لن تتسامح ادارة الرئيس ترامب باي خلل اقتصادي يمكّن بيجينغ من استغلال موقع لبنان الجغرافي في مواجهة اميركا، محذرةً من “عواقب” عدم الأخذ في الإعتبار المصالح الأميركية. وعُلم في هذا السياق أن الرئيس الحريري أبلغها بأن التعاون ما يزال في بدايته ويحتاج الى الكثير من الجهد الثنائي كي يصبح عملية اقتصادية “مهددة” للتوسع الاميركي في المنطقة، محاولاً بذلك عدم اثارة “نقزة” اميركية.
وبحسب تلك الاوساط، فإن التحرك الأميركي جاء بعدما طالب الوفد الصيني رجال أعمال حَثَّ المسؤولين اللبنانيين تبنّي “خارطة طريق” للبدء بمباحثات رسمية متعلقة بمواضيع حيوية عدة وصولاً إلى توقيع اتفاقيات تساعد المستثمرين الصينيين الدخول الى السوق اللبنانية لتفادي الازدواج الضريبي. بالإضافة إلى اتفاقية تشجيع الاستثمارات وحمايتها، لضمان الحقوق المشروعة للشركات الصينية والعاملين فيها في لبنان.
ووفقا لأوساط وزارية بارزة، حملت السفيرة الاميركية “اعتراضات” واضحة من واشنطن ازاء احتمال توسّع الاستثمارات الصينية في لبنان، وخصوصاً في القطاع التكنولوجي، وقطاع الاتصالات، وكذلك الموانئ البحرية او المطارات. ولفتت الى ان ثمة قلقاً اميركياً ازاء إقدام مستثمرين صينيين باستئجار مجمّع كاسكادا مول في البقاع لمدة 15 سنة، لمصلحة 115 شركة صينية ، لتأمين تسويق البضائع الصينية وخدماتها، من البقاع إلى مختلف أراضي لبنان والأقطار العربية، وصولاً إلى أوروبا. كما سيكون دور المجمّع الصيني في البقاع تأمين حاجات السوق السورية، في مرحلة إعادة لإعمار. ولا يتوقف الامر عند هذا الحد. فالاهتمام الصيني يشمل أيضاً عكّار وطرابلس، وتفعيل الاتفاقات السابقة المعقودة مع معرض رشيد كرامي، عبر اتفاق جديد سيعقد على المستوى الرسمي.
“التنين” الصيني يعود إلى سوريا عبر “طريق الحرير”
وقال وزير النقل السوري علي حمود، إنه طرح على الصينيين مشاريع تطوير الطرق الرئيسية في سوريا على الشركات التي ترغب بإعادة الإعمار. وسيجري تنفيذ هذه المشاريع بخطط عدة ووفق نظام البناء والتشغيل والتسليم.. (B. O. T)
ومن أبرز المشاريع، الطريق السريع الأول شمال- جنوب الذي سيمتد من الحدود التركية حتى الحدود الأردنية، والطريق السريع الثاني شرق – غرب من طرطوس حتى الحدود العراقية. إضافة لمشروع تحويلة دمشق الكبرى، وهي محلق دائري وبطول 170 كم. وتُعتبر التحويلة محوراً رئيسياً يخدم المناطق المحيطة بدمشق والتي تتزايد حولها الفعاليات الاقتصادية والسكنية والمشاريع الحيوية.
وأشار حمود إلى استمرار العمل على تأهيل وإنشاء طرق ذات نفع دولي واقتصادي وإقليمي من خلال ربط طريق ساحل الغاب بأوتستراد حماة حلب، وتنفيذ ثلاث عقد وستة جسور.
وتراقب الصين التطورات الحاصلة في سوريا بعين سياسية وأخرى اقتصادية. وتتأهب لبدء سباق إعادة الإعمار لتأذن لشركاتها العملاقة، الانطلاق في رحلة استثمارات كبيرة نحو بلد مزّ قته الحروب، ساعية إلى كسب صفقات إعادة الإعمار من بوابة طريق الحرير.
استثمارات وصناعة
ولم تفوّت الحكومة السورية فرصة المشاركة في “الحزام الواحد” ، لتخرج من الحصار المفروض عليها دولياً وإقليمياً.
ويجد السوريون الاتجاه نحو الشرق مفيداً . فحتى الدخول في تكتّلات أوارسية أمر وارد، ومن بينها “منظمة شنغهاي”، لما تمنحه من كوّ ة أمل لهم، عبر توفير تحالفات اقتصادية مميزة، لتنضم إلى دول التحقت حديثاً بالمنظمة مثل أرمينيا وأذربيجان، النيبال وكمبوديا. فنسبة الاستثمارات الدولية لمنظمات مثل “بريكس” و”شانغهاي” تزداد، وهما تكسران احتكار القطبية الواحدة في النظام العالمي، وتمنحان للدول المنضمة إليها مشاركة فعّالة في المصارف وتمويل المشاريع.
وتنتظر الصين التي تُعد من أبرز دول ال”بريكس”، إلى جانب روسيا الاتحادية، الداعمة لسوريا منذ العام 2011 “ساعة الصفر” لإعادة إعمار البلاد التي دمّرتها الحرب، وهي لم تنازع حليفتها الروسية لتحصل على موطئ قدم عسكري لها هناك. ووفق المعلومات المتوافرة، فإن المشاريع والصفقات التجارية التي يتأهّب “التنين الصيني” للدخول في مجالاتها، تتعلق بقطاعات النقل، لا سيما مع دخول شركات عقارية ضخمة قادرة على بناء مجمّعات سكنية بطوابق عالية، لتقدّم المساعدة إلى سوريا التي تهجّر ونزح 6 ملايين من مواطنيها تقريباً، ودُمِّرت نصف بُناها التحية، فيما قدّرت الحكومة السورية تكلفة إعادة الإعمار ب 400 مليار دولار. ولن يستطيع حلفاء دمشق، وتحديداً روسيا وإيران، مهما بلغت قوة شركاتها التي تنوي العمل على الأرض في مرحلة ما بعد الحرب، أن تفيا بكل ما يجب فعله لإعادة سوريا إلى مرحلة ما قبل اندلاع الأحداث الأخيرة في العام 2011 . وتقد ر مصادر سور يّة بأن البلاد تحتاج إلى ما بين 25 إلى 30 سنة، لكي تعود كما كانت، مع اقتصاد متعا ف من خسائر أثقلته وتضخّم بالعملة غير مسبوق، في وقت بلغ حجم التبادل بين البلدين 27و2مليارا دولار في العام 2014 ، ليرتفع محققاً أعلى معدل له في أولى سنوات الحرب ب 2.5 مليارا دولار، ليعود ويسجل انخفاضاً حاداً بلغ 210 ملايين دولار في العام 2014 مع تراجع الصادرات والصناعات.
الصناعات البحرية
وليس عبثاً أن تبدأ العربة الصينية تقدمها من طريق قطاع النقل، بالتزامن مع نداءات بإعادة تفعيل “طريق الحرير”. وأفادت مصادر مطلعة في مجال النقل البري والبحري بأن الاستثمارات الصينية ستكون حاضرة بقوّة في مشاريع المواصلات من خلال مد سكك الحديد وإنشاء مدينة صناعية بحرية ضخمة في منطقة “عرب الملك” في الريف الساحلي، وتنفيذ طرق سيارات دولية وغيرها من المشاريع. وهذا ما يفسّر اللقاءات بين مسؤولين سوريين وصينين في الفترة الأخيرة، وأبرزها لقاء السفير الصيني في دمشق فنخ بياو، مع وزير النقل علي حمود.
وسيشكّل دخول بيجينغ إلى القلب السوري الذي يُعَدّ حلقة ربط بين قارات ثلاث، منا زعاً قوياً لطهران الساعية إلى اللحاق بركب الحليف الروسي في الحصول على امتيازات واتفاقيات، أبرزها عقد استثمار ميناء طرطوس مدة 49 سنة. ولا يتوجّس الأصدقاء والحلفاء فحسب من دخول الصين مجدداً إلى الساحة السورية، بل أن الولايات المتحدة التي تشاهد الاستثمارات الصينية تتنامى في الشرق الأوسط وتتمدد بشكل مخيف بالنسبة إلى اقتصاداتها وسياساتها بالمنطقة، قلقة جداً أيضاً خصوصاً بعد انتزاع الصين عقداً لاستثمار ميناء حيفا في وقت سابق مدة 25 سنة، ما يعني أنها لن تكتفي بالتفرّ ج على النموّ المتزايد لهذا العملاق.
هناك “هلعٌ” اميركي من “اجتياح” صيني للشرق الأوسط لا يوفّر اسرائيل. فقد حذّر الرئيس الاميركي دونالد ترامب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بالحدّ من علاقات إسرائيل المتنامية مع الصين ومن تبعات ذلك على العلاقات الإسرائيلية-الأميركية. وعبّر ترامب لنتانياهو خلال اللقاء الذي تمّ على هامشه صدور قرار الإعتراف بالجولان كجزء من اسرائيل، عن قلقه من المشاريع الصينية الضخمة المتعلقة بمجالَي الاتصالات والبُنى التحتية. واعتبر أن ذلك سيتيح الفرصة لنشاط تجسسي صيني…! وأثارت الإستثمارات الصينية خصوصاً في ميناء حيفا، قلقاً أميركياً استدعى زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون اسرائيل.
وليس لواشنطن مصلحة في سوريا. ولم تُرسل بعد من يمثلها في “الحزام والطريق”، إذ تنظر بريبة إلى هذا المشروع وتعتبره بداية الهيمنة الصينية على الاقتصاد العالمي. والروس غير قادرين على احتمال مثل هذا المشروع ولا يستثمرون في سوريا الاّ في البنى التحتية التي تحسّن سيطرتهم مثل بنى تحتية معينة من كهرباء أو استثمارات في الجيش. أما إيران ففي وضعها الإقتصادي تحتاج قبل كل شيء لأن تعيد بناء نفسها اولاً. والأوروبيون يتحدثون فقط ، وليس لدول الخليج أي رغبة في مساعدة الأسد. بقي الصينيون الذين يوجد لديهم كلاً من المال او المصلحة في اطار خطة “طريق الحرير” التي يسعون لأن يستكملوها بنهاية منتصف القرن. وخطة “طريق الحرير” تأتي لضمان الهيمنة العالمية الصينية في مواجهة الولايات المتحدة وروسيا.
يشارك الصينيون اليوم في اقتصاد أكثر من 60 دولة في آسيا وإفريقيا، الشرق الأوسط وأوروبا. وعندما يصبّون مئات مليارات الدولارات في سوريا، سيجلس الروس بهدوء في ميناء طرطوس وفي حميميم ويحافظوا على مصالحهم هناك. اما إسرائيل فسيتعيّن عليها ان تتعايش مع مصالح العملاق الصيني على حدودها.
تقول صحيفة “نيويورك تايمز” إن الإنتاج الصناعي الصيني الفائض يُعَدُّ أحد أهم الدوافع التي تقف خلف المبادرة. فعلى سبيل المثال، تنتج الصين نحو 1.1 مليار طن من الفولاذ سنوياً، ولكنها لا تستهلك داخليا إلاّ 800 مليون طن.
وفي القارّة الآسيوبة، كان للدول الفرانكوفونية حصّة كبيرة من “طريق الحرير”، على الرغم من بعض عثراته.
فلاوس مثلاً تشعر أنه “عبءٌ لا يُطاق في بعض الأحيان” حيث تبلغ كلفة تشييد خط للسكك الحديد 6و7 مليار دولار، أو نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي للدولة الآسيوية الصغيرة.
وفيتنام أيضاً لها حصة كبيرة من “طريق الحرير البحري” التي تبدأ من فوجو فى الصين وتمر عبرها فأندونسيا، بنجلادش والهند، سيريلانكا وجزر المالديف وشرق أفريقيا على طول الساحل الأفريقى، متجهةً إلى البحر الأحمر، وعبر قناة السويس إلى البحر المتوسط نحو أوروبا حتى تصل إلى الساحل الصيني.
وتشمل “الطريق” كمبوديا لجهة تطوير البُنى التحتية والاقتصاد، التجارة والاستثمار، السياحة والثقافة على وجه التحديد.
وتربّعت افريقيا على ناصية الطريق في مبادرة “الحزام والطريق”.
وتؤيد الرأس الأخضر مبادرة “الحزام والطريق”،وسوف تعمّق التعاون الثنائي مع الصين، حسبما ذكر قادة البلاد خلال الإجتماعات مع وزير الخارجية الصيني الزائر وانغ يي في العاصمة برايا.
وقال رئيس دولة الرأس الأخضر خورخي كارلوس فونسيكا في نهاية الأسبوع الماضي خلال اجتماع مع وانغ، إن الصين تُعد صديقاً حميماً للرأس الأخضر وتدعم البلاد منذ إعلان استقلالها.
وأضاف فونسيكا أن الرأس الأخضر على استعداد لدعم مبادرة “الحزام والطريق” والانضمام إليها من أجل تعميق التعاون المتبادل مع الصين.
وفي شمال القارة السمراء، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في الجلسة الثالثة ل “الحزام والطريق” المنعقدة فى العاصمة الصينية بيجينغ، إن “نتائج القمة الحالية للمبادرة، ستوفّر آفاقا جديدة مشرقة لبلادنا وشعوبنا، في مواجهة الواقع المتقلّب للاقتصاد العالمي، الذي وإن كان يتيح فرصاً إيجابية، إلاّ أنه يفرض بالقدرنفسه تحديات عديدة، خصوصاً أمام الإقتصادات الناشئة.
وأضاف خلال كلمته، أن القمة جاءت لتُلقي الضوءَ على ما توفّره مبادرة “الحزام والطريق” من أُطُرٍ للتعاون على أساس من الترابط والتواصل والتلاقي، من أجل تحقيق التنمية المستدامة الموجّهة في المقام الأول، لرفع مستوى الحياة والمعيشة لشعوب دول المبادرة.
وأوضح أن المحاور، التي تم الإجتماع حولها على مدار اليومين الماضيين، تهدف إلى الإسراع بوتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال العمل على رفع مُعدّلات تجارة السلع والخدمات وتدفّق الإستثمار المباشر، وتوفير مزيد من فرص العمل، والإرتقاء بالإتصال والتواصل فيما بين شعوب دول المبادرة،وصولا إلى شراكة استراتيجية تُعظّم مصالحهم المتبادلة، وتعزز من جهودهم نحو إقامة نظام اقتصادي عالمي أكثر ارتباطاً بمصالح الشعوب ومتطلباتهم.
وتابع الرئيس أن المناقشات التى شهدتها جلسات المنتدى جسّدت تبادلاً في الآراء وفهماً أعمقَ لمختلف القضايا المطروحة، مشيرا إلى التطلع إلى نجاح المبادرة في تحقيق أهداف النمو المستدام. وأعرب عن “التمنيات للصين الصديقة بكل التوفيق في مسعاها وإسهامها في تعزيز التعاون الدولي”.
وأكد “الريّس” أهمية التحرك بشكل جَماعي، لوضع ما تمّ التوافق عليه في الإطار التنفيذي، من أجل بناء وصياغة واقع ومستقبل أفضل لشعوب العالم وللأجيال القادمة.
وأكد السيسي حرصه على المشاركة فى قمة منتدى “الحزام والطريق” للتعاون الدولي، آخذاً في الإعتبار ما تمثله المبادرة من أهمية، إذ تهدف لتعزيز التنمية الشاملة، وتحقيق تطلعات الشعوب في الاستقرار والرخاء.
وتمثل مصر بموقعها الإستراتيجي ووجود قناة السويس كممر مائي حيوي بها، نقطة محورية في الجانب البحري من المبادرة. وتتكامل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس مع مبادرة “الحزام والطريق” لربط التجارة العالمية. فالمنطقة الاقتصادية تمثّل مستقبلَ التجارة الدولية، وستُصبح مركزاً لوجستياً عالمياً.
وتُعَدُّ منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني – المصري نموذ جاً للتعاون بين الصين ودول “الحزام والطريق”، وتوفّر منصّةً مثاليةً للمنشآت الصينية لتطوير نفسها في الخارج.
انضمت تونس رسمياً في تموز 2018 إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. وهي تطمح لأن تكون البوابة المثالية للإستثمارات والمشاريع الصينية في أفريقيا، والشريك الإستراتيجي للصين في المنطقة العربية والإفريقية والأورومتوسطية.
كان ذلك على هامش أشغال الدورة الثامنة للإجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني، بعد توقيع وزير الشؤون الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، ومستشار الدولة ووزير الخارجية الصيني، وانغ يى، مذكرة تفاهم تتعلق بانضمام تونس لمبادرة “الحزام والطريق”. وأكد الجهيناوي أن “انضمام تونس لهذه المبادرة سيدعم مساهمة الصين في إنجاز عدد من المشاريع التنموية في تونس، خصوصاً الكبرى منها في مجال البُنية التحتية. وأشار إلى “أهمية الإمكانيات الواعدة للإستثمار في تونس، باعتبار موقعها الاستراتيجي في المنطقة العربية والإفريقية والأوُرومتوسطية، وتوفيرها الطاقات البشرية المؤهلة.
وأكد وانغ يى من جهته ، أن الصين ستواصل دعم المجهود التنموي في تونس، من خلال إنجاز المشاريع المتفق عليها واستكشاف مجالات جديدة للتعاون.
وإلى جانب موقعها الجغرافي المتميّز، تتوفر في تونس العديد من الخصائص التي تتيح لها أن تكون ورشة عمل صينية متقدمة في الخطوط الجيوإقتصادية والاستثمارية الأوُلى، وقاعدة مالية وصناعية دولية في قلب المتوسط، وفي مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا، العالم العربي وأفريقيا، في إطار “طريق الحرير” الجديدة.
كما تحتضن تونس مكتبَ منظمة “طريق الحرير للتعاون الثقافي والاقتصادي الدولي الصينية” (سيكو تونس) الذي افتُتح في نيسان 6115 ، وهو الأول من نوعه في أفريقيا. ويُنتظر ان يضطلع المكتب بدور محوري في دفع علاقات التعاون الثنائي وتنفيذ الاتفاقيات.
كما تجدر الإشارة، إلى أن انخراط تونس ومشاركتها في المشاريع ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، تدعمه علاقات تونس الطيبة مع الإتحاد الأوروبي، ومفاوضاتها معه من اجل اتفاق التبادل التجاري الحر الشامل والعميق.
وأعلنت الجزائر رسمياً الانضمام إلى “طريق الحرير” الصينية الجديدة ليؤكد ويترجم مخاوف أطراف فرنسية وانزعاجها، وعلى رأسها مجلس الشيوخ ، الذي سبق أن عبّر في تقرير له عن تخوّ فه من التمدد الصيني في الجزائر والمغرب في المجالات الإقتصادية والفضائية.
ونقرأ في تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي حول “طريق الحرير” وتأثيرها على فرنسا وأوربا، أن العملاق الآسيوي مرشّح لأن يظفر بالمزيد من الصفقات في المنطقة المغاربية وخصوصاً الجزائر والمغرب. واشار إلى أن الصين تعمل حالياً على إنجاز أكبر ميناء في الجزائر، وهو ميناء الوسط قرب شرشال.
وبحسب السيناتورات الفرنسيين، فإن الصين، ورغم بعدها الجغرافي، إلاّ أنها ظفرت بصفقات فضائية مع الجزائر، منها إطلاق القمر الصناعي “ألكوم سات 1″، مشيرين إلى أن بيجينغ ضمنت تمددها فضائيا في الجزائر وبلدان أخرى، من خلال تحمّل النفقات المالية للأقمار الصناعية التي أطلقهتا لمصلحة هذه الدول من منصات على أراضيها.
وتحدّث السيناتورات الفرنسيون عن مشروع الطريق العابر للصحراء الذي يمكّن الصين تنشيطه، إضافة إلى مشروع الطريق السيّار شرق – غرب الذي فازت شركات صينية بأجزاء منه.
ودعا أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي إلى ضرورة استفادة فرنسا من تعاون مع الصين في إطار مشاريعها الضخمة في الجزائر والمغرب.
واعتبر معدّو التقرير الفرنسي أن “طريق الحرير” الصينية الجديدة ظاهرها اقتصادي، ولكن لا بدّ من الحَذَر من باطنها الذي يبدو أن له أهدافاً أخرى غير الإقتصاد.
وبدا واضحاً من كلام الوزير الأول أحمد أويحيى خلال الإعلان عن انضمام الجزائر إلى المبادرة خلال قمة إفريقيا والصين، أن الجزائر تسعى الى تكثيف التعاون والشراكة مع عاصمة القارة الصفراء، وهو ما تدلّ عليه المشاريع المشتركة بين البلدين.
والصين هي أول مزوّد للجزائر بالسلع، حيث يتجاوز حجم المبادلات التجارية السنوية بين البلدين تسعة مليارات دولار. في حين يبلغ حجم استثمارات الشركات الصينية في الجزائر عشرة مليارات دولار، وفق أرقام جزائرية رسمية.
رسائل
ويرى الخبير في شأن الطاقة والإستشراف الإقتصادي مهماه بوزيان، أن خطوة الجزائر تحمل أكثر من رسالة لفرنسا تحديداً، من خلال تأكيد انعتاق الجزائر من هالة “الخيال السياسي الفرنسي” الذي يمنّي نفسه الاستفادة من معاملات اقتصادية تفضيلية مع الجزائر، وبأحقيته في السوق الجزائرية وأسبقيته فيها.
ويُنظر إلى السوق الجزائرية على الدوام بأنها للسلع الفرنسية وليست عذراء واعدة للاستثمار المنتج للثروة، خصوصاً بعد انضمام دول أوروبية مناوئة للسياسات الاقتصادية الفرنسية بأفريقيا، مثل إيطاليا التي انضمت مؤخراً إلى المبادرة الصينية.
كما حملت الخطوة الجزائرية رسالة تثمين ل”الكمين” الاستثماري الصيني في الجزائر. فعلى سبيل المثال، تحتضن الجزائر وحدها 40 % من العمال الصينيين بأفريقيا.
محور بيجينغ- موسكو
اما المغرب، فقد ساهم في إنعاش “الحلم الصيني” كما فتح آفاقا جديدة للرباط من حيث الاستثمار والتجارة.
فقد وقّع وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره المغربي ناصر بوريطة اتفاقاً في هذا الصدد عام 2017 بعد أن عرفت العلاقات بين البلدين تطوراً مهمّاً، إثر زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس عام 2016 الصين، عُقدت خلالها شراكة استراتيجية، ووقّع الجانبان حينها أكثر من عشرة اتفاقات تعاون في مجالات التجارة والطاقة، المالية والسياحة والغذاء.
وأشار زو يويان، الخبير الاقتصادي الصيني والباحث في معهد شنغهاي للدراسات الدولية، إلى “كون المغرب قد شهد ثورة هائلة خلال السنوات الأخيرة في مشاريع البنى التحتية، مكّنه من لعب دور مهم في مشروع “الحزام والطريق “. وأضاف يويان أن مدينة طنجة المغربية تنشط فيها أكثر من مايتي مقا وَلة صينية. كما تضم المدينة أحد أكبر الموانئ في القارة الأفريقية، والتي ستكون محطة أساسية في المبادرة الاقتصادية الصينية.
منافع المغرب
وبخصوص المنافع التي سيجنيها المغرب من الإنضمام إلى طريق الحرير الجديدة، تعتبر الخبيرة الاقتصادية المغربية مريم الشرقاوي في حديث ل “اندبندنت عربية” أن “المشروع سيفتح آفاقاً جديدة للمغرب من حيث الاستثمار والتجارة، لا سيّما من خلال إنشاء مناطق إقتصادية خاصة تستضيف الشركات الصينية، التي من شأنها أن تسهم في زيادة التصنيع في البلاد، وبالتالي في نقل التكنولوجيا والوظائف المؤهلة. و يُعد إنشاء المدينة الصناعية “طنجة تك” مثالاً ناجحاً على التعاون متبادل المنفعة، لأن هذا المشروع أنشأته مجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية، وهي تعمل مع المجموعة الصينية الدولية للسكك الحديد المسؤولة عن جزء من البناء وتعزيز المنطقة للشركات الصينية.
وتضيف الشرقاوي أن “دينامية طريق الحرير بدأت تؤتي أكلها”. ففي أيلول الماضي أقنعت شركة “بيجو” لصناعة السيارات المتعاقدين في الصين، بالترحيل العالمي إلى المغرب وتحديداً إلى مدينة القنيطرة. والنتيجة كانت منصّة صناعية افتتحها العاهل المغربي.
المنافع الصينية
وتضيف الخبيرة الاقتصادية مريم الشرقاوي، بخصوص المنافع التي ستجنيها الصين من المغرب، “أن الصين ترغب في الحفاظ على مكانتها الجيواستراتيجية العالمية المتنامية وتعزيزها. وسيصبح المغرب لاعباً رئيسياً في الفرع الأفريقي للمشروع. وهذه الوضعية الجيواستراتيجية ستجعل منه جسراً بلا منازع بين أفريقيا وأوروبا أو حتى بقية العالم”. على سبيل المثال، فإن محطة حافلات العيون الكبرى المتمثلة في نموذج تطوير أقاليم الجنوب، تضع الأسواق الأفريقية جنوب الصحراء في متناول حاويات ميناء طنجة المتوسطي.
اضمحلال الدور الأوروبي
في مقارنته بين الدور الأوروبي والصيني في أفريقيا، خصوصاً في الدول الشمالية للقارة، يقول يونس بالفلاح أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في جامعة ليل الفرنسية: “تعتمد الصين في مقاربتها على التعاون جنوب- جنوب من دون فرض شروط سياسية أو أمنيّة على دول أفريقيا. وتخترق القارة عبر مشاريع تنموية في قطاعات التعليم والصحة والخدمات، وكذلك عبر دبلوماسية الديون من خلال مصارفها القوية. إذ تبلغ الاستثمارات الصينية ما يقارب ال 400 مليار دولار في أفريقيا، ويفوق حجم تجارتها فيها 190 مليار دولار”.
ويضيف بالفلاح: “شكّل عدم التعاون الأوروبي وفرض فرنسا سيطرتها على الثقافة واللغة، حاجزاً أمام تطوير العلاقات مع أفريقيا. فالنفوذ الفرنسي تسبب في غلق أبواب الإختراق أمام دول أوروبية كألمانيا.
وكذلك فشلُ نماذج التعاون “شمال- جنوب” كما هي حال الوضع المتقدم للمغرب مع أوروبا، والذي اهتم في محصلته بالجانب الأمني في مكافحة الإرهاب والحدّ من الهجرة. وأغفل الجانب الإقتصادي والإجتماعي.
ويبقى التساؤل المستقبلي حول ما إذا كانت استثمارات الصين في أفريقيا شراكة أم احتلال اقتصادي بشكل جديد؟
موريتانيا و”طريق الحرير”
إن استفادة الدول التي ستصبح جزءاً من المشروع، لن تكون أقل من استفادة البلد صاحب الفكرة. ويرى خبراء اقتصاديون أن حجم التبادل التجاري مع الدول التي يشملها المشروع سيصل إلى 21 تريليون دولار خلال عقد من الزمن.
وليس سراً أن الصين تخطط من خلال إحياء طريق الحرير لردم الفجوة الآخذة في الاتساع بين شرق البلادوغربها، بحكم تركيز النشاط الاقتصادي في الشرق. وعليه يُتوقع أن يَنتج عن هذا المشروع الطَموح إنتعاش إقتصادي في غرب الصين وجنوب غربها، حيث تمّ الإستعداد لتنفيذ هذه الخطة من خلال إنشاء سكك حديد وإزاحة جبال وتحويلها إلى مسطّحات بهدف زيادة المساحة.
رغم عراقة العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والصين والمستمرة منذ العام 1965 حتى اليوم، إلاّ أنها لم تنعكس بالدرجة الكافية على جانب الإستثمار، حيث تُعتبر موريتانيا من الدول الأقلّ احتضاناً للإستثمارات الصينية. كما أنها تمثّل نسبةً ضعيفةً من حجم التبادل الصيني -الإفريقي الذي تخطّى العام الماضي حاجز ال 200 مليار دولار. ويُتوقع له أن يصل ل 400 مليار دولار في عام 2020. ويلعب تغليب المصالح الشخصية وغياب الاستقرار الأمني والسياسي دوراً كبيراً في إفشال العشرات من المشاريع الأجنبية التي كان يُتوقع لها إن نُفذت أن تُنعش الدورة الاقتصادية، وتُسهم في خلق وظائف جديدة لجذب الاستثمارات الصينية، وتقوية حجم التبادل التجاري وتعزيزه، الذي مازال حتى اليوم يقتصر على الشاي والصمغ العربي.
على المسؤولين إدراك أن موريتانيا أمام فرصة ذهبية تحتاج لتركيز كبير وجهد بحثي أكبر ونشاط سياسي دبلوماسي حماسي ووطني. فطريق الحرير ينادي الجميع والقوافل تنتظر التحميل. هذا المشروع إن تحقق ورُبطت موريتانيا به سينقلها من مرحلة التخبّط الإقتصادي إلى مرحلة التقدم والتخطيط الواضح، كما أكّد أحد الخبراء الإقتصاديين .
وتابع: “في هذا السياق لا يوجد أنسب من اختيار مدينة أنواذيبو لتكون الوصلة التي من خلالها تلتحق موريتانيا بطريق الحرير. فموقع المدينة أو شبه الجزيرة فريد من نوعه جغرافيا لأنه يطل على المحيط الأطلسي، ويعانق في الوقت نفسه الكثبان الصحراوية. وتتميز هذه المدينة بجو استوائي مغرٍ لأي سائح سواء كان داخليا أو خارجيا. وتمثّل أنوذيبو ملتقى الممرات البحرية بين إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. وستفتح الطريق أمامها شراكات وتحالفات اقتصادية كبيرة. فالصين تقدم المشروع كحزام وحزمة. حزام لأنه سيغطي أكثر من 59 بلداً، وحزمة لأنه سيجلب معه وللدول النامية خصوصاً، منافع وفوائد اقتصادية كثيرة.
وانضمت مؤخراً الى المبادرة غينيا الإستوائية. كما تعتزم توغو أن تكون مرتكزاً للمبادرة في غربي أفريقيا. ويُظهر الاهتمام الصيني المتزايد بجيبوتي أن هذه الدولة الصغيرة الواقعة في القرن الأفريقي أصبحت حَجَرَ الزاوية لمشروع بيحينغ الطموح “الحزام والطريق”.
وتركّز الصين على جيبوتي كونها بوابة قناة السويس، التي يمر عبرها 10 بالمئة من صادرات النفط العالمية، و 20 بالمئة من السلع التجارية.
ولطالما كانت جيبوتي مرتبطة بالقوى التقليدية. فقد بنت الولايات المتحدة قاعدتها العسكرية ليمونيه في جيبوتي منذ ما يقرب من عقدين. كما أن العديد من حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك إيطاليا وألمانيا، إسبانيا وفرنسا واليابان لديها أيضاً وجود عسكري في القرن الأفريقي.
لكن بدأ يُنظر إلى الوضع الراهن هناك على أن فيه تحدٍ، بعد أن فتحت دولة غير حليفة للولايات المتحدة، وهي الصين، أول قاعدة بحرية في البلد الأفريقي سنة 2017، على بعد 12 كلم فقط من قاعدة ليمونيه.
*******
قد يرى البعضُ في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية مجرّد حُلم. لكن علينا ان نتذكر ونذكّر أن معظم الأمور العظيمة، بدأت بحلم.