من الوردة الدمشقية إلى الشوكولاتة اللبنانية… معرض الصين الدولي للاستيراد شاهد على تعاون صيني عربي مزدهر
افتتح امس الأحد معرض الصين الدولي للاستيراد في شانغهاي، محتفلا بعامه الخامس. ومنذ انعقاد نسخته الأولى في عام 2018، يتزايد تطلع الكثير من العارضين والمستثمرين العرب إلى ولوج السوق الصينية الضخمة عبر هذه المنصة الدولية الفريدة. فالمعرض، على مدى نسخه الأربع السابقة، ساهم في دفع التبادلات على صعيدي التجارة والأعمال بين الجانبين الصيني والعربي وفتح آفاقا أرحب للترويج لمنتجات عربية مثل منتجات الوردة الدمشقية والشوكولاتة اللبنانية وغيرها لتصبح أكثر انتشارا بين المستهلكين في الصين بل والعالم.
حضور متزايد
تقام النسخة الخامسة من معرض الصين الدولي للاستيراد، وهو أول معرض عالمي للاستيراد على المستوى الوطني، في الفترة من 5 إلى 10 نوفمبر في المركز الوطني للمعارض والمؤتمرات (شانغهاي). وقد صرح سون تشنغ هاي، نائب مدير هيئة المعرض، خلال مؤتمر صحفي عُقد مؤخرا بأن 145 دولة ومنطقة ومنظمة دولية تشارك في المعرض هذا العام، مشيرا إلى أن هناك حضورا لشركات من 127 دولة ومنطقة في صالة العرض المخصصة للأعمال التجارية، وحضورا لـ66 دولة و3 منظمات دولية في صالة العرض المخصصة للبلدان المشاركة.
وسلط سون الضوء على أن هذا العام يشهد مشاركة إجمالي 284 شركة من الشركات المدرجة على قائمة فورتشن 500 والشركات الصناعية الرائدة، وهو عدد يفوق ما تم تسجيله في النُسخ السابقة. كما أن قرابة 90 في المائة من هذه الشركات حضرت النُسخ السابقة من المعرض.
وذكر سون أن جميع الدول الأعضاء في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة لديها شركات مشاركة في المعرض بنسخته الخامسة، وأن عدد الدول المشاركة فيه من ضمن الدول الواقعة على طول “الحزام والطريق” والدول الأعضاء بمنظمة شانغهاي للتعاون قد ارتفع مقارنة بالنُسخ السابقة. وبالتالي، اتسعت “دائرة أصدقاء” المعرض، بما في ذلك الأصدقاء العرب. ويشهد المعرض هذا العام إقامة أجنحة لجيبوتي وموريتانيا وجزر القمر والعراق في صالة العرض المخصصة للبلدان المشاركة وذلك لأول مرة.
والملاحظ أن المعرض يسجل حضورا متميزا من جانب العارضين والمستثمرين العرب هذا العام، مثل شركة ((بسام الغراوي)) اللبنانية التي تعرض شوكولاتة “الغراوي” اللبنانية، وشركة ((دقة قديمة)) السورية الرائدة في صناعة مستحضرات التجميل الطبيعي، وموانئ دبي العالمية التي تعتبر واحدة من أكبر مشغلي الموانئ في العالم، هذا علاوة على البنك الأهلي المصري، أقدم وأكبر بنك في مصر.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدة شركات سورية تشارك في المعرض منذ عام 2018، معتبره إياه فرصة جيدة لدخول السوق الصينية. وفي هذا الصدد، قالت رولا علي أديب، صاحبة شركة ((بيوشام)) السورية لإنتاج مستخلصات الزيوت الطبيعية لأغراض التجميل والصحة، “تشرفنا بأن نكون قادرين على الانضمام إلى معرض الصين الدولي للاستيراد في عام 2018. كان الأمر بالنسبة لنا أشبه برؤية ضوء في نهاية النفق”.
فلم تكن السيدة رولا تتخيل أن منتجاتها السورية ستحظى بإقبال كبير في الصين لدرجة أن العشرات من شركات مستحضرات العناية والتجميل الصينية تقدمت للتعاقد معها، بل وباعت رولا لبعض العملاء كميات كبيرة من عينات منتجاتها خلال المعرض في عام 2018.
تطلعات أكبر
هذه هي المرة الثانية التي تشارك فيها شركة ((بسام الغراوي)) اللبنانية في معرض الصين الدولي للاستيراد، وهي تقوم بإنتاج شوكولاتة “الغراوي” اللبنانية منذ أكثر من 120 عاما. في عام 2021، جلبت ما بين 40 إلى 45 نوعا من الشوكولاتة التي تتوافق مع ذوق المستهلك الصيني إلى المعرض مثل الشوكولاتة خفيفة الحلاوة والشوكولاتة السوداء.
حاليا، تنتج شركة ((بسام الغراوي)) ما بين 400 و500 نكهة من الشوكولاتة في لبنان، وتصدر منتجاتها عالية الجودة إلى أكثر من 30 دولة في جميع أنحاء العالم. وترى الشركة اللبنانية أن معرض الصين الدولي للاستيراد يعد بمثابة محفل كبير أتاح لها فرصة إحضار الشوكولاتة اللبنانية إلى الصين، وسوف تواصل توسيع أعمالها في الصين وتقديم أفضل منتجاتها لتكون في متناول المستهلكين الصينيين.
وحول تجربة مشاركته، قال محمد بكداش، المدير العام لوكالة ((رم)) للتسويق (Ram Agency)، وهي شركة تسويقية سورية تقدم الحلول وخدمات التصميم والخدمات الاستشارية والخدمات التقنية والدراسات التسويقية، في حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه “منذ إعلان الصين عن إقامة أول معرض دولي للاستيراد، تولدت لدي آمال كثيرة للمشاركة في المعرض لتصل أعمالي إلى السوق الصينية”.
وبالفعل في عام 2019، بدأت وكالة ((رم)) في تصميم واجهة أحد المحلات في الجناح السوري للاستيراد بجوار المركز الوطني للمعارض والمؤتمرات بشانغهاي. ومع تطور أعمالها في الصين، قامت بالتصميمات الداخلية للعديد من المحلات بالجناح السوري للاستيراد في مدن صينية مثل شانغهاي وبكين وووهان وتيانجين وغيرها لخلق شعور حقيقي بالتسوق لدى المرء كما لو كان يتسوق في سوريا.
وعبّر بكداش، الذي يشارك لأول مرة في صالة العرض المخصصة لتجارة الخدمات بالمعرض كموهوب ومبدع سوري في مجال التقنيات الرقمية، عن تطلعات أكبر، قائلا “نأمل أن تصل أعمالنا إلى كل العالم من خلال هذه النافذة العظيمة”.
تعاون مشترك
بفضل المنصة التي وفرها المعرض، توطد التعاون بين رجال وسيدات الأعمال من الجانبين الصيني والعربي. فقد أصبحت السيدة الصينية دونغ جينغ يان شريكة لإحدى الشركات السورية خلال النسخة الأولى من المعرض عام 2018، كما التقت العديد من رجال الأعمال السوريين خلال فعاليات المعرض، واستطاعت مع مرور الأيام أن تنشئ بالتعاون مع شركائها منهم متجرا يحمل طابعا عربيا ويضم العديد من المنتجات السورية في ميناء غرينلند العالمي لتجارة السلع بجوار المركز الوطني للمعارض والمؤتمرات بشانغهاي.
وتحدثت دونغ، المسؤولة عن الجناح السوري للاستيراد، لـ((شينخوا)) قائلة إنه “إلى جانب استمرارنا في جلب الصابون السوري الأصلي وسلسلة منتجات الوردة الدمشقية المحببة لدى المستهلكين الصينيين، سنركز هذا العام على منتجات الحرف اليدوية مثل فن النسيج والرسم على الحجر فضلا عن منتجات تنضوي ضمن الصناعات الثقافية والإبداعية وتتميز بالرقي والذوق الرفيع”.
ومن مصر، ذكر الدكتور مصطفى إبراهيم، نائب رئيس لجنة تنمية العلاقات مع الصين بجمعية رجال الأعمال المصريين، في مقابلة مع ((شينخوا)) مؤخرا، أن معرض الصين الدولي للاستيراد “مميز ونتائج دوراته السابقة جيدة جدا للدول التي قامت بالتصدير إلى الصين ومن ضمنها مصر، حيث كان المعرض فرصة جيدة لمصر للانفتاح على السوق الصينية والتعامل معا”.
ومع إقامة المعرض في عامه الخامس، رأى إبراهيم، الذي زار الصين حوالي 35 مرة وحضر معرض الصين الدولي للاستيراد مرتين، أن الصين تتوسع في سياسة الانفتاح على العالم رغم جائحة كوفيد-19 والركود الاقتصادي العالمي و”هذا يظهر مدى صلابة الاقتصاد الصيني”، لافتا إلى أن “انفتاح الصين على الاقتصاد العالمي أفاد الجميع خاصة أن الصين سوق ضخمة مميزة وقادرة على التعامل مع كل السلع”.
وفي هذا السياق، تشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية إلى أن النُسخ الأربع السابقة من المعرض شهدت إطلاق العارضين لأكثر من 1500 منتج جديد وتقنية جديدة وخدمة جديدة، ووصول إجمالي حجم الصفقات المبرمة إلى أكثر من 270 مليار دولار أمريكي.
كما تبرهن الأرقام أيضا على تمسك الصين بسياسة الانفتاح، إذ قال لي شينغ تشيان المدير العام لإدارة التجارة الخارجية بوزارة التجارة الصينية إن الصين تولي اهتماما كبيرا للواردات وتعمل بنشاط على توسيعها، حيث بلغ إجمالي حجم الواردات الصينية 2.69 تريليون دولار أمريكي في عام 2021، وهو ما يمثل 11.9 في المائة من واردات العالم.