نحو شراكة إستراتيجية شاملة الحضارتين العربية-الصينية والبعث من جديد | بقلم د. عوض سليمية
تلبيةً لدعوةِ كريمة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وصل الزعيم الصيني شي جين بينج الى الرياض، في زيارة رسمية تمتد على مدار ثلاثة ايام، يعقد خلالها الرئيس الضيف والوفد الاقتصادي المرافق، ثلاثُ قمم هامة وعالية المستوى، قمة السعودية -صينية، خليجية-صينية، وقمة عربية-صينية، بحضور ثلاثون قائد دولة ومنظمة إقتصادية. بهدف فتح آفاق جديدة من الشراكة القائمة على المنفعة المتبادلة في كافة المجالات، بما فيها الاقتصادية والتنموية، والاستمرار في التعاون الموثوق والمبني على ارضية متينة من العلاقات الممتدة عبر التاريخ والتي تعود جذورها الى اكثر من الفي عام مضت، حيث طريق الحرير القديم. محصلتها شراكة استراتيجية مستقبلية شاملة بين اكبر حضارتين على ظهر الارض.
في ظل صراع الاقطاب العالمية، تأتي هذه الزيارة كنقطة تحول تاريخية في العلاقات العربية-الصينية، بالنظر الى ضخامة الحيز الذي يتمتع به التنين الصيني في كل المجالات. الاقتصادية والتنموية والسياسية، واحتفاظه بمقعده الدائم في مجلس الامن، وإنعكاس ذلك في قدرة تأثيره في الاحداث الجارية على المسرح الدولي. الى جانب إعتبار الصين من بين دول أخرى، طليعة اممية تحررية في رفض سياسة القطب الواحد الامريكي. في الوقت نفسه، توافر رغبة مؤكدة لدى قادة الدول العربية وفي مقدمتهم قيادة العربية السعودية، في ضرورة تعزيز وجود مكانة تتوائم ورؤية العرب وطموحاتهم، نحو الانبعاث من جديد في ظل الاصطفافات الدولية الآخذة بالتبلور، بعيداً عن العلاقات الوهمية الموحشة مع الغرب الجشع.
اربعةٌ وثلاثون اتفاقية تجارية لتشجيع الاستثمار بين البلدين بما يتوائم وخطة المملكة 2030، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، تم توقيعها بين الشركات السعودية والصينية في اليوم الاول من الزيارة، وشملت هذه الاتفاقيات العديد من القطاعات، تنقلنا الصين في نطاقها الى مدارات كوكبها الخاص، فمن “السيارة الطائرة” التي ظهرت في الامارات، والتي تصنعها شركة Xpen Aeroht الصينية، الى مشاريع البنية التحتية والتكنولوجية التي تنفذها الشركات الصينية العملاقة، بما فيها شركة Huawei والتي تسعى الى تحقيق التحول الرقمي واستخدام الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والأمن السيبراني وشبكات 5G. إمتداداً الى تطوير اسطول النقل العام والخاص، والخدمات اللوجستية والصناعات الطبية والإسكان ومصانع البناء والطاقة الهيدروجينية، وغيرها من الاتفاقيات في مجال الطاقة، والثقافة…، تهدف من خلالها العربية السعودية الى جانب دول مجلس التعاون الخليجي، الى تحقيق استراتيجية التنويع الاقتصادي بالدفع نحو تأهيل البنية التحتية وزيادة مساحة الاقتصاد الرقمي لاستقطاب مزيداً من المستثمرين المحليين والصينيين. في هذا السياق، يرى خبراء إقتصاديون أن هذه الرؤية الطموحة يمكن أن تضيف 255 مليار دولار أمريكي أخرى إلى الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، والى خلق اكثر من 600 الف وظيفة تقنية جديدة بحلول عام 2030. وهي بمنزلة النفط الجديد لدول الخليج العربي.
يُنبئنا التاريخ، ان التنين الصيني مر ذات يوم في نفس مسارات الآلآم الذي تمر به الامة العربية هذه الايام. من حروب اهلية، وإنعدام الامن والاستقرار، الى دائرة الفقر، المجاعة والتشرد. إلا ان التنين خرج اكثر قوة وإصراراً، وحول مآسيه الى فرص، وضعته في مصاف الدول المتقدمة في كل المجالات، ودفعته وضوح الرؤيا للمزاحمة الشرسة نحو القمة. فسياسة التعلم من الاخطاء كانت الدرس الذي تعلمه الصينيون. وجوهره ضرورة التنويع في السلة الاقتصادية للجمهورية الصينية وعدم ربط إقتصاد البلاد بقطاع انتاجي واحد. الدرس الثاني، إتاحة المجال لكافة قطاعات المجتمع بما فيها القطاع الخاص للمساهمة الفعالة في النهوض والتنمية ومنع احتكار الدولة لقطاعات الانتاج، لان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. الدرس الثالث، الذي يمكن ان نتعلمه من نهضة الصين، هو تجنب الحروب الغير ضرورية والتي تستنزف قدرات البلاد الاقتصادية وتدمرها. فالاقتصاد والتنمية لا يمكن ان ينهضا من خلال الصدمات، بل من خلال ايجاد قيمة تشاركية للاستفادة من الموارد المتاحة لدى الشركاء الآخرين خارج حدود الوطن. هذه الدروس الثلاثة، دفعت بالقيادة الصينية الى تبني إستراتيجية ما بات يعرف بالقوة الصينية الناعمة لتعزيز النفوذ التشاركي العابر.
تظهر نتائج القمة الاولى، أن قادة الامة العربية قد إستفادو من دروس الصين القديمة، ويبدو أن تعزيز التعاون والشراكة مع الصين سوف يتم الدفع به في القمتين القادمتين نحو مسارات اعلى،. في خطوات تصحيحية للمسالك الهادفة نحو تحقيق التطلعات المستقبلية، وفي مقدمتها التأسيس الفعلي لشراكات عابرة ومتعددة مع اقطاب عالمية مؤثرة بحجم الصين وروسيا على قاعدة المنفعة المتبادلة، على حساب العلاقة المتوترة مع واشنطن. كما وترسل جمهورية الصين من خلال القمم الثلاث أيضاً، رسائل واضحة الى امريكا، محورها أن السياسات المبذولة في سبيل تقييد شراكات بكين مع الدول العربية قد باءت بالفشل. الامر الذي سيضيف الى خطة واشنطن الساعية لاحتواء الصين مزيداً من التعقيد. فهل تقدم واشنطن ومشرعيها في الكونجرس على إتخاذ قرارات بفرض عقوبات شاملة على الدول العربية، كما فعلتها مع الصين وروسيا وإيران وعدد كبير من دول العالم من قبل؟؟؟.