سلسلة من المقالات التي سأعرضها تباعا، أتناولُ فيها آخر المعطيات العلمية حول جائحة كورونا ومستجدات تطوير لقاح مضاد لهذا الفيروس الفتّاك بشكلٍ آمن وفعّال دون التسرّع والمُجازفة بأرواح البشر.
في هذه المقالة سنتناول الحديث عن أهم برامج “مشاريع اللقاحات” التي هي قيد الدراسة والتطوير في مختلف انحاء العالم، وعن أهم مشاريع اللقاحات الفرنسية واللقاح الروسي سبوتنيك ٥ وكذلك عن المراحل الإلزامية في التجارب السريرية التي يجب على اي لقاح ان يجتازها خلال فترة التطوير. وهذه النقطة هي تحديداً النقطة الأساسية التي ينتقد الخبراء الغربيون من خلالها اللقاحات الصينية واللقاح الروسي عبر إتهام الصين وروسيا بعدم وجود مصداقية وشفافية كاملة في التصريح عن وجود هكذا تجارب اصلاً وعن الطرق التي تمّت من خلالها ونتائجها.
١-برامج تطوير اللقاحات المتوفّرة حاليا:
تختلف المصادر حول عدد البرامج الموجودة حالياً عالميا لتطوير لقاحات لفيروس كورونا لأننا نشهد كل يوم تقريباً ظهور مُعطيات وتقارير جديدة حول هذا الأمر تتشابك فيها نتائج الأبحات مع الصراع الدولي القائم في هذا المجال مع مصالح الدول السياسية والإقتصادية وعلاقتها مع المحاور الدولية إضافة الى عدد كبير من الإشاعات ومعارضة كبيرة لدى معظم شعوب العالم ورغبة عارمة لعدم تناول هكذا لقاحات مع إستمرار الترويج لنظريات المؤامرة من خلف ذلك بهدف السيطرة على البشرية او مراقبة المواطنين او حتى تغيير نمط حياتهم.مما دفع اليوم مثلاً الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للإعلان بأن اللقاح لن يكون إلزامياً.
وفي بيان نشرته منظمة الصحة العالمية في ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٠ تُشير آخر التقارير الى وجود ٢١٢ “مشروح لقاح” وصل منها ٤٨ لقاح الى مرحلة التجارب السريرية على الأنسان و١٢ فقط إلى المرحلة الثالثة من الدراسات السريرية التي سنتعرّف لاحقاً على كيفية تنظيمها واهدافها الأساسية.
وهي تضم ٧ لقاحات اميركية اوروبية، ٤ لقاحات صينية وواحد روسي سوف نتكلّم عنها تفصيلياً في هذه المقالة القادمة. وهنا لا الى ان نشير الى انّ القاحات الصينية واللقاح الروسي أثارت مؤخراً الكثُير من الكلام عن مدى مصداقية وشفافية التجارب التي أجريت عليها حيث تسبّب اللقاح الصيني Coronavac الذي تطوّره شركة Sinovac بحصول حادثة خطيرة تكتّمت السلطات الصحية البرازيلية حولها عندما كان مؤخراً قيد التجربة في البرازيل والصين حيث يجري قسم من الدراسات السريرية حوله في هذه الدولة الأميركية اللاتينية الكبيرة. كذلك بالنسبة للقاح الروسي الذي أُثيرت حوله ايضاً ضجّة إعلامية كبيرة. فهذا اللقاح الذي سُمي ب سبوتنيك ٥، على اسم اوّل قمر إصطناعي وُضع في المدار في عهد الإتحاد السوفياتي، أًثيرت حوله إشاعات كثيرة شكّكت في قدرات روسيا الطبية على تطوير هكذا لقاحات مُتطوّرة خاصة بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان ابنته تلقّت هذا اللقاح وطلبه المُتكرر من الرئيس ماكرون ومن المختبرات ومن الشركات العملاقة للأدوية في فرنسا بهدف التعاون من اجل إنتاج مُشترك لهذا اللقاح وتسويقه. مما جعل احد الديبلوماسيين الفرنسيين يسخر من إمكانيات روسيا العلمية على تصنيع كميات كبيرة من هذا اللقاح قائلاً: لو كان لديهم الخبرة والقدرة لماذا لا يكاد يمرّ يوم دون ان يتواصلوا مع الشركات الفرنسية لمناقشة إمكانيات التعاون؟
كذلك اثار قرار وزارة الصحة البرازيلية بإعتماد اللقاح الصيني الذي تطوّره شركة Sinovac موجة من الإنتقادات عندما وقّع وزير الصحة البرازيلي ادواردو بازييللو قراراً بشراء ٤٦ مليون جرعة من هذا اللقاح الصيني لتوزيعها على السكان في ٢٣ ولاية براز يلية. وهذا ما اثار ايضاً موجة من ردّات الفعل السياسية المُنتقدة في البرازيل ومما دفع الرئيس اليميني المتطرّف جير بولسونارو الذي انتقد اللقاح الصيني في عدّة مناسبات مُشككاً في فعاليته وحيث قال الرئيس ان اللقاح لن يكون إلزامياً وذلك بعكس ما روّج له معظم اخصامه السياسيين وخاصة حاكم ولاية ساو باولو جوا دوريا الذي يدافع بشكل كبير عن هذا اللقاح واضاف ان البرازيل التي يبلغ عدد سكانها حوالي ٢١٢ مليون نسمة سوف تتعاون ايضاً مع اللقاح الذي تطوّره شركة استرا زنيكا البريطانية-السويدية بالتعاون مع جامعة اكسفورد البريطانية والذي اتت نتائج تجاربه اليوم مُخيّبة للآمال نوعاً ما وسوف نتكلّم لاحقاً عن هذا الموضوع.
٢- مشاريع اللقاحات الفرنسية:
هناك عِدّة مختبرات فرنسية تقوم بدراسات مُتنوّعة لتطوير لقاح لفيروس كورونا. لكنّ الأبحاث الأكثر تطوراً توجد في “معهد باستور” الذي يعمل على عدّة إستراتيجيات لتطوير هذا اللقاح.
-الإستراتيجية الاولى وهي الأكثر تقدمًا وهو اللقاح الأول الذي يعمل على تطويره المعهد المذكور وهو يستعمل فيروس الحصبة. وقد دخل هذا اللقاح في المرحلة الأولى من التجارب السريرية في ١ تموز ٢٠٢٠. حيث قام الخبراء بتجربته عند ٩٠ مُتطوّع. ويقوم مبدأ هذا اللقاح على تغيير الوحدات الجينية “لفيروس الحصبة” لجعل هذا الفيروس قادر على صناعة بروتينات موجودة في فيروس كورونا.
وقد لاقت هذه التجارب حتى اليوم نجاحاً كبيراً مما يجعلها تتقدم بوتيرة سريعة وواعدة.
-الإستراتيجية الثانية تقوم على إعتماد فيروسات من عائلة ال Lentivirus وهي العائلة التي ينتمي إليها “فيروس نقص المناعة المكتسبة”: “الإيدز”. وقد تمّ تعديل هذه الفيروسات بشكلٍ جوهري ممّا جعلها غير ضارة أو غير خطيرة.
-الإستراتيجية الثالثة المُعتمدة في المعهد تقوم على إستعمال فيروس مُكوّن من الحمض النووي الريبوي DNA. والمبدأ يقوم هنا على زرع أجزاء من الحمض النووي من فيروس كورونا داخل الحمض النووي للفيروس المُعتمد في مشروع اللقاح لجعل الفيروس الذي يُحقن في الجسم قادر على صناعة البروتينات التي نريد ان يتفاعل معها جهاز المناعة لمنع حدوث تكاثر فيروس كورونا ولمنع الاضرار والاعراض والإختلاطات الخطيرة الناتجة عنه و هنا يُسجّل ايضاً الخبراء نجاحات هائلة.
وهناك مشاريع لقاحات فرنسية أُخرى أُعلن عنها في الأيام الأخيرة الماضية ايضاً، لأن الأمور تتسارع بشكلٍ كبير في هذا المجال كما قلنا سابقاً. وهي مشروع يتمّ التعاون من خلاله بين عدة مراكز ابحاث ومستشفيىات فرنسية وشركة MSD.
ومشروع آخر يستعمل اللقاح المُستعمل عادة في اللقاح ضد مرض السِلّ BCG vaccine. فقد لحظت دراسات كثيرة ان المرضى الذين تناولوا سابقاً لقاح السِلّ تزداد المناعة عندهم بشكلٍ كبير. وهذا ما اظهرته بشكلٍ واضح دراسة اميركية نُشرت في ٩ تموز ٢٠٢٠ حيث خلص الخبراء الى انّ المرضى الذين تناولوا هذا اللقاح لا تظهر عندهم اعراض خطيرة للإلتهابات التي يُصاب بها مرضى كورونا عادة وانّ نسبة الوفيّات عندهم اقلّ بكثير من عند المرضى الذين لم يتناولوا في السابق هذا اللقاح. ويعتقد الخبراء الذين يقومون بهذه التجارب في معهد باستور في مدينة Lille الفرنسية ان لقاح السِلّ يقوّي مناعة الجسم. ويعود ذلك لأنه يُحفز بعض “طُرق المناعة البدائية او الغرائزية” التي تُلد مع الإنسان. ولذلك هناك برامج ابحاث مُتقدّمة عند الأطقم الطبيّة لتقوية المناعة عندهم ضد فيروس كورونا بهذه الطريقة. وهناك برامج سوف سوف يشارك فيها حوالي ٢٥ الف مُتطوّع فرنسي لدراسة هذين اللقاحين الأخيرين خاصة عند المرضى المتقدّمين بالسنّ لأنهم الأكثر عُرضة لحالات خطيرة من إلإلتهابات الناتجة عن كورونا.
٣-اللقاح الروسي:
هناك عدة علامات استفهام حول جدوى و فعاليّة اللقاح الروسي الذي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ١١ آب ٢٠٢٠ أن روسيا طوّرته في “معهد نيكولاي جامالييف” في موسكو بالتعاون والتنسيق مع وزارة الدفاع الروسية. وإسم هذا اللقاح “سبوتنيك ٥” وهو يشتقّ من إسم القمر الصناعي السوفياتي سبوتنيك الذي سبق للإتحاد السوفياتي أن أطلقه. لكن شُبهات كثيرة تدور حول هذا اللقاح الذي لم نعرف عنه الكثير من المعلومات العلمية الدقيقة ولا عن مُكوّناته والطريقة التي أُستعملت في تصنيعه. وقد توقفت الأوساط العلمية الغربية كثيراً عند إعلان روسيا عن تطوير هذا اللقاح وتعاملت مع الأمر بحذر شديد لأن معظم الخبراء في الغرب يعتقدون أن المراحل العلمية المُتسلّسلة لتطوير هذا اللقاح لم يتمّ إحترامها بشكلٍ دقيق اي ان المراحل التجريبية التي يمرّ بها تطوير اي دواء او لقاح لم تُحترم بشكلها المعهود.
وقد ألمح البعض أن أي لقاح يصنع بطريقة مُتسرّعة قد يكون خطير لكن السلطات الصحيّة الروسية مضت في تجارب سريرية من المرحلة الثالثة في عدة دول منها الإمارات العربية المتحدة وغيرها. وهذا ما طرح علامات إستفهام كثيرة حول هذا اللقاح خصوصاً بعد تهكّم عدد من الديبلوماسيين الفرنسيين على الطلبات المُتكررة التي تقدّمت بها روسيا للتعاون مع شركات فرنسية والتي لم تلقى حتى تاريخ اليوم اي تجاوب مُثمر او مُعتبر. وكانت السلطات الروسية قد أعلنت أن عملية التطوير الصناعي بكميات كبيرة لهذا اللقاح ستبدأ بشهر أيلول الماضي لكن معهد نيكولاي جامالييف مُتّهم كما ذكرتا بعدم إحترام البروتوكولات العلمية المُعتمدة في الغرب. وهذا ما دفع ببعض الخبراء إلى القول بأنّ بوتين هو رجل سياسة وليس رجل علم ولماذا هذا التسرّع في توزيع اللقاح على اولاده وغيرهم من المواطنين الروس. ومهما كانت الحاجة مُلحّة لتطوير أي لقاح في أسرع وقت للحد من هذه الجائحة الخطيرة إلا أنه لا يجب التسرّع والوقوع في الخطئ الفادح والتسبب بمشاكل خطيرة نتيجة ذلك. والبارحة اعلنت السلطات الروسية انّ النتائج الأوّلية للدرسات السريرية من المرحلة الثالثة لهذا اللقاح تُظهر انه فعّال في ٩٥ ٪ من الحالات اي انه يوازي في فعاليته اللقاحات الأميركية التي طوّرتها شركتا فايزر ومودرنا.
٤-متى سنرى اللقاح الفعّال في الأسواق الأميركية والأوروبية وفي كل دول العالم؟
في مقابل الأخبار السارّة التي أعلنتها شركة أسترا زنيكا بالتعاون مع حليفها الأميركي يونتاك منذ حوالي عشرة ايام والتي أعلنت فيها أنها ستكون قادرة حتى نهاية ٢٠٢٠ على تصنيع حوالي ٢٠٠ ألف عينة من اللقاح الذي يطوّرانه وحوالي ١.٣ مليار نسخة منه ا في العام ٢٠٢١ هناك عدة مُعطيات سلبية حول هذا اللقاح ظهرت في اليومين الماضيين بحيث اظهرت نتائج الدراسات السريرية من المرحلة الثالثة ان اللقاح فعّال فقط في حوالي ٧٠٪ من الحالات. وانّ النتائج كانت اكثر إيجابيةً عند المرضى الذين تلقّوا جرعات خفيفة من هذا اللقاح مقارنة مع المرضى الذين تلقّوا الجرعات الأكبر. وهذا مؤشر سلبي جداً ويشكّل إنتكاسة كبيرة لهذه الشركة لأن لقاحي شركة فايزر ومودرنا اظهرا نتائج اكثر فعالية تصل الى ٩٠٪ مع لقاح فايزر و ٩٥٪ للقاح شركة مودرنا وهما يمثّلان الشركتان الأكثر تقدّماً في هذا المجال إذا انهما اعلنا انهما ينتظران بدء تسويق اللقاح قريباً في بداية شهر كانون الأول ٢٠٢٠ في الولايات المتحدة ومنها الى مختلف دول العالم.
ولكننا لا يجب ان نتجاهل واقع معيّن وهو ان هناك مشاكل لوجستية كبيرة سوف تصطدم بها هاتين الشركتين وهي أنه بعد الحصول على الإذن بالتسويق من قِبل وكالة الغذاء والدواء الأميركية FDA، سوف يكون هناك طلب كثير على اللقاحات في كل دول العالم وأن الحاجة ستكون مُلحّة لتلقيح حوالي ٨ مليار نسمة وهم سكان الكرة الأرضية الحاليون. وهذا ما يطرح علامات إستفهام كثيرة حول الإمكانيات اللوجستية والقدرات الصناعية للشركات التي تتسابق في هذا المجال حول إمكانية تصنيع كميات هائلة من هذا اللقاح في خلال فترات زمنية قصيرة لا تتعدّى السنة. وبالفعل فقد وضعت الشركات المذكورة خُطط وبرامج للتصنيع السريع بعد ان تلقّت معظم الشركات العملاقة العاملة على تطوير مشاريع اللقاحات دعماً حكومياً هائلاً من حكومات الدول التي تعمل على اراضيها وخاصّة في الولايات المتحدة الأميركية، من أجل وضع خطط لتكون قادرة على تصنيع كميات هائلة من اللقاح في فترات زمنية قصيرة.
وفي السياق ذاته ، أعلنت الشركة الصينية سينوفاك بايوتيك Sinova Biotech أنها جاهزة لصناعة مئة مليون جرعة من اللقاح كل شهر وهذا ما يؤكد انّ هناك سباق عالمي بين مختلف المختبرات والشركات العالمية المُصنّعة للقاحات من اجل الإسراع في قطف ثمار هذه التجارة المُربحة التي سوف تحصل عن المبيعات العالمية للقاح.
٥-مراحل تطوير اللقاح:
بدايةً، من المهم الإشارة إلى ان تطوير أي لقاح في الظروف العادية كان يستدعي في السابق ما بين ١٠ إلى ١٥ سنة من الأبحاث والتجارب المُضنية التي تعتمد اولاً على التعرّف بشكلٍ جيد على مكوّنات وطريقة تكاثر وإنتشار الفيروس او البكتيريا التي نريد تطوير لقاح مُضاد له وكيفية إلتصاقه بخلايا جسم الإنسان ودخوله الى الجسم وطريقة إحداثه للأضرار الناجمة عن كل ذلك. على ان يتمّ بعد ذلك اختيار المُكوّن الذي من المُمكن استعماله في تطوير اللقاح. لكن الحاجة إلى تطوير لقاح مُضاد لفيروس كورونا في الوقت الحالي هي حاجة مُلحّة
جداً كما ذكرنا سابقاً نظراً لنسبة الخسائر الهائلة في الأرواح وفي الإقتصاد التي تسبّب بها هذا الفيروس في كل أنحاء العالم. إلا أنه ورغم هذه الحاجة المُلحّة جداً للحصول على هكذا لقاح ، لا يمكن أبدا ً السماح بأي خلل في بروتوكولات التجارب والأبحاث لأن تطوير اللقاح بتسرّع قد يتسبب بحصول أخطاء ومخاطر فادحة على البشرية جمعاء خاصة وأنّ هذا اللقاح سوف يتمّ توزيعه على أعداد هائلة من البشر في كل دول العالم.
ولذلك يجب علينا جميعاً ان نتعرّف بشكلٍ تفصيلي على المراحل العلمية التي يجب إحترامها قطعياً عند تطوير اي لقاح ( او دواء) وهي على الشكل التالي:
-المرحلة ما قبل السريرية: وهي المرحلة التي يقوم فيها الخبراء بإجراء تجارب على الخلايا ثم على الحيوانات مثل الفئران أو القرود، لكي يعرفوا فعالية اللقاح في تحفيز خلايا هذه الحيوانات على إفراز أجسام مُضادة أو طرق مناعية أخرى لمحاربة الفيروس.
– المراحل السريرية: وهي تجري عُرفاً على اربعة مراحل مُتتالية وعلى الشكل التالي:
أ-ألمرحلة الأولى Phase I: في هذه المرحلة يعطى اللقاح على عدد ضئيل جداً من الأشخاص المتطوّعين (حوالي عشرة اشخاص تقريباً) للتأكد من عدم وجود ضرر أو آثار جانبية خطيرة لهذا اللقاح ولمعرفة الجرعة اللازمة والكافية لتحفيز الجهاز المناعي. وحتى لو كان اللقاح مُخصّص للأطفال فإنّ التجارب الأولى في هذه المرحلة تجري على اشخاص كبار لدراسة الأمور التي ذكرناها آنفاً قبل إعطاء اللقاح للصغار.
ب-المرحلة الثانية Phase II: هنا يقوم العلماء بإعطاء اللقاح لعدّة مئات من الأشخاص في عدّة مراكز ويتابعون ردّة الفعل على اللقاح لعدّة شهور مُتتالية. ويكون المتطوّعين هنا مقسمين على عدّة مجموعات تحتوي على اشخاص من مختلف الأعمار كالأطفال أو كبار السن. والهدف من هذه التجارب هو معرفة ردّات فعل هكذا فئات عمرية وهكذا أنواع من المرضى او الأشخاص المُختارين ومعرفة ما إذا كان اللقاح سيؤدّي عندهم إلى فعالية كاملة مع مناعة مؤكّدة. وتسمح هذه التجارب ايضاً بمعرفة الجرعة التي يجب ان تُعطى وإمكانيات الحاجة الى جرعات تمكين وبتحديد الفترة المُثلى للتذكير باللقاح.
ج-المرحلة الثالثة Phase III: وهي المراحل السريرية الواسعة حيث يقوم الخبراء بدراسة فعالية اللقاح على آلاف المرضى (٣٠ إلى ٤٠ الف متطوّع) لمعرفة فعالية اللقاح عندهم مع مرور الأيام ( اسابيع واشهر) والآثار الجانبية ولمعرفة كم شخص منهم سوف يُصاب بالالتهابات الفيروسية الحقيقية مُقارنة مع مُتطوّعين آخرين لم يأخذوا اللقاح وأخذوا النسخة الوهمية منه. هذه التجارب من المرحلة الثالثة تؤدّي في النهاية إلى أخذ الإذن بالتصنيع والتسويق على نطاق واسع. وهي تسمح ايضاً بدراسة فعالية اللقاح عند فئات عمرية او مرضيّة معينة مثل عند المُتقدّمين بالسنّ او المُدخنين او مرضى السّكّري او القلب او ذوي المناعة الضعيفة وغيرهم…
د- المرحلة الرابعة Phase IV : وهي مرحلة دراسة اللقاح او الدواء ما بعد تسويقه وتوزيعه وتناوله عند مئات آلاف او ملايين الأشخاص وهي تهدف ايضاً لدراسة الآثار الجانبيّة الخفيفة او الخطيرة او المُميتة احياناً. وهي تسمح بسحب اللقاح من الأسواق( في حال ظهرت مخاطر او آثار جانبية كبيرة) او إعادة تحديد الجرعة المثلى وتاريج تناول الجرعات والفترة الأفضل لإعادة حقن جرعة التمكين.
ونظراً لخطورة هذه الجائجة فقد أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في شهر حزيران ٢٠٢٠ قراراً إستثنائياً قررت بموجبه انها سوف تعمد لتسجيل أي لقاح ضد فيروس كورونا إذا كان هذا اللقاح يحمي على الأقل ٥٠% من الأشخاص الذين تلقّوا هذا اللقاح. وسوف تعتبره لقاح فعالاً وتسمح بتسويقه.
كذلك وبما اننا امام جائحة خطيرة لم تعرف البشرية مثيلاً لها منذ حوالي قرن من الزمن فقد سمحت السلطات الصحية او الجهات المعنيّة في بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة بدمج بعض المراحل السريرية مع بعضها البعض وخاصة عبر السماح مثلاً بإجراء التجارب من المرحلة الأولى والثانية معاً او المراحل الثانية والثالثة معاً في محاولة لكسب الوقت وإختزاله امام هذه الجائحة المهولة التي عطّلت كل شيء تقريباً وفرضت كما نعرف انماط حياة وتقاليد لم نكن لنفكّر بها في السابق. وهذه التجارب السريرية هي التي كانت ايضاً محل إنتقاد الخبراء والعلماء عند مقاربتهم لتطوير اللقاحات الصينية -و او- الروسية لأن مراكز الأبحاث في تلك الدول لم تعطِ تفاصيل دقيقة حول كيفية إجراء هكذا تجارب وهل هي حصلت فعلياً وكيف؟ وهناك غياب شبه كامل للمعطيات الدقيقة ولمعايير الشفافية المطلقة حول هذه التجارب.
اخيراً نشير الى ان نتائج الدراسات السريرية من المرحلة الثالثة بدأت بالظهور على التوالي لعدد كبير من اللقاحات ومنها اللقاح الروسي سبوتنيك ٥ الذي اعلنت السلطات الروسية البارحة ان النتائج الأوّلية معه اظهرت انه فعّال بنسبة ٩٥٪ .
وسوف ننتظر المزيد من النتائج مع اللقاحات الأخرى في الأيام والأسابيع القادمة على امل ان تُثبت كل هذه اللقاحات الفعالية المُرتجاة منها على المدى البعيد وبعد التوزيع والتلقيح على مستوى اكبر لأن كل ما نعرفه حتى اليوم هو المعطيات الأوّلية للدراسات السريرية من المرحلة الثالثة ويجب إنتظار مرور الوقت الكافي لعدّة اشهر للتأكد من ثبات النتائج على المدى المتوسّط والطويل خاصة وان نتائج بعض الدرسات العلمية التي نشرناها منذ ايام تجزم بأن “الأجسام المناعية الكابحة لفيروس كورونا” تستمر في الجسم لفترات تتراوح بين ٣ او ٤ اشهر في معظم الدراسات او لفترة تصل الى ٦ او ٧ اشهر في اكثر الدراسات تفاؤلاً. ولا احد من الخبراء قادر حتى تاريخ اليوم على تقدير كيف سيكون عليه الحال مع اللقاحات المُختلفة وهل سنحتاج الى جرعات تمكين مع البعض منها وبعد مرور اي وقت من الجرعات الأولى؟
د طلال حمود- طبيب قلب وشرايين- مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود