الإستِقطابُ والولاءات يَقودُان الأحكامَ المُسبَقة في لبنان.
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
إنشغَلَ لبنان طيلة الأسبوعِ الماضي بالخبر الذي وزّعته وكالة “بلومبيرغ” (Bloomberg) الإقتصادية والذي يُفيد بأن الإدارة الأميركية تُناقش فَرضَ عقوباتٍ على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فبين أخذٍ وردّ وتأكيدٍ ونفي وتكذيب لم يتفاعَل الجمهور اللبناني مع هذا الخبر ولا مع التحقيق السويسري حول تحويلاتٍ مشبوهة لسلامة والدائرة المُقرَّبة منه، الذي سبق الخبر بحوالي الشهر، بما يُمكن أن يَعكسَ حجمَ المشاعر والأقلام التي يُمكن أن نتوقّعها في بلدٍ لم يستخدم تعبيراً في السنين العشر الفائتة بقدر ما استخدم كلمة الفساد.
بدا الإنشغال تعبيراً عن مُسبّبَين رئيسيين:
-الحشرية اللبنانية التي لا تُريد ان تفوتها فضيحة.
-الإستقطاب السياسي حول دور الحاكم سلامة في إدارة منظومة الفساد. وهو أمرٌ ما زال يُقسّم اللبنانيين وقواهم السياسية، كاستمرارٍ للموقف من الحريرية التي يدور حولها انقسامٌ أوسع يضمّ أيضاً بعض المجموعات من المجتمع المدني.
لا يُمكن تشبيه هذا الاهتمام مثلاً بدرجة الإهتمام بالعقوبات على النائب جبران باسيل. إن حجم الاهتمام بالحدث الأخير قد غطّى ولا يزال على كل ما عداه قبل ان يحصل وعند حصوله ويستمر حتى الآن. ولا يمكن أيضاُ تشبيهه بالعقوبات على الوزيرين من بيئة “الثامن من آذار” علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، وإن كانت أخذت حظوة أقل بكثير من حظوة عقوبات باسيل.
إن التحيّزَ في النظر الى الفساد هو موضوعٌ عالمي، وينظر إليه الباحثون من زوايا مختلفة. فبحسب الباحث الأكاديمي الأميركي “جيفري مونداك”، مؤلف كتاب “الشخصية وأسس السلوك السياسي” (Personality and the Foundations of Political Behavior)، إن التحيّز يُشيرُ إلى العلاقة القوية بين الثقة السياسية وتصوّرات الفساد، حيث أن بعض القوى نفسها التي تؤثّر في الثقة المؤسّسية قد تؤثر أيضاً في الآراء حول المُخالفات. من هنا نستطيع النفاذ الى مُقاربة نظرة الجمهور الى فساد الحاكم سلامة، وهو المُتمتّع بغطاءٍ سياسي واسع من قوى تخترق الإنقسام الآذاري، ولديها تأثير في قطاعات واسعة من الرأي العام والإعلام والمُجتمع الاقتصادي والمالي. يشمل هذا الجمهور قطاعات وازنة من المجتمع المدني أيضاً.
لقد قام داماريش كارناش وجيفري مونداك ورفاقُ بحثٍ آخرون بدراسة نظرة المواطنين الى الفساد وعلاقة التصوّر المُسبَق (perception) بهذه النظرة في تقييم الأداء السياسي للموظفين العموميين او القائمين بخدمة عامة.
إن تجارب الناس الشخصية المُباشرة مع الرشوة، وانتشارها في السياق الإقليمي للفرد كعنصر غير مباشر، والتأثير المُكَوَّن من استعداد الأفراد بشكلٍ مُباشَر للتعبير عن وجهات نظر انتقادية إلى حدٍّ ما للمسؤولين العموميين هي التي تُحدّد نوعية التصوّرات عن تجارب الفساد الشخصية وغير المباشرة.
لقد قام هؤلاء الباحثون بدراسة تصورات الفساد بعلاقتها بأبعاد السمات الشخصية الخمس الكبرى لدى الإنسان:
-الإنفتاح على التجربة، أي هل سبق للمواطن ان تورّط بعمليةِ فسادٍ مع موظفٍ عام حيث ان انفتاحه على التجربة يفترض أن يُساهمَ في تحديدِ موقفه من الفساد؟
-الضمير: إلى أي مدى يلعب الضمير الإنساني دوراً في تحديد موقفه من المسائل اللاأخلاقية في ممارسة الشأن العام؟ ويُفترَض أنه كلما كان ضمير الانسان مُتوَقّداً، أظهر صرامةً أكبر تجاه ظاهرة الفساد.
-الانفتاح (extraversion ): إن انفتاح الإنسان وانجذابه الى التجمّعات العامة والنقاش وتبنّي الآراء علانية، هي من الصفات التي يتحلّى بها الذين يُفترَض أن يكونوا أكثر ميلاً لتصوّر الفساد وتحدّيه.
-القبول: وهو يرتبط بالتأثّر بالأشخاص الذين يحوزون ثقتهم السياسية، وبالتالي فإن التصوّرات عن الفساد يُفترَض أنها ترتبط بالثقة بقادة الرأي الذين يتبعونهم.
–الإستقرار العاطفي: من المفترض أنه بقدر استقرار الفرد العاطفي بقدر تعامله بغضب أقل مع وعيه للفساد، وذلك مقارنة بمن لديهم قدر متفاوت من اللااستقرار العاطفي.
لنتبصّر جيداً في هذه العناصر الخمسة وعلاقتها بقبول الفساد، لأن التوازن بين هذه العناصر لدى المواطن يُحدد الموقف المتصوّر من الفساد. إستطراداً يمكن تطبيق هذه المقاربة على الجماعات الطائفية وعلى الإستقطاب السياسي بحسب علاقة ممارسي الفساد بأطرافٍ وموضوع الإستقطاب.
لقراءته ايضا” في مجلة أسواق العرب اللندنية: اضغط هنا