ازمة لبنانقراءات معمقة

فورين بوليسي: كيف أسهمت الطائفية في تدمير الاقتصاد اللبناني؟

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

على الرغم من أن اتفاق الطائف الذي قضى بتقاسم السلطة بين الطوائف المتعددة قد وضع نهاية للحرب الأهلية في لبنان ، إلا أن هذا النظام الحاكم القائم على المحاصصة الطائفية هو من أوصل الاقتصاد اللبناني إلى تلك الحالة المتفاقمة من التدهور الذي عليه الآن والذي أدى بدوره إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية.
لقد نشأ الكثيرون في لبنان على مبدأ أن النظام الطائفي يضمن للجميع حقوقهم السياسية والاجتماعية وذلك بعد أن تمكن من إنهاء 15 سنة من الحرب المتواصلة، ولكن هؤلاء أنفسهم اكتشفوا بمرور السنوات أن ذلك النظام ما زاد لبنان إلا فرقة وتمزقا، فضلا عن دوره الأكبر في تخريب الاقتصاد اللبناني.
كما أدرك الشباب الذين خرجوا للتظاهر خلال الأشهر الأخيرة أن التوظيف في بيروت وغيرها من المدن اللبنانية يخضع للتوازن الطائفي وليس للكفاءات والمهارات الفردية وبالتالي فقد ضاعت آمال الكثيرين في الحصول على فرصة عمل فقط بسبب الطائفة التي ينتمون إليها، فالمعيار إذن بات، إلى أي طائفة تنتمي، وليس أي شهادة وخبرات تحمل!
ويبرز هذا الأمر بصورة جلية في الجيش، حيث تحرص المؤسسة العسكرية على إحداث التوازن بين كل من المسلمين السنة والشيعة والمسيحيين والدروز والأرمن وذلك من خلال حصول كل طائفة منهم على حصص متساوية في المناصب العليا، أي أن الطائفة تأتي أولا متبوعة بعنصر الكفاءة ثانيا لأن الأمر يرتبط في الأساس بالتركيبة الديموغرافية للشعب اللبناني.
وبحسب آراء بعض شباب المتظاهرين، فإن معيار الطائفية في التوظيف يؤدي إلى المزيد من فساد وفشل القطاع العام. كما أن القادة رعاة النظام الطائفي قد عمدوا إلى تغييب الشعب لسنوات عدة تحت مظلة ذلك النظام الذي يمكنهم من ممارسة كافة أشكال الفساد داخل الدولة وليس للحفاظ على السلام والأمن القومي كما يزعمون.
لقد تمكن القادة الحاليين في لبنان من الفوز بمقاعد السلطة في زمن الحرب والفوضى، وبالتالي ففي حال تم تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة، فإن أولئك القادة على اختلاف أحزابهم الطائفية لن يفقدوا مكانتهم السياسية فحسب بل سيحرمون من المكاسب غير المشروعة التي يقومون بتحقيقها من خلال العقود والصفقات الفاسدة المستندة في الأساس إلى المحسوبية. وبالتالي ارتكزت المطالب الثورية على المطالبة بتشكيل حكومة جديدة تبتعد كل البعد عن النظام الطائفي، الذي لا يغذيه الكراهية الدينية بقدر ما يدعمه الفساد والفاسدين.
والجدير بالذكر أن الحصص الطائفية تخلق أيضًا نظامًا يسمح للقادة بتوزيع المناصب في ضوء سلسلة من الإجراءات التي تشوبها المحسوبية ، والتي أصبحت السمة المميزة للسياسة والاقتصاد في لبنان. المعادلة بسيطة: تحصل أنت أو أحد أفراد أسرتك على منصب ، وتظل مخلصًا للحزب السياسي بل إن الأمر قد يفضي أحيانًا إلى أبعد من ذلك ، حيث تدفع بعض العائلات آلاف الدولارات للحصول على وظيفة في القطاع العام.

في أكتوبر 1989 ، اجتمعت الأطراف المتحاربة اللبنانية في مدينة الطائف السعودية ، لتوقيع اتفاق لوقف القتال ، الذي أودى بحياة أكثر من 100000 شخص وترك البلاد في حالة خراب. أعادت اتفاقات الطائف إحياء نظام تقاسم السلطة الطائفي الذي تم وضع التصور الأول له في عهد العثمانيين ومن ثم تم إضفاء الطابع المؤسسي عليه بموجب الميثاق الوطني عند استقلال لبنان. وعد الطائف الطوائف المتحاربة في لبنان بتقسيم النفوذ وتقاسم السلطة مقابل نزع السلاح.
ويعتقد البعض أن قادة الحرب الأهلية اللبنانية قد اكتشفوا أخيرا أن قتالهم لبعضهم البعض لا يمكنهم من الاستفادة من موارد البلد وتحقيق المكاسب الشخصية، وعليه فقد قرروا الذهاب إلى الطائف للتفكير في طريقة أفضل لنهب خيرات لبنان. ولذلك فقد رأى متظاهرو اليوم أن اتفاق الطائف قد أصبح منتهي الصلاحية وآن الأوان للتغيير.
واستمر تغلغل الانتماء الطائفي في لبنان حتى بلغ شتى مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بدرجة باتت معها الخدمات العامة كالتعليم والصحة – والتي من المفترض قيام الحكومة بتوفيرها- تقدم كنوع من المعروف أو المصالح الشخصية بواسطة الأحزاب. فلكي تحصل على وكالة تجارية مثلا فإنك تحتاج إلى توصية من زعيم سياسي، وكذلك إذا كنت تتطلع لوظيفة ما فإنك بحاجة أيضا إلى خطاب توصية من الزعيم نفسه أو غيره من الزعماء.
وأعرب المحتجون عن رفضهم للسنوات السابقة التي قام فيها الساسة من قادة الحرب الأهلية بسرقة الملايين من خزانة الدولة دون أي رادع، فالنظام الطائفي قد خلق مناخ متوازن من القوى الفاسدة وليس مؤسسات وطنية قوية الأمر الذي مكن أولئك الزعماء من إتقان فنون النهب والفساد دون أدنى خبرة في إنشاء مؤسسات ديمقراطية واقتصاد مستدام، مع ضمانهم التام بالإفلات من العقاب بدلا من الخضوع للمساءلة وبخاصة أن النزعة الطائفية قد تسري في دماء القضاة أيضا.
لقد أدت كل تلك الفوضى إلى غرق لبنان في الدين العام البالغ حجمه نحو 80 مليار دولار، حيث كان من المفترض أن يتم توظيف تلك المبالغ الهائلة في إعادة إعمار البلاد بعد الحرب، إلا أن استمرار القادة في اتباع سياسة الاقتراض بصورة دورية قد أوصل البلاد إلى ما عليه الآن من تدهور اقتصادي وسوء البنى التحتية والانقطاع المتواصل للكهرباء ونقص الماء الصالح للشرب وغيرها من المشكلات.
وفيما يبدو ان ثمة استراتيجية ما متبعة بطريق او بآخرى لإبقاء الدولة ضعيفة هشة بدلا من التركيز على الخطط التنموية وإنشاء مؤسسات الدولة القوية مما أوجد حالة من اليأس في نفوس الجميع وفقدان الأمل في إمكانية خروج لبنان من ذاك المأزق، ولعل ذلك كان سببا في الميول الفردية وتفكير كل مواطن في مصلحته الشخصية والقائمة في الأساس على الاستعانة بالساسة وأحزابهم.
حتى أولئك من يحتمون بمظلة الطائفية، فقدوا الإحساس بالأمان نظرا لجشع القادة وتطلعهم للحصول حتى على قوت المواطن وكل ما يملكه من أموال، وجاءت الفورة الكبرى عندما فرضت الحكومة ضريبة على مكالمات تطبيق واتساب حيث اندلعت الاحتجاجات في 17 أكتوبر مطالبة برحيل جميع الرموز الفاسدة.
ولكن بخلاف الحركات السياسية السابقة ، فإن الاحتجاجات هذه المرة لا ترتبط بأي من الأحزاب السياسية التقليدية والطائفية في البلاد ، لقد تجاوزت النزعة الدينية، ووقف السنة والشيعة والمسيحيون والدروز معًا مطالبين بحكومة مدنية تكنوقراطية.
ولكن مع استمرار الاحتجاجات وبقاء عدد من الرموز الفاسدة في المشهد، قد يبقى لبنان على وشك الانهيار الاقتصادي التام ليتحول المواطن الفقير إلى حالة أشد فقرا، ولكن بالطبع قد لا يكون هذا هو السيناريو الأسوأ من وجهة نظر قادة الطوائف.

لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

قد يعجبك ايضاً
http://box5852.temp.domains/~iepcalmy/strategicfile/إقتصاد/بيت-من-ورق-من-سيدفع-فاتورة-النظام-المال/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى