البيانات والسياسات اللازمة لاتخاذ القرار الحاسم في لبنان لمواجهة خطر كورونا
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة اللبنانية جاهدة لوضع بعض المخططات اللازمة لمواجهة خطر فيروس الكورونا الذي تفشى مؤخرا في معظم دول العالم، لازالت تفتقر إلى قاعدة بيانات دقيقة وتحليل للسياسات، ولعل ذلك ما يبقي لبنان غير قادر على التخطيط الفعال والتنبؤ ووضع معايير دقيقة للتخفيف من شدة الأزمة الصحية الراهنة.
وقد أوضحت محاكاة إحصائية قام بها أحد أساتذة الجامعة اللبنانية في الثاني عشر من مارس الجاري، أن أعداد المصابين بفيروس كورونا سوف يرتفع بمعدل يومي يصل إلى 30% خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، ليصل إجمالي عدد المرضى بحلول شهري يونيو ويوليو القادمين إلى نحو 13 ألف مصاب، هذا في الوقت الذي سوف يعجز فيه النظام الصحي في لبنان عن توفير الأسرة والخدمات العلاجية للمرضى، مما سيؤدي إلى انهيار المنظومة الصحية برمتها.
وانطلقت الدراسة الإحصائية من فرضية خطية بسيطة وهي أن أعداد المصابين سوف ترتفع على أساس يومي بنسبة 30% وتم توضيحها على مخطط معالجة البيانات اكسيل مبسط، ولكن تلك البيانات قد أغفلت العديد من الجوانب الهامة:
1- لم يتم طرح السيناريوهات المحتمل تنفيذها من قبل الحكومة اللبنانية كما أُغفلت الإشارة إلى توقيت تنفيذ التدخلات الحكومية المحتملة خلال الأزمة مثل:
* قيام الحكومة بتقديم مجموعة من الإرشادات للمواطنين كضرورة غسل الأيدي والحفاظ على مسافة مناسبة بين الأفراد.
* غلق مطار بيروت الدولي.
* فرض حظر التجوال.
2- لم يأخذ التحليل في الاعتبار طبيعة المتغيرات الجغرافية وكيفية انتشار الفيروس، مثلا في شمال لبنان (لازالت تلك المنطقة آمنة حتى الآن) ، ضواحي بيروت الجنوبية (لم تسجل أية إصابات) ، جنوب لبنان (قد يكون الأكثرعرضة للإصابة الشديدة). لم يتم توفير أرقام واضحة تسمح بتقييم مستويات الخطر عند قيام المواطنين بالسفر إلى المناطق المصابة. كما أن تلك الأرقام من شأنها أيضا أن تسمح للحكومة اللبنانية بوضع آلية مناسبة للتدخل ، على غرار ما تفعله الحكومة الإيطالية الآن.
3- أغفل التحليل الإحصائي بعض المتغيرات مثل:
1) المعدل اليومي للاتصال بين الأفراد.
2) متوسط الوقت المخصص للحجر الصحي للشخص الواحد
3) متوسط الوقت اللازم لعلاج الشخص الواحد .
4) عدد الأطباء الذين من المفترض توافرهم لعلاج كل مواطن.
5) عدد الممرضات في لبنان.
6) عدد أجهزة التنفس الصناعي في لبنان.
لم يتم تضمين جميع هذه المتغيرات في التحليل السابق على النحو الذي يسمح لواضعي السياسات والمسؤولين الحكوميين في لبنان أن يقوموا بصياغة رؤية وتصور عما ستؤول إليه الأوضاع، الأمر الذي يتم ترجمته في صورة حصر شامل بأعداد المرضى وعدد الأسرّة اللازم توفيرها بالمستشفيات.
والجدير بالذكر فإنه في حال استمرار الافتقار إلى البيانات الأساسية وتحليل السياسات سالف الذكر، باستخدام بعض الإحصاءات المتقدمة وتحليل مستوى الانحدار ، فإن الحكومة اللبنانية قد تخفق في مواجهة ذاك العدو الخفي . إن الوضع الحالي لتحليل السياسة العامة في لبنان هو فقط نتيجة 30 عامًا من تحويل الإدارة العامة اللبنانية إلى مستودع للموظفين المدنيين غير الأكفاء والذين تم توظيفهم استنادا لاعتبارات سياسية وحزبية فقط، بل ويتم ترقيتهم في مكاتبهم على أساس اعتبارات الولاء السياسي دون أي اعتبار على الإطلاق للكفاءة أو ما يمتلكونه من مهارات.
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا