نظم “ملتقى حوار وعطاء بلا حدود” الأربعاء الماضي لقاءً حواريًا افتراضيًا عبر تطبيق Zoom بعنوان “جائحة كورونا في لبنان بين الواقع الكارثي المرير والأمل المعقود على اللقاحات”، أدارته أمينة سر الملتقى أميرة سكر، وتحدث فيه نقيب الأطباء في لبنان البروفسور شرف أبو شرف، عضو اللجنة الوطنية للأمراض الجرثومية والمعدية الدكتور عبد الرحمن البزري ومنسق الملتقى الدكتور طلال حمود.
بداية، أشار حمود الى ان “حكومات دول العالم جميعها تتخبط أمام الأرقام المهولة للحالات الجديدة والوفيات، نتيجة عدم قدرتها على الاختيار بين صحة المواطنين وبين التأثيرات الاقتصادية الهائلة للاغلاق الكامل والذي ادى إلى خسائر اقتصادية وأوضاع اجتماعية وتربوية ومعيشية صعبة جدا، ستترك آثارا كبيرة على المدى البعيد في الكثير من الدول”.
أضاف “أما بالنسبة الى السلالات الجديدة، فجميع الخبراء في الأمراض الجرثومية يجزمون بأن فيروس كورونا المكون من حبل من رسول الحامض النووي الريبي هو بالأساس فيروس قابل جدا للتحور ولحدوث طفرات جينية متعددة خلال تكاثره حيث من الممكن ان يكون هناك اخطاء طباعية او تبديلات في الحوامض الامنينية التي تستنسخ. وهذا امر طبيعي مع هكذا فيروسات. وقد سجل الاطباء حتى اليوم عدة طفرات أهمها التي ظهرت في بداية الجائحة وسميت بال D614G وهي التي اوجدت السلالة التي ظهرت في اوروبا في بداية انتشار الجائحة بين شهري آذار ونيسان 2020، وهي لا تزال الأكثر انتشارا حتى اليوم. الا أن الطفرات الخطيرة الأخيرة التي ظهرت كانت مهمة وادت الى ظهور سلالات جديدة اكثر خطورة هي: السلالة البريطانية وأطلق عليها اسم 202012-VOC/01، السلالة الجنوب أفريقية المعروفة بإسم B1.315 أو V2.501، السلالة اليابانية/البرازيلية وقد اكتشفت ما بين البرازيل واليابان وفي منطقة الأمازون تحديدا وانتقلت بعد ذلك إلى اليابان، وسميت P1 أو 1.1.128.B، والسلالة الكاليفورنية نسبة الى ظهورها في ولاية كاليفورنيا الأميركية، وتحمل طفرة جينية اسمها CAL-20C. والخطير انها انتشرت بسرعة ويقال انها وصلت الى استراليا”.
وتابع “المقلق في كل هذه الطفرات أن الخبراء ورغم بعض التطمينات التي نشرتها شركة مودرنا وشركتا بيونتك/فايزر عن أن لقاحهما لا يزال فعالا ضد السلالتين البريطانية والجنوب الأفريقية، يخشون أن تحدث هذه الطفرات مقاومة قوية للفيروس تجاه اللقاحات الموجودة حاليا. وهذا امر شبه مؤكد بالنسبة للسلالات اليابانية/البرازيلية والكاليفورنية. وايضا بالنسبة للسلالة التي اكتشفت في جنوب إفريقيا وإن كانت المعلومات لا تزال متناقضة حولها، لأنها كلها تحمل الطفرة E848K التي غيرت بشكل كبير البروتين S الذي يعمل من خلاله اللقاح، وهذا ما ستكون له تداعيات حتمية على فعالية اللقاحات”.
وبالنسبة للأعراض التي يمكن أن تحصل على المديين المتوسط والبعيد، فأشار حمود إلى أن “الكثير من التقارير بدأت تظهر في الغرب وفي عدة دول متقدمة أخرى حول إمكانية حصولها بعد مرور ستة اسابيع على الشفاء الكامل والخروج من المستشفى أو قد تستمر لمدة اطول”.
ومن الاعراض الجانبية التي قد تظهر، “القلبية من ذبحات او إلتهابات وقصور في عضلة القلب وجلطات رئوية او وريدية، او ببعض الإختلاطات الرئوية مثل التليف الرئوي او القصور التنفسي او النقص المزمن في الاوكسيجين، او ببعض المشاكل العصبية والنفسية مثل حالات التعب الحاد المفاجىء من دون اي سبب، عدم التركيز، الضياع، مشاكل في الذاكرة، قلة نوم، قلق، توتر، إكتئاب، آلام عضلية وعصبية متعددة”.
وقال “هذه الأعراض أدت الى رفع الصوت عاليا بضرورة توخي الحذر على المدى البعيد بحيث اخذت السلطات الصحية والتشريعية في عدة دول بوضع خطط ومشاريع لمتابعة المرضى الذين اصيبوا بالفيروس في ادق التفاصيل لأن ظهور هكذا اعراض قد يكون له تبعات صحية واقتصادية واجتماعية ونفسية خطيرة يجب الإهتمام بها وعلاجها”.
بدوره، أشار أبو شرف الى تنظيم عدة ورش عمل في نقابة الأطباء، لمتابعة المستجدات على كافة النواحي والصعد والتعاون مع عدة أفرقاء من خارج النقابة”، وقال: “من حين الى آخر نجدد بروتوكول العلاج وجدول الأعمال الطبية الذي صدر من الاطباء، لتوحيد العلاج قدر الامكان للمرضى خارج المستشفى. وقد تم التوافق عليه وتوزيعه على جميع الأطباء في لبنان ليكونوا على دراية تامة بما يصدر عن النقابة”.
وأكد أن “لا علاج موحدا بنسبة 100/100 لفيروس كورونا، بل يختلف بين مريض وآخر بحسب حالته الطبية وتاريخه المرضي، وما يتناول من أدوية وما لديه من أمراض مزمنة”. وقال: “إن البروتوكول الاداري الذي نعمل عليه ونتابعه يتضمن تنسيقا تاما مع وزارة الصحة والصليب الأحمر ونقابة الممرضات والممرضين ونقابة المستشفيات في لبنان. والغاية الاساسية منه هي تنسيق الجهود بين القطاعات الطبية كافة وحماية المواطنين من داء الكورونا والتخفيف من انتشاره وعدد الحالات في المستشفيات وتخفيف الضغط على الكوادر الصحية والاستشفائية، وتخفيف العبء على الصليب الاحمر او الجمعيات التي هي بخدمة المرضى”.
أضاف “ان غرف العناية الفائقة أصبحت تفوق قدرتها الاستيعابية، وهناك زيادة كبيرة في عدد الاصابات بالطاقم الطبي، ولتاريخه ذهب ضحية الفيروس 17 طبيبا وحاليا هناك حوالي 25 طبيبا في العناية الفائقة وما لا يقل عن 400 طبيب في حالة الحجر. وكل ذلك يضعنا امام معضلة رئيسية كونه ليس بالسهولة عملية تعويضهم، لذلك فالتنسيق بين القطاعات الفاعلة في هذا المشروع يتم ايضا عبر التواصل والتنسيق الكامل مع وزارة الداخلية والبلديات وعبر تفعيل دور المراكز الصحية بالبلديات والمستوصفات وخلية ادارة الكوارث والازمات، وبالتعاون الكامل بين نقابتي الاطباء في بيروت والشمال لتأمين رعاية صحية للجميع بشكل سريع. فالوقت يداهمنا والامكانيات غير متوفرة دائما، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نمر بها. لذلك نعمل ضمن الإمكانيات المتاحة لمتابعة المرضى في منازلهم وخاصة مراقبة نسبة الاوكسيجين في الدم والنبض والضغط وتأمين المعدات، وذلك أيضا عبر التواصل مع منظمات محلية ودولية لتأمين ذلك”.
وتابع “تنقسم فئات المرضى الى ثلاث فئات: ثلث بحاجة للتطمين وثلت بحاجة للعلاج (ادوية او اوكسيجين) والثلث الاخير الذي هو بحاجة لدخول المستشفى حيث نطلب من الصليب الاحمر تأمين النقل عبر التواصل مع المستشفيات لكسب الوقت. وقد استطعنا عبر التواصل مع الاطباء تأمين 200 طبيب و 500 ممرضة جاهزين لأي عمل بالتنسيق مع وزارة الداخلية”.
وعن سبب عدم فتح بعض المستشفيات لأقسام كورونا، اعتبر أن “ذلك يعود لمشاكل هندسية في بعض المستشفيات، وللكلفة المادية الكبيرة التي تتعلق ايضا بالحاجة الى دفع مبالغ مادية نقدا من اجل شراء بعض الأدوية والمستلزمات. وهناك أيضا مشكلة في عدد الطاقم الطبي التمريضي”.
وختم “مهما فعلنا، تبقى المسؤولية الكبيرة على المواطن لتحقيق نجاح المشروع الذي ينقسم الى عدة مناطق على كافة الاراضي اللبنانية، وندعو جميع الجمعيات والفاعليات وقوى ومنظمات المجتمع المدني الى دعمه بكل الوسائل المتاحة”.
أما البزري فلفت الى أن “فيروس كورونا أعطى عدة مؤشرات ان هنالك وباء مقبلا، وكان معظم الرهان ان الوباء قد يكون فيروسا يأتي من الصين وله علاقة بالانفلونزا أكثر من غيره”.
ولاحظ أنه “منذ حوالي 20 عاما كان هناك إنذار بأ فيروسا سيجتاح العالم، ويحتاج الى خصائص متعددة هي ان يكون جديدا لديه القدرة على اصابة الانسان وأن ينتقل من انسان الى آخر”.
وقال “فيروس كورونا يختلف بنسبة قليله بتركيبته الجينية عن فيروس وباء السارس الذي ظهر في الصين عام 2002 /2003، ويختلف قليلا عن فيروس وباء متلازمة الشرق الأوسط لنقص التنفس الحاد الذي ظهر في شبه الجزيرة العربية في العام 2012. لذلك استفدنا من الأبحاث والتجارب، وعرفنا من خلال اي منطقة او نقطة في الفيروس يجب ان نتوجه لكي نصنع اللقاحات”.
أضاف “لقد استفدنا من طبيعة الفيروسات التي كانت موجودة قبل ظهور جائحة كورونا بحيث كان لدينا من سنتين الى خمس سنوات ابحاث تم اختصارها من خلال الجهود القديمة والتي وضعتنا في حالة إستعداد كامل. فالعالم تعلم من الفيروسات القديمة مثل انفلوانزا الخنازير وغيرها، عندما أجريت تجارب وتم تحضير اللقاحات لها لكن تلك اللقاحات لم تستعمل لأن الوباء انتهى في كل مرة بشكل سريع. وإن التأخير في الابحاث مع كورونا كان بسبب عدم التعاون بين الشركات والمراكز والمؤسسات التي تبحث عن تطوير اللقاحات في ما بينها”.
وتابع إن تطوير أي لقاح يحتاج الى عدة مراحل من التجارب تتراوح بين الخليوية والحيوانية، ثم تأتي المراحل السريرية التي تتراوح بين الاولى والثانية والثالثة لكي يصبح اللقاح جاهزا، على ان تتم بعد ذلك عمليات الإنتاج بكميات هائلة عبر سلاسل صناعية دقيقة. وكل هذه التجارب لها تعقيداتها وهي مرتبطة طبعا بقدرات الدول وبالتكلفة المالية العالية”.
وعن الإجراءات غير الدوائية لمكافحة الفيروس مثل الحجر والعزل وكل الإجراءات الوقائية الأخرى، قال: “حتى ولو نفذت هذه الاجراءات بشكل سليم فقد تفيد ضد الفيروس وتحد من انتشاره لكنها لن تنهي الجائحة وتقضي على الفيروس بشكل كامل. من هنا الحاجة الى اللقاحات، فالفيروس كائن طفيلي يعيش داخل الانسان وهو لا يستطيع العيش في مكان آخر. واللقاحات تبقى الحل الوحيد للوصول الى مناعة بحدود 65% الى 85%، وهي النسبة المطلوبة ليتحول الفيروس معها من جائحة ووباء ليصبح اكثر تهذيبا وضررا داخل المجتمع”.
أضاف “اما كيف نصل الى هذه النسبة، فأمامنا امران: الأول ان نترك الفيروس ينتشر بالشكل الطبيعي الذي يعتمده لعملية الإنتشار، لنصل لمناعة اجتماعية شبه كاملة. وهذا الحل يحتاج ما بين 7 او 8 سنوات وهو مكلف جدا نسبة لعدد الإصابات والوفيات، ولما يحمله من آثار نفسية وتربوية وثقافية وغيرها من الامور الاقتصادية والمعيشية. والامر الثاني هو الوصول الى المناعة عن طريق اخذ اللقاح الجديد والتحضير للمرحلة المقبلة، وهو الحل الأسهل وإن كانت بعض الأمور لا تزال غير واضحة بالنسبة لبعض اللقاحات”.
وتابع “البعض تشتبه لديهم بعض التسميات، فهناك من يسمون التغيير الذي طرأ على كوفيد-19 بالسلالة الجديدة، لكن لنصحح الأمر ونسمه نسخة جديدة، فالفيروس يتكاثر ويعطي نسخات تتسبب بتعديل طبيعة الفيروس الموجود وبتغيير في البروتينات. والتغيير إذا منطقي جدا في علم الفيروسات لكن قد يحدث أن يتسبب بزيادة فعالية الفيروس”.
وأردف “هدف الفيروس المحافظة على جنسه وذلك بالتفتيش عن مضيف، وهو ذكي، لذا يظل يتطور من أجل الحفاظ على نفسه، متسببا بأعراض تساعده على الإنتقال من مضيف الى مضيف، أي من إنسان الى إنسان، إما عبر الرذاذ أو الإسهال. لذا، نتوقع أن نشاهد تعديلات فيروسية على كوفيد-19 لها مصلحة في أن تتسبب بعدوى أكثر وموت أقل”.
وبالنسبة إلى لقاح “فايزر”، قال “هناك 4 دفعات ستصل قريبا الى لبنان، عبارة عن مليونين و100 ألف لقاح، تبدأ مطلع الشهر المقبل وتنتهي في كانون الأول المقبل. ومن المتوقع أن يتخلل تلك الفترة دخول لقاحات جديدة أخرى مثل لقاح استرازنيكا واللقاح الصيني وغيرها”.
وختم “اللجنة لن توصي بمنع اي من اللقاحات التي تنال موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية او السلطات الصحية الاوروبية او رضى وشهادة ودعم منظمة الصحة العالمية”.