كثر الكلام في الآونة الأخيرة بشأن الآثار الجانبية للّقاحات التي بدأت معظم دول العالم بإستعمالها لمكافحة جائحة كورونا، ولا سيما منها اللقاحات التي تعتمد تقنيّة مرسال الحمض النووي الريبوي التي تُستعمل للمرة الأوّلى من قبل شركتي فايزر/بيونتك ومودرنا.
في البداية، لا بُدّ من الإشارة الى أنّ معظم الآثار الجانبية التي تمّ رصدها حتى تاريخ اليوم بعد ان تمّ تلقيح حوالي ستين الى سبعين مليون نسمة في حوالي 35 دولة في مختلف أنحاء العالم، تُشير الى انّ هذه الآثار الجانبية قد تكون “خفيفة او متوسطة الاهمية” في معظم الأحيان مثل: الألم في مكان الحقن في العضل في منطقة الكتف، حالة من التعب، صداع، آلام عضلية، إرتفاع بسيط في الحرارة، لعيان أو تقيؤ أو امكان حدوث انفلونزا خفيفة. كل هذه الاعراض تختفي تدريجياً خلال فترة لا تتجاوز الثلاثة ايام في مُعظم الأحيان، كما هي العادة السائدة مع مختلف اللقاحات السابقة التي يستعملها الأطباء منذ سنواتٍ وعقود طويلة.
واذا ما اخذنا النموذج الفرنسي لدراسة الآثار الجانبية التي ظهرت بعد تلقيح 963139 شخص الذين تمّ متابعة حالتهم حتى تاريخ 22-1-2021، فإنّ مجموع الأعراض الجانبية التي ظهرت مع لقاح فايزر المُعتمد حالياً في فرنسا هو 659 حالة.
وفي دراسة تفصيلية لهذه الأعراض الجانبية، يتبيّن أن 80 % من هذه الأعراض هي حالات “غير خطيرة”، في حين حصلت فقط 18 حالة وفاة بعد اللقاح عند اشخاص مُتقدّمين في السنّ يُقيمون في مراكز العناية المُخصّصة للمسنّين. وهم اشخاص يعانون اصلاً من عوامل مرضية اخرى مُتعدّدة مثل امراض القلب والرئتين والسكّري وغيرها، وبعضهم كان يُتابع بعض العلاجات المُخفّفة او الكابحة للمناعة وبعضهم الآخر كان يخضع لعلاجات “الرعاية التلطيفية” لمواكبتهم في آخر مراحل مرضهم قبل الوفاة نتيجة إصابتهم بأمراض مُزمنة بات مفقوداً الأمل النهائي من علاجها.
في المحصلة، لا شيء علمياً يمكن أن يؤكد حتى الآن أنّ هذه الوفيات حصلت نتيجة إعطاء اللقاح بحسب السلطات الصحية الفرنسية.
وخلصت السلطات الصحية الفرنسية إلى توصيات مفادُها بأنّ إعطاء اللقاح لا يجب ان يمنع إستكمال الإجراءات الوقائية الاعتيادية التي بات الجميع يعرفها، ومن ضمنها التباعد الجسدي وإرتداء الكمّامات والمحافظة على مسافة متر ونصف الى مترين من الآخرين ونظافة اليدين وإلإستعمال المُتكرّر للمطهّرات وغيرها.
أولاً، تعريف الأعراض الجانبية:
كما مع مختلف الأدوية التي نتناولها، يوجد اعراض جانبية للقاحات والأدوية ويمكن تعريفها بأنها “كل عارض مُزعج يظهر عند اي شخص يتناول اللقاح ويثبت ان له علاقة باللقاح او الدواء المُتناول. وهذا العارض من المُمكن ان يحصل من الإستعمالات العاديّة للدواء او اللقاح او بحالات أخذ جرعات بكميّات اكبر او بعد نسيان تناول الجرعات الموصوفة او بعد حصول خلل في تناول الادوية. وهي في مُعظم الأحيان “خفيفة او مُتوسّطة الأهميّة”، كما ذكرنا سابقاً. ويُطلق إسم “العارض الثانوي الخطير” على كل “عارض قاتل او من المُمكن ان يُؤدّي الى وفاة المريض او ان يضعه في حالة خطر او يُعرّضه لإختلالات او إعاقات جسدية او عقلية طويلة الأمد او دائمة او اي عارض يؤدي الى اطالة فترة الاستشفاء او يظهر على شكل اختلاطات لها علاقة بولادات مُشوّهة أو على شكل امراض خلقية عند المواليد الجُدد”.
وبسبب هذه الأعراض الصحيّة المحتملة، وضعت الإدارة الوطنية لمراقبة امان إستعمال الادوية في فرنسا برنامجاً كاملاً لتتبّع كل هذه الأعراض الجانبية بعد تناول هذه اللقاحات، وذلك منذ اليوم الاول لبدء توزيعه وتسويقه.
ثانياً، أنواع هذه الأعراض ودرجة خطورتها:
يُقسّم الخبراء الآثار الجانبية للقاحات على مجموعات عدة:
أ-“اعراض جانبية رائجة او مُتكرّرة جداً“: وهي تحصل بنسبة واحد من كل عشرة اشخاص تلقّوا اللقاح. وهي قد تكون على الشكل التالي: الم في مكان إعطاء اللقاح في عضلة الكتف، ورم خفيف او تحسّس في هذا المكان، تعب خفيف، صداع، آلام عضلية او مفصلية، قشعريرة او إرتفاع خفيف في الحرارة.
ب- “اعراض جانبية مُتكرّرة“: وهي تحصل عند واحد الى عشرة أشخاص الى كل مئة مريض تلقّوا اللقاح: وقد تأخذ شكل غثيان وتقيؤ او ورم وإحمرار في المكان الذي تمّ فيه حقن اللقاح.
ج- “اعراض جانبية قليلة التكرار“: وهي تحدث عند واحد الى عشرة اشخاص من اصل كل الف شخص تلقّوا اللقاح، وهي قد تأخذ شكل التهاب وتورّم في الغدد اللمفاوية في منطقة الكتف والرقبة، إمكانية حصول حالة من عدم الارتياح، الم في الاطراف وقلّة نوم وقلق في الليل وحكاك في منطقة حقن اللقاح.
د-“اعراض جانبية نادرة“: ونسبتها من واحد الى عشرة اشخاص على كل عشرة الاف شخص تلقّوا اللقاح. وهي تظهر بشكلٍ خاص على شكل شلل مفاجئ ومُؤقّت في “عضلة احد جوانب الوجه” ما يؤدّي الى إرتخاء في عضلة الوجه. وهي ظاهرة حصلت بشكلٍ واضح مع لقاحي فايزر ومودرنا وسوف نعود اليها لاحقاً.
هـ-“اعراض جانبية غير مُتوقّعة وغير قابلة للقياس حتى تاريخ اليوم“: وهي الأعراض التي لا نعرف مدى تكرارها ومن غير المُمكن حتى اليوم تحديد نسبتها الدقيقة. وقد تكون على شكل حالات حساسية مع طفح جلدي، حالة تحسّس تسمى بحالة خلايا النحل، ضيق في التنفس، تسارع في ضربات القلب مع هبوط في الضغط الشرياني مع امكانية حصول “صدمة خطيرة” تستدعي العلاج السريع نتيجة هبوط الضغط وتوقف القلب. وهي احداث تمّ رصد عدد ضئيل منها بنسبة 1 الى 2 على 100 الف مريض في فرنسا و2 الى 4 على 100 الف في الولايات المتحدة الاميركية.
ثالثاً، تقرير وكالة الدواء الفرنسية:
وحسب اخر تقرير اعدّته وكالة الدواء الفرنسية في 29 كانون الثاني/ يناير 2021، فإنها احصت 659 حادثًا صحيًا مع لقاح فايزر من ضمنها الآتي:
أ-عشر حالات ارتفاع ضغط شرياني تطوّرت بشكلٍ ايجابي خلال بضع دقائق من اعطاء اللقاح.
ب-خمس حالات اصابة “دهليزية” مع دوار ناتج عن تغيير الوضعية إستدعت مُتابعة طبية وفتح تحقيق في اسباب ذلك.
ج-ظاهرة مُهمة وغير متوقّعة وهي ان الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كورونا وبإلتهابات رافقت المرض، لا تحدث عندهم اعراض جانبية خطيرة. فقط حرارة وتعب وقشعرية وغثيان وإسهال.
د- ال 18 حالة من الوفيّات عند المُسنّين الذين ذكرناهم سابقاً والذين لا يمكن ابداً الحكم بأنهم توفّوا نتيجة اللقاح.
رابعاً، الآثار الجانبية للقاح فايزر:
من الواضح انّ الآثار الجانبية للقاح فايزر هي من الدرجة الخفيفة الى المتوسطة وتنتهي خلال بضعة ايام من اللقاح، وان 8% بالمئة منها هي اعراض غير خطيرة بمجملها وهي عبارة عن الم في المكان الذي تمّ فيه حقن اللقاح، بعض الاعراض الجانبية العصبية، بعض الأعراض في المعدة والجهاز الهضمي مثل الغثيان والتقيؤ، ألم في العضل والاعصاب، بعض الاعراض القلبية مثل إرتفاع الضغط الشرياني او زيادة في ضربات القلب، بعض الأعراض في الجهاز التنفّسي وبعض الأعراض الجانبية في جهاز المناعة وفي الغدد اللمفاوية وفي الدم.
خامساً، الأعراض الجانبية للقاح شركة مودرنا:
أصدرت الوكالة الاوروبية للأدوية بتاريخ 6-01-2012، تقريراً مُفصّلاً عن الأعراض الجانبية المُمكنة للقاح هذه شركة مودرنا التي اجرت دراستها على اكثر من 30 الف شخص تترواح اعمارهم بين 18 و90 سنة. وقد ظهرت خلالها عدّة أعراض جانبية تتراوحت خطورتها بين الخفيفة والمتوسّطة، والتي تحسّنت بمعظمها خلال بضعة ايام والتي تبيّن انها على الشكل التالي: الم في مكان إعطاء اللقاح في 92 بالمئة من الحالات، تعب 70 بالمئة من الحالات، صداع في 64 بالمئة من الحالات، الم في العضل والمفاصل في 50 بالمئة من الحالات، قشعريرة في 45 بالمئة من الحالات، غثيان وتقيؤ في 23 بالمئة من الحالات، حرارة في 15 بالمئة من الحالات، تورّم في منطقة الحقن في 15 بالمئة من الحالات، إحمرار في منطقة الحقن في 10 بالمئة من الحالات. وتبيّن بحسب هذه الدراسة أن الاعراض الجانبية كانت اقلّ بكثير عند الاشخاص المُسنّين وكانت نسبتها اعلى عند الاشخاص الذين كانت اعمارهم اقل اي عند الفئات الشبابية.
اما نسبة الاعراض الجانبية التي تتراوح نسبتها بين 1 الى 10 حالات على كل 100 شخص فهي شملت إمكانية حصول طفح جلدي وإحمرار في مكان حقن اللقاح، تحسّس جلدي عام او موضعي في مكان حقن اللقاح واعراض جلدية مختلفة. كذلك هناك امكانية لحصول حكاك في منطقة حقن اللقاح. وكما مع لقاح شركة فايزر، تتحدث التقارير أيضاً عن امكانية حصول شلل نصفي في عضلة الوجه بنسبة 1 الى 10 من كل 1000 شخص أعطي لهم هذا اللقاح.
وأشارت شركة مودرنا إلى أنّ حالة التورّم في الوجه حصلت عند شخصين تلقّيا اللقاح وكان لديهما سوابق لحقن مواد تجميلية في الوجه (عمليات تجميل للوجه). وقد اكّد معظم الخبراء في مختلف الدول ان نسبة حالات الشلل هذه لا تختلف كثيراً عما نشهده عادة عند عامة الناس في هذا الموسم من السنة واستبعدوا ان يكون للقاحات اي دور سببي مباشر في حصولها. في حين ذهب البعض الى القول انها قد تكون ناتجة عن بعض ردّات فعل جهاز المناعة. وفي مطلق الأحوال فهي تنتهي وتزول تدريجياً ولا تترك أية آثار كبيرة عند من تصيبهم.
اما الاعراض الجانبية النادرة فهي كما مع لقاح شركة فايزر، لجهة إمكانية حصول حالات من الحساسية المفرطة الخطيرة مع ضيق التنفس وطفح جلدي كبير مع إحمرار وخفقان في ضربات القلب وهبوط في الضغط الشرياني. وهي حالات حرجة لكنها لها علاجاتها الخاصة وهي تستدعي كما مع لقاح فايزر مراقبة المريض لمدة خمس عشرة دقيقة بعد التلقيح.
سادساً، الاعراض الجانبية للقاح شركة استرازنيكا:
هذا اللقاح تم السماح بتسويقه من قبل الهيئة الاوروبية الناظمة للدواء في اوروبا في 29 كانون الثاني/ يناير 2021. وقد اوردت الوكالة ان هذه الاعراض هي بشكلٍ عام خفيفة ومتوسطة، وتتحسّن خلال ايام من إعطاء اللقاح. وانها تنحصر بشكلٍ خاص بالألم وامكانية حصول تحسّس في مكان حقن اللقاح، صداع، حالة تعب، الم في العضل، شعور بإمكانية عدم الإرتياح، قشعريرة، إرتفاع بسيط في الحرارة، الم في المفاصل وغثيان او تقيؤ.
سابعاً، كيفية مواجهة حالات الحساسية الحرجة والخطيرة التي حدثت مع لقاحي فايزر ومودرنا:
من المعروف أنّ هذة الحالات هي حالات نادرة جدا ًكانت في اغلب الأحيان قابلة للعلاج ولم تتسبّب بعكس ما أُشيع في بعض وسائل الإعلام وعلى بعض وسائل التواصل الإجتماعي بأية حالات وفاة او حاجة لدخول المستشفى. لذلك، نصحت الشركتان ان يتمّ إجراء مراقبة دقيقة لكل المرضى الذين يحصلون على لقاحي فايزر ومودرنا لمدة 15 دقيقة في مراكز التلقيح تحت رعاية طبيب مُختصّ وهو المشرف على عملية التلقيح.
وفي مطلق الأحوال، فإن الطبيب المُشرف على عملية التلقيح عليه إجراء تحقيق دقيق حول حالات الحساسية التي من الممكن للمريض ان يكون يعاني منها وان يتأكّد قطعاً ان المريض ليس لديه اي نوع من الحساسية على مادة تُدعى Polyethylene Glycol وهي مادة حافظة تدخل في تركيبة اللقاحين ومهمتها الأساسية هي الحفاظ على حالة إستقرار الحمض النووي الريبوي المُكوّن للقاح. ولا يجب ابداً إعطاء اللقاح في حال تأكد الطبيب المشرف من وجود حساسية مؤكدة على هذه المادّة او على اية مادة اخرى تدخل في تكوين هذين اللقاحين. وكذلك تمّت التوصية الحاسمة بأن لا يأخد المرضى الذين واجهوا هكذا نوع من الاعراض الجانبية الخطيرة الجرعة الثانية من اللقاح.
ثامناً، كيفية مواجهة ومتابعة الأعراض النادرة:
بما اننا امام لقاحات جديدة لم تستكمل بمعظمها الدراسات السريرية وهي العملية التي من المفترض ان تنتهي في السنتين القادمتين وبما ان معظم هذه اللقاحات قد تم إستعمالها بحسب ترخيصات وتصريحات تسمح بذلك في الحالات الطارئة الخطيرة التي نشهدها نتيجة إستمرار إنتشار وتمدّد الجائحة، لذلك، فان السلطات الصحية في فرنسا وفي كل الدول المتقدمة تُخصّص هيئات مراقبة في كل الاقاليم والمناطق من اجل تتبّع الآثار الجانبية لهذه اللقاحات لأن هذا العامل “عامل مُتحرّك” ومن المُمكن ان يتغيّر مع الوقت. وهذا ما دفع لوضع هكذا آليات من اجل مُتابعة مصير اللقاح وتتبّع نسبة ونوعية الآثار الجانبية للقاحات على المدى البعيد مع ارتفاع منسوب توزيعها على اكبر شريحة من المواطنين وسوف يكون ذلك في فرنسا مُمكناً عبر التبليغات التي تصل الى السلطات الصحية في المناطق من قبل الأطباء والعاملين في المراكز الصحية والاستشفاىية الموكلة بالتبليغ عن الآثار الجانبية لهذه اللقاحات وخاصة من قبل المراكز التي تمّ إعطاء اللقاح فيها.
يذكر أن كل شخص يخضع للقاح يُعطى حالياً رقماً تسلسلياً مُعيّناً وتُسجل في ملفه معلومات عن المريض وتاريخ اللقاح وتعريف اسم الجرعة ورقمها للتعرّف عليها في حال حصلت أعراض جانبية مُعيّنة عند الشخص الذي تناولها.