لا تزال أمراض القلب والأوعية الدموية تُعتبر السبب الرئيسي للوفاة على مستوى العالم وفقًا لمنظمة الصحة العالمية ولمعظم مراكز الإحصاء والجمعيات العلمية الأوروبية والأميركية المتخصصة. وهي تتصدر بذلك قائمة اسباب الوفيات في مختلف الدول المتقدمة والغنية متفوقةً بذلك على كل انواع السرطانات والأمراض الأخرى التي تأتي في المراتب التالية.
وهذه المعطيات موجودة ايضًا في بعض الدول ذات الدخل المتوسط وفي بعض الدول النامية كما هو الوضع في لبنان. وفشل او قصور او ضعف عضلة القلب هو من أمراض القلب التي تصيب نسبة كبيرة من الأشخاص، اذ تبلغ نسبته حوالي 1 الى 2 ٪عند البالغين وحوالي 10 ٪ عند الأشخاص الذين يبلغون 70 سنة وما فوق.
وعلى الرغم أن اسمه يعطي انطباعًا بتوقف القلب عن العمل، فإن قصور عضلة القلب يعني أن هذه العضلة لا تضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم بكفاءة عادية كما هو مطلوب اي بسنبة 5 الى 6 ليترات من الدم في الدقيقة كما هو الحال الطبيعي، مما يؤدي الى حصول اعراض متعددة من أهمها التعب والإرهاق وصعوبة التنفس عند الإجهاد او حتى في حالة الراحة في المراحل المتقدمة لهذا المرض إضافة الى اعراض اخرى سنتكلم عنها لاحقًا. ويعتمد عادةً علاج فشل عضلة القلب على التحكّم بعلامات هذا المرض وأعراضه اولًا، وتحسين نمط حياة المريض الذي يعاني من هذا المرض.
وكذلك وهذا الأهم منع تكرار حالات الدخول الى المستشفى او تخفيض نسبتها بشكلٍ كبير لأن المرضى الذين يعانون من حالة فشل متقدم في عضلة القلب يقضون اكثر ايامها وخاصةً اواخرها في المستشفيات. واخيرًا وهذه هي النقطة الجوهرية في هذا المجال، تخفيض نسبة الوفيات التي يتسبب بها هذا المرض وإطالة عمر المريض الى اطول مدى ممكن وهذا ما يسعى اليه اطباء القلب بشكلٍ حثيث عن طريق تطوير ادوية هدفها الأساسي تخفيض نسبة الوفيات بعذا المرض بحيث ان هذه النقطة هي اساس اية تجارب تسعى لتطوير ادوية جديدة في هذا المجال وهي المعيار الاساسي الذي يجعلنا نستعمل هذا الصنف او غيره من الأدوية سنرى وبحيث ان اطباء القلب مُلزمون بإستعمال كل دواء اثبتت الدراسات العلمية الدقيقة انه يطيل في عمر المريض ويخفف الوفيات. وهناك حاليًا في الأسواق حوال 6 الى 7 عائلات او فصائل من ادوية القلب التي اثبتت الدراسات انها مفيدة جدًا في هذا السياق وعلى طبيب القلب ان يسعى في كل مرة لكي يستفيد مريضه من اكبر عدد ممكن من هذه الادوية طبقًا لوضعه الصحي العام ولوظيفة الكلى والكبد وغيرها من الأعضاء الأساسية عنده.وفي هذا المجال تحديدًا ظهر خلال الثلاث سنوات الأخيرة كما سنوضح في هذه المجموعة من المقالات ان هناك عائلتين على الأقل من الادوية التي كانت في الأساس مُخصّصة لعلاج مرض السكري اظهرتا انهما تفيدان جدًا في تخفيف اعراض مرض قصور القلب وفي تخفيف حالات الدخول الى المستشفى ونسبة الوفيات بهذا المرض كما سنعرض تفصيليًا لاحقًا. وهذا ما يجعلها من الأدوية الأساسية المتوفرة منذ العام 2020-2021 لعلاج مرض قصور القلب سواء اكان المريض يعاني ام لا من مرض السكري!.
أسباب قصور عضلة القلب على الشكل التالي:
١-الإصابات الناتجة عن مرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب (Coronary artery disease) اي الذبحات القلبية ومرض إنسداد الشرايين التاجية المزمن المعروف شعبيًا ب “نشاف شرايين القلب” . وهو مرض يؤدّي الى ضعف عضلة القلب عند الإنسداد الكامل او المهم في الشرايين التي تتغذى منها تلك العضلة. هذا السبب يُشكّل لوحده 70 بالمئة من اسباب قصور القلب في لبنان وفي معظم الدول المتقدّمة والغنية.
واسباب هذا المرض معروفة وسبق وتكلمنا عنها في عدة مقالات سابقة واهمها التدخين على انواعه ومرض ارتفاع الضغط الشرياني ومرض السكري وارتفاع الشحوم والدهون في الدم والبدانة والخمول وعدم القيام بأية تمارين رياضية والإكتئاب وغيرها. والجدير ذكره ان هذه الأمراض هي الأمراض التي تتطور علاجاتها منذ ستينات وسبعينيات القرن الماضي بحيث يمكن القول انها اكثر سبب لقصور القلب تتطور علاجاته منذ ذلك الحين بشكل ثوري يجعل منه السبب الأقل خطورةً على المريض رغم خطورة المرض بحدّ ذاته.
٢- مشاكل صمامات القلب (Valvular diseases) وخاصة إنسداد او تهريب الصمّامين التاجي او الأبهر وهي اسباب نراها عند حوالي 5 بالمئة من الحالات، وتزداد تدريجيًا مع التقدّم بالسنّ بسبب ترهّل الصمامات مع العمر. وكانت في السابق وقبل إكتشاف المضادات الحيوية التي سمحت بعلاج ملايين المرضى الذين كانوا يعانون من الحمى الرثوية ( الحمى الروماتيزمية) اكثر إنتشارًا عند الصغار والشباب بسبب الإلتهابات التي كانت تُصيب صمامات القلب نتيجة تلك الحمَى والتي انحصرت كثيرًا في معظم الدول المتقدمة مع ظهور المضادات الحيوية وتطور الطب. لكنها لا تزال موجود بشكل كبير في بعض الدول الفقيرة مثل الهند وبنغلادش وغيرها من دول اسيا و افريقيا واميركا الجنوبية بسبب نقص الموارد وضعف ورداءة النظام الصحي في تلك الدول.
٣- امراض عضلة القلب المزمنة ( Chronic Cardiomyopthiesp). وهي قد تكون على شكل تَوسّع او تضخّم في هذه العضلة (Dilated or (hypertrophic cardiomyopathy او على شكل ترشّح او غزو لعضلة القلب بمواد مُعينة مما يؤدي الى ضعفها (Restrictive cardiomyopathy). وهنا يحصل قصور القلب نتيجة خلل في إنقباض العضلة بسبب المواد التي تجتاح العضلة. وغالبًا ما يكون سبب تضخم القلب التوسعي بدئي او اوّلي اي غير معروف السبب ويقول بعض الخبراء في هذه الحالة ان اصابة العضلة قد تكون ناتجة عن إلتهابات فيروسية معينة حصلت في مالسابق خلال المراحل الأولى للحياة. واحيانًا قد تكون هناك إصابات وامراض في عضلة القلب ناتجة عن عوامل وراثية نادرة لا مجال لذكرها تفصيليًا. وكل هذه الأسباب العضلية المزمنة نراها موجودة عند حوالي 10 الي 20 بالمئة من المرضى الذين يعانون من قصور في القلب وعادة ما نجد ان شرايين القلب طبيعية عند إجراء قسطرة او تمييل لشرايين القلب عند هكدا مرضى.
٤- مرض ارتفاع الضغط الشرياني المزمن ( Hypertension) الذي يؤدي الى توسّع وتضخّم ثم الى قصور في عضلة القلب. وهو كما نعرف مرض رائج جدًا ويُسيب حوالي 20 الى 30 بالمئة من المواطنين وقد يؤدّي الى إصابة العضلة وتدهور قوة إنقباضها في حال عدم علاجه بشكل فعّال.
٥- مرض السكري المزمن ( Dibetes mellitus) لأن هذا المرض خطير جدًا على القلب ويؤدّي الى إصابة الشرايين التاجية الكبيرة ولإصابة الشعيرات الشريانية الصغيرة والعضلة القلبية بشكل مباشر ايضًا بسبب الإرتفاع المزمن في مستوى السكر في الدم. مما يُضعف عضلة القلب على المدى البعيد لأسباب مُتعددة ومعروفة جدًا لدى اطباء القلب وبحيث ان حوالي 70% من مرضى السكري يتوفون نتيجة إختلاطات امراض القلب والشرايين وليس بسبب السكري بحدّ ذاته .
٦- بعض امراض او إضطربات كهرباء القلب وخاصة مشاكل الرجفان الأذيني المُزمن ( Chronic atrial fibrillation) الذي يؤدي الى توسّع غُرف القلب وخاصة الى توسّع الذين الأيسر والأيمن والى خلل في قوة إنقباض القلب الأيسر على المدى البعيد.
٧- التعرّض للعلاج الكيماوي او للعلاج بواسطة الأشعة نتيجة الإصابة بمرض سرطاني مُعيّن . ذلك لأن الجرعات الكبيرة من هذه الأدوية او للإشعات تتسبب بضرر او تلف او تليّف او موت خلايا عضلة القلب ولذلك يجب مُراقبة هؤلاء المرضى بشكل مُشدّد خلال كل فترة العلاج وبعدها.
٨- الأمراض والتشوّهات الخلقية بأمراض القلب (Congenital heart disease)، وهنا تبدأ الأعراض في سنٍّ مُبكر وقد تبدأ عند الولادة وفي الطفولة او الشباب. وهي خطيرة لأن علاجاتها مُعقًدة جدًا وقد تستدعي احيانًا كثيرة اللجوء الى علاجات تدخلية بواسطة القسطرة او الى الجراحة او الى زراعة القلب.
٩- التسمُّم المُزمن بالكحول او المُخدّرات، لأن ذلك يؤدي إلى التلف التدريجي لخلايا عضلة القلب مما يؤدي لاحقًا الى قصور عضلة القلب.
١٠- اسباب اخرى نادرة مثل التهابات عضلة القلب بواسطة عدد من الجراثيم والفطريات والفيروسات (مثل فيروس الأيدز وفيروس كورونا الذي ظهر مؤخَرًا وغيرها من الفيروسات)، او الإلتهابات المزمنة في غشاء القلب مع تكوّن غشاء تليّفي شديد وضاغط حول القلب، او مرض إرتفاع الضغط الرئوي المُزمن الناتج عن جلطات رئوية مُتكررة او عن تناول بعض الأدوية التي كانت تُستعمل سابقًا من اجل تخفيف الوزن او التنحيف وقد تمّ سحبها من الأسواق منذ فترة في معظم الدول بعد ان اكتشف الأطباء ضررها.
وفي معرض الحديث عن “فيروس كورونا” فقد ذكرت في عدّة مقالات سابقة كيف ان فيروس كورنا يُصيب القلب بإصابات مباشرة وغير مباشرة قد تكون خطيرة، وقد تُوصل المريض الى حالة قصور القلب في بعض الحالات الحرجة وقد تكون سبب الوفاة عند عدد كبير من المرضى وكيف ان بعضهم كان يحتاج الى اجهزة مساندة القلب الإصطناعية المكلفة جدًا.