تُعتبر عملية زرع الصمام الأبهر للقلب بواسطة الطرق التدخّلية (Interventional cardiology) اي عبر التمييل او القسطرة احدى اهم واكبر “الثورات العلاجية” التي شهدها طب وجراحة القلب خلال العشرين سنة الأخيرة. فخلال كل تلك الفترة الحافلة بالعديد من الأبحاث الإنجازات ومن العمل الدؤوب حققت هذه التقنية نجاحات مذهلة منذ ذلك التاريخ. ما سمح لها ان تُصبح اليوم “العامود الفقري” الذي يرتكز اليه كل عمل جراحي يطال جراحة او تغيير الصمّام الأبهر للقلب.
وبمناسبة فتح “ملف واقع جراحة القلب في لبنان والعالم في العام ٢٠٢٢” والذي خصّصت له عدة مقالات سابقة وسأكملها في الأيام المقبلة بإذن الله لكي اغطّي كل تفاصيله ووقائعه في لبنان وفي مختلف بلاد العالم، احببت ان اكتب اليوم هذه الأسطر لكي احيي روح الراحل البروفسور Alain Cribier وان انشر هذا الوثائقي القصير جدًا الذي يشرح باللغة الفرنسية كيفية زراعة “صمام ابهر اصطناعي” مكان الصمام الأبهر المتكلّس والمسدود-المريض او ما يطلق عليه باللغة الإنكليزية عملية ال TAVI : Transcatheter Aortic Valve Replacement
وساشرح لاحقًا كل تفاصيل هذه العملية وما استطاعت ان تُحقّقه خلال عشرين سنة. واحببت فقط في مناسبة مرور عشرين سنة تحديدًا على ذكرى زراعته لأول صمام من هذا النوع ان احيّي روح مُخترع ومُؤسّس هذه التقنية والذي ابتكرها وعمل عليها اولًا عند الحيوانات خلال اكثر من عشر سنوات. وحيث نفذها لاحقًا على الإنسان وتحديدًا على اول مريض يعاني من حالة “صدمة قلبية” وقصور قلبي حادّ وخطير بسبب إنسداد في الصمام الأبهر للقلب في ١٦-٤-٢٠٠٢ في مدينة Rouen الفرنسية التي لا تبعد كثيرًا عن مكان عملي حاليًا.
هو إذًا وبلا منازع وبإعتراف كل المرجعيات والجمعيات العلمية المتخصّصة أنّ البروفسور Alain Cribier “هو الأب الروحي والمؤسس والمخترع الأول لهذه التقنية”. وقد كانت العملية الأولى صعبة للغاية ومُعقّدة جدًا لأنه اضطر يومها ان يمرّر الصمام بعد خرق الجدار الموحود بين الأذين الأيمن والأيسر. وهذا ما جعل العملية صعبة جدًا وخطيرة في ذلك الوقت لكنه اصرّ ونجح وعاش المريض عدة ايام ليتوفى بعدها بسبب التهابات حادة اصابته لا علاقة لها بالقلب. لكن الأطباء والباحثون طوّروا الأساليب وطُرق تمرير الصمام بشكلٍ كبير منذ ذلك التاريخ، بحيث اصبحت هذه العمليات سهلة للغاية حاليًا ولكنها تبقى مُكلفة جدًا وهي بحدود ٥٠ الف يورو تقريبًا في لبنان.
وقد كان لي الشرف ان التقي به وان اتحاور معه حول عدّة امور تتعلّق بهذه التقنية في عدة مناسبات في مؤتمرات دولية في باريس ولندن وموسكو وواشنطن وكذلك في البرازيل وجنوب افريقيا واستراليا وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها.
وقد توفي للأسف منذ فترة سنتين على ما اعتقد وبقي على نشاطه وبالقيام بالأبحاث العلمية العميقة والمعقدّة والمشاركة في معظم المؤتمرات الفرنسية والعالمية حتى سنّ متأخر من حياته التي كرّسها لخدمة البشرية والأبحاث العلمية ومع اهم المراكز العالمية.