العالم العربي عَطشان بقلم غابريال طبراني
كانت ندرة المياه منذ فترة طويلة من المواضيع التي حَظيت باهتمام كبير وكافٍ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي تُشكّلُ مشكلة خطيرة جداً. لقد كان احتمال تفاقمها دائماً مصدرَ قلق في العالم العربي، الذي يزيد عدد سكانه على 360 مليون نسمة، ويُعاني من أحد أدنى مستويات المياه العذبة المُتاحة في العالم على أساسٍ مُطلَق كما على أساس نصيب الفرد. وحسبما جاء في تقرير نشرته في العام الفائت لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغرب آسيا، “الإسكوا”، فإن سكان المنطقة يعيشون “في ظروفٍ تتراوح بين ندرةِ المياه والندرة المُطلَقة”.
من بين 17 دولة تُعاني من الإجهاد المائي، هناك 12 دولة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقاً لمعهد الموارد العالمية. ويُقدّر البنك الدولي أن ندرة المياه المُرتبطة بالمناخ ستُكلّف المنطقة من 6 إلى 14 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول العام 2050، مع تعرّض 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة ل”إجهادٍ مائي مُرتفعٍ أو مُرتفعٍ للغاية”.
على الرغم من أن الآثار الإقتصادية والصحّية والإجتماعية ل”كوفيد-19″ قد جذبت الكثير من الإهتمام، إلّا أن القلق في الخلفية يزداد بشأن الموارد المائية بشكل كبير. تُواجه كل دولة في المنطقة تحدياتها المائية الخاصة بها، ولكن في الآونة الأخيرة، أدّت مجموعة متنوعة من العوامل إلى تفاقمها. وكما تلاحظ “الإسكوا”، تشمل هذه العوامل الإعتماد على موارد المياه المُشتَرَكة عبر البلدان (التي يجد بعضها بالفعل صعوبة في التعاون عبر حدوده)، والإحتلال والصراع اللذين يؤثران في قدرة الناس على الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي، والإحتباس الحراري والطقس المُتطرف المُرتبط به، والتلوّث، وتقادم البنية التحتية، والإستخدام غير الفعّال للمياه، وارتفاع مُعدّلات النمو السكاني.
تُغطّي الأراضي الرطبة 2 في المئة فقط من المنطقة العربية، و94 في المئة منها عرضةً لتغيّر المناخ. وهذا يجعل التعامل مع متطلبات المياه المُستقبلية أمراً بالغ الأهمية لرفاهية المنطقة. قد يكون تغيّر المناخ تهديداً عالمياً، لكن تأثيره في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا شديدٌ وحادٌ بشكل خاص. إن تحديات المياه الناجمة عن المناخ في منطقة قاحلة فعلياً تتطلّب اهتماماً كبيراً وفورياً. وعلى الرغم من أن نقص المياه ليس بالأمر الجديد، إلّا أن الطلب المُتزايد باستمرار، إلى جانب تأثيرات تغيّر المناخ، يؤديان إلى تفاقم الضغط على هذا المورد الحيوي.
يُجمع أهل الخبرة على أن الآثار المُضاعَفة لهطول الأمطار غير المُنتَظِم، والتوسّع الحضري السريع، والتَصحّر المتزايد، وزيادة مخاطر الجفاف ستؤدي إلى تفاقم ندرة المياه. في وقت سابق من هذا العام، ضربت عواصف عدة دولاً في المنطقة. في القاهرة، تسبّب هطول الأمطار الغزيرة في غير موسمها، والفيضانات الواسعة النطاق التي نجمت عنها، في معاناة العديد من المناطق الحضرية للحصول على مياه الشرب لمدة شهر. وفي أجزاء أخرى من المنطقة، من المتوقع أن تؤدي حالات الجفاف المُتكرّرة الناجمة عن السيناريوهات المناخية إلى زيادة ملوحة التربة والمياه الجوفية.
إن الحاجة إلى الإستعداد لظواهر الطقس القاسية في المستقبل الناجمة عن تغيّر المناخ لتحقيق الأمن المائي في المنطقة هو أمرٌ مُلِحٌّ ومفتاحٌ أساس.
مع ذلك، وبعيداً من الآثار البيئية، يُمكن أن يكون لاستمرار ندرة المياه العديد من الآثار الإجتماعية والإقتصادية السلبية. سيُشكّل تغيّر المناخ عاملاً مهماً في الهجرة البشرية القسرية، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى ندرة المياه. وبما أن النقص يزداد حدّة، فإن نسبة خطورة النزاعات المُتعلّقة بالمياه ترتفع. على الصعيد العالمي، يتصاعد التوتّر بشأن المنافسة المتزايدة على الموارد، ويتوقع الخبراء أن يؤدي ذلك إلى مزيدٍ من مخاطر النزاع المُسلّح في المستقبل.
في الواقع يقوم بعض الباحثين بدراسة دور ندرة المياه في إشعال الحرب الأهلية السورية وتأجيج الصراع المُسلّح في اليمن. الآن، في شرق إفريقيا، أصبحت العلاقات بين مصر وإثيوبيا مُحتَدِمة بشكل متزايد بسبب مشروع سد النهضة الكبير وإدارة موارد المياه في المنطقة.
وتوصّل الباحثون أخيراً إلى نتيجةٍ مفادها أن ندرة المياه هي من بين الأسباب الجذرية للهجرة. بحلول العام 2050، تُشير التقديرات إلى إمكانية نزوح ما بين 150 إلى 200 مليون شخص بسبب العوامل المُتعلّقة بالمناخ مثل التصحّر وارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة. ومن المتوقع أن يمرّ مساران رئيسان للهجرة عبر منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وفقاً لتقرير جديد صادر عن “معهد الإقتصاد والسلام” (Institute of Economics and Peace). الواقع أن مشكلةَ مياهٍ عالمية تلوح في الأفق والشرق الأوسط ليس بمنأى عنها.
في حين أن التعاون الإقليمي كان منذ فترة طويلة عملاً قيد التقدّم في العالم العربي، إلّا أن غالبية الدول العربية مع ذلك مُترابطة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمياه. وهي تعتمد على خزانات المياه السطحية والجوفية التي تمتد عبر حدودها، لذا فإن التحرّك نحو نهجٍ إقليمي لمكافحة ندرة المياه وتعزيز إدارة المياه أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى. وكما هو الحال مع أي مشكلة مُشتَرَكة، فإن مواجهة التحدّي تتطلب حلولاً مُشتَركة.
إن الهشاشة التي كشفها وأبرَزَها الوباء، ومخاطر ندرة المياه المُترابطة، يتطلّبان إرادةً سياسية مُتجدّدة وفورية، ومزيجاً من الحلول لضمان قدرة المنطقة على تلبية احتياجاتها المائية في المستقبل.
فهل من سامع؟
رابط المقال اضغط هنا