الاحدثطاقة و بيئة
“راس ورك.. ” تنوع كبير في النظم البيئية والمناظر الطبيعية الساحل المغربي المتوسطي | بقلم محمد التفراوتي
بات من نافلة القول أن حوض البحر المتوسط يعد من أكثر المناطق تنوعا على كوكبنا الأرضي. لكنه مهدد بالاستغلال المفرط وفقدان الموائل وتأثيرات تغير المناخ. ويعد الساحل المغربي على البحر المتوسط موطنا مهما للعديد من الأنواع المهددة بالانقراض.
ويقدم المجتمع الدولي المعني بالبيئة البحرية بمختلف مستوياته، توصيات ومرافعات قصد المحافظة على الموارد والمخزون الطبيعي المميز للضفة المتوسطية المغربية.
يظهر ساحل البحر المتوسط بالمغرب على شكل أربع تجاويف كبيرة ذات أبعاد متفاوتة. بعد شاطئ السعيدية شرقا، يبدأ التقعر الأول، الذي يبلغ طوله حوالي 80 كلم، من رأس الماء، ويليه نتوء “راس ورك” (رأس المذرات الثلاث) ممتد نحو البحر. في هذا الجزء يوجد شريط ساحلي يمتد على مسافة 24 كيلومتر يفصل بحيرة الناظور عن البحر. ويمتد التجويف الثاني، وهو مماثل للسابق في الحجم، إلى الغرب حتى “رأس الطارف ” بتطوان الذي يحد خليج الحسيمة شرقا.
يتشكل الساحل على شكل تقعر كبير ومفتوح بشكل كبير حيث يتغير تدريجيا من اتجاه شرقي غربي إلى اتجاه جنوبي شمالي بين المضيق والفندق. الساحل بأكمله عبارة عن سلسلة من المنحدرات تتخللها شواطئ صغيرة.
الساحل المغربي المتوسطي متنوع التضاريس. يبدوعلى شكل قوس كبير شرقا من “راس ورك” والذي يشهد سلسلة من المنحدرات الحادة التي تقطعها الوديان العميقة، منحوتة طبيعيا على ارتفاع 70 مترا من مادة ترابية حمراء، وعلى طول 30 كيلومتر من سفوح “كبدانة” ثم تضاريس رملية تعزل بحيرة “بوعرك” بين منطقتي أركمان والناظور. مشاهد طبيعية مغرية وخلابة.
من هنا يأتي “راس ورك”، في المنطقة الشرقية بالمغرب، ليؤثث جمالية فضاءات المشهد الطبيعي البهي للضفة المتوسطية المغربية. إنه صخرة شاطئية شامخة أو نتوء جبلي مخترق، نحو 20 كيلومتر ، ساحل البحر المتوسطي على بعد 25 كيلومتر من شمال الناضور وعلى مشارف المستعمرة الاسبانية مليلية. وعلى بعد مائة كيلومتر من الحدود الجزائرية، يمتد على مساحة 8000 هكتار، ثلثي مساحته بحرية. ينتمي كقرية آهلة بالسكان إلى الجماعية القروية بني شيكر.
يبدو “راس ورك” كشبه جزيرة. ومنطقة جبلية شامخة، وسط معلمة بحرية تحوي مجموعة واسعة من المناظر البحرية، تتميز بمياه صافية. تحيطها جزر بحرية صغيرة متناثرة. وشواطئ ساحرة لامعة، مملوء بالحصى. يقدر ارتفاع تضاريسه فوق مستوى سطح البحر نحو 65 متر.
وتتراءى على بعد حوالي 35 كيلومتر منارة مرئية في مقدمة “رأس ورك” بارتفاع 18 متر. نسجت حولها حكايات حول دواعي تشييدها. وأجمعت الرواية الشفوية لأهالي المنطقة أن هناك بارجة إسبانية جنحت وتحطمت على الرأس الموقع. مما استدعى المستعمر الاسباني بالمنطقة إلى بناء منارة سنة 1927 ميلادية لمنع ارتطام سفن الملاحة البحرية وتسهيل الرؤية أمام السفن العابرة.
تحظى منطقة “راس ورك” بأهمية بيئية بالغة لدورها البارز في الحفاظ على التنوع البيولوجي، على ساحل البحر المغرب المتوسطي، حيث أوصت عدة دراسات وبحوث علمية لجعل المنطقة محمية بحرية. واستبشر ساكنة المنطقة في سنة 1996 بتصنيف الموقع ذو أهمية بيولوجية وبيئية (SIBE) من خلال المخطط المديري للمناطق المحمية في المغرب. وفي سنة 2005 تم تصنيفها كموقع “رامسار” للأراضي الرطبة.
تحتضن المنطقة أنظمة بيئية حية و موارد طبيعية ساحرة ضروريتين لمصادر عيش ساكنتها المحلية، لكنها تبقى ضئيلة وهشة . والأنشطة الرئيسية التي تجري في المنطقة هي صيد الأسماك والسياحة.
القرى الساحلية بالمنطقة نائية، مناطق تسودها الهشاشة الاجتماعية والمسالك الوعرة. ساكنتها مضطرة للعيش في ارض شديدة الانحدار، صخرية، قاحلة ومالحة. لكن يتطلب العيش قرب مياه يزداد اصطياد الأسماك فيها صعوبة.
وسبق أن شهدت المنطقة دراسة علمية تفسح المجال لإبداع مبادرات تمنح الفرص والمعرفة وضمان الحصول على الموارد واستثمار الجهود المشتركة بين الباحثين والمزارعين والصيادين الفقراء، رجالا ونساء، من أجل استدامة مصادر الدخل والتكيف مع التغيرات المناخية .
ويزاول سكان قرية ” تبودة” المحاذية لراس ورك بعض الحرف التقليدية من قبيل صيد الأسماك والزراعة وتربية المواشي و العيش على مختلف الموارد الطبيعية. كما أن المنطقة تعاني من العزلة الجغرافية. ويتطلب الوصول إلى الطريق المؤدي إلى أقرب قرية نحو نصف ساعة، و ساعة للوصول إلى مدينة الناضور. وقد تم إيصال الطريق إلى قمة الرأس بالمنارة، لكن تبقى صعبة، تستوجب الترميم والتوسعة. والأشغال جارية لفتح المسالك نحو قرى المنطقة المعزولة.
ويعتمد مجتمع الصيادين بالمنطقة في نشاطهم الحرفي على نحو قوارب صيد في الحجم 5 إلى 6 متر، في حين هناك أنشطة أخرى تكميلية تتجه نحو الزراعات الجبلية عبارة عن حقول المدرجات الزراعية كالبستنة والحبوب والبقوليات والمحاصيل الشجرية. وتشهد المنطقة هجرة بعض الساكنة نحو المدن المجاورة وخارج المغرب.
ويقول البروفيسور عبد اللطيف الخطابي، الخبير في تغير المناخ ومنسق سابق لمشروع التأقلم مع التغيرات المناخية بالمغرب، أن المنطقة تعرف مخاطر مرتبطة بتغير المناخ من قبيل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة تواتر الأحداث المتطرفة وعدم القدرة على التنبؤ بها وشدتها، مثل موجات الحر والعواصف والفيضانات. وتنعكس هذه المظاهر والتطورات بشكل مباشر على المجتمع المحلي لكونها تهدد الأنشطة التقليدية الزراعية من خلال زيادة التبخر وانخفاض توفر المياه لأغراض الزراعة، وتآكل التربة الهشة. في حين تنعكس سلبا كذلك على الصيد من خلال انخفاض عدد أيام الصيد ، وانخفاض توفر الأسماك ، وبالتالي كمية ونوعية الأسماك التي يتم صيدها.
وأضاف البروفسور الخطابي أنه سبق أن أنجزت دراسات في سياق مشروع التأقلم مع التغيرات المناخية بالمغرب عمل على تعزيز قدرات تأقلم ساكنة منطقة “تبودة ” بالجماعة القروية بني شيكر »مع تأثيرات التغيرات المناخية، و تطوير هشاشة النظم البيئية المحلية المهددة بفعل التغيرات المناخية المتفاقمة. اختار المشروع مقاربتين محوريتين رئيسيتين كمجال للتدخل على مستوى التأقلم مع التغيرات المناخية، محور تحسين ممارسات الصيد الحرفي من أجل تسهيل تكيف الصيد مع تغير المناخ ومحور الزراعة والمياه أي قدرة الأنشطة الزراعية في الحد من تقلص موارد المياه وملوحة التربة والمياه، ومن خلال جمع مياه الأمطار وتحسين إدارة الموارد . ومكنت الدراسة العلمية من فسح المجال لإبداع مبادرات تمنح الفرص والمعرفة وضمان الحصول على الموارد واستثمار الجهود المشتركة بين الباحثين والمزارعين والصيادين الفقراء، رجالا ونساء، من أجل استدامة مصادر الدخل والتكيف مع التغيرات المناخية.
ويتطلب المزيد من البحث والدراسة لإيجاد سبل كفيلة بدعم وتعزيز قدرات ساكنة المنطقة وفق رؤية استراتيجية علمية دقيقة.
وتستضيف البيئة البحرية للموقع أنواع مختلفة من الأسماك والحيتان، بعضها مهدد بالانقراض، إذ تتواجد السلحفاة ضخمة الرأس، والحوت الزعنفي، و أنواع من الدلافين. وعبر أهالي المنطقة عن أسفهم لانقراض، فقمة الراهب، فلم يعد يرى مند سنوات.
وأفاد الدكتور نجيب الوعماري رئيس المركز الجهوي للمعهد البحث الصيد البحري بالناظور أنه تم تحديد 180 نوعا وعشرة أنواع من المجتمعات القاعية. وتختلف المجتمعات البيولوجية البحرية المدرجة في المنطقة تبعا لطبيعة موطنها. وموقع راس ورك ذو جودة بيئية كبيرة يضم العديد من الأنواع ذات المؤشر الحيوي، والتنوع الكبير للأنواع، سواء الأنواع المحمية أو الأنواع ذات الأهمية التجارية. كما أنها تتميز بتنوع الموائل من قبيل المروج، والكهوف الصخرية..
وأضاف الدكتور الوعماري أن مياه “راس ورك” تعد موطنا للعديد من الموائل والأنواع ذات الأهمية الكبيرة للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري في البحر المتوسط المغربي، مع مناطق مرجانية، ومجتمعات من الطحالب المحبة للضوء، والطحالب من نوع الصخريات (Lithophyllum) و”ميزوفيلوم ” (Mesophyllum) )، و”فيماتوليتون” (Phymatholiton)، والطحالب الحمراء (Rhodophycée)، و حامول البحر (Cymodocea nodosa ) ونباتات بحرية في الكهوف محبة للظلال (Sciaphiles)، ومروج الأعشاب المزهرة البحرية وتتواجد طحالب مختلفة من أنواع ” ليثوفيلوم” ( الاسم العلمي: Lithophyllum ) و”ميزوفيلوم ” ( Mesophyllum ) و “فيماتوليتون” ( Phymatholiton) الموجودة في قيعان الصخور الساحلية الواقعة بشكل رئيسي في المنطقة الغربية من “رأس ورك”. ثم الطحالب الحمراء ( rhodophycée Peysomnelia) الموجودة في الكهوف شبه المظلمة. ومروج بحرية مثل عشب البحر المائل) (Cymodocea nodosa) والتي توجد على الرمال وموزعة على كامل الشريط الساحلي للموقع بين أعماق تتراوح بين 10 إلى 30 مترا. في حين نجد أنواع أخرى مدرجة في القاع الصخري. ويضم الموقع الطحالب الضوئية تحت السطحية التي تستقر على الصخور أو الرواسب المجمعة في قيعان مضاءة بشكل جيد. هذه هي الأنواع الأكثر شيوعا في “رأس ورك” وقد لوحظ وجودها على طول الساحل بأكمله، يضيف الدكتور الوعماري.
ويحتوي الموقع على العديد من المرجانيات والاسنفجيات من قبيل الاسفنجات “الكلاثرين الأصفر” ( Clathrinidae Clathrus) هو من عائلة “كلاثرينا” و “روجنون سبونج” ( Chondrosia Reniformis) من عائلة “الغضروفيات” ونوع “شوندروزيا”. وصفيحة أكسينيل (Axinella damicornis) من عائلة أكسينيليدا ونوع أكسينيلا. وإسفنج مغلف بالزرقة (Phorbas Tenacior) من عائلة ” هيميسدسميدات” ونوع ” فورباس” و “إيبونج الحجر” (Petrosia ficiformis) من عائلة “بيتروسيديا” ونوع “بتروسيا”. ثم المرجانيات والمتمثلة أساسا في المرجان الأصفر المنفرد(Leptopsammia pruvoti) من عائلة “ادندروفيليدا” ونوع “ليبتوبوبساميا” و المرجان البرتقالي (Astroides calycularis ) من عائلة دندروفيليدا ونوع أسترويدس ثم شقائق النعمان المغلفة الرمادية من شعبة اللاسعات (Epizoanthus arenaceus) من عائلة “إيبيزوانثيدا” ونوع “إبيزوانتوس”.
ويذكر أن بعض الأنواع المسجلة في منطقة راس ورك هي أنواع ذات مؤشرات بيولوجية تعيش في مياه نظيفة ومتجددة دون حمولة عالية من الرواسب، مما يعكس جودة المياه الجيدة. كما أن التنوع الملحوظ للأنواع والموائل في هذا الموقع يمنحه جودة بيئية مهمة.
وأكد الأستاذ سعيد ازواغ منسق جهة الشرق لمجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب (GREPOM BIRDLIFE Maroc ) . أن طبيعة موقع راس ورك الصخرية، ونظرا لافتقاره لمرتع ملائم لتغذية الطيور، فان أهميته في علم الطيور (Ornithology) تتجلى في كونه مكان استراحة الطيور البحرية كالخرشنات ( Sternes ) والنوارس (Goéland) ونورس أودوين (Audouin’s Gull)) والنورس أصفر الرجلين (Yellow-footed Gull)، التي تتغذى على بقايا الاسماك المتخلص منها من طرف بواخر الصيد السطحية أو بالجر التي تجوب الموقع ليلا ونهارا. ويعتبر الموقع ايضا مكانا مفضلا لمراقبة الطيور المهاجرة في مجموعات خلال فترتين قبل التوالد (Prénuptial) في نهاية الربيع أو بعد التوالد، بداية الخريف (postnuptiale()، أهمها النسور (النسر الاسمر) والحدآت (Milan Noir) والنحام الوردي و وطائر الكركي(Les Grues Cendrés) والنوارس إضافة الى الطيور المائية (Fou de Bassan et Puffin ).
وأفاد السيد عبد السلام الوعليتي (ABDESLAM EL OAALITI) أحد ساكنة المنطقة أن رأس ورك منتوج سياحي رائع يضم موارد طبيعية جيدة تغري السائح، وأن للمنطقة أهمية بالغة بيئيا واجتماعيا وذات جاذبية سياحيا. ويعد الموقع قبلة للعديد من الزوار والسياح من مختلف بقاع العالم. ويقصد زوار هده التحفة الطبيعية العذراء عدة جمعيات وهواة السباحة والغطس يستمتعون باكتشاف الخصوصيات الجمالية للمنطقة، حيث يقومون بأنشطة ترفيهية وجولات بحرية بقوارب صغيرة يتيحونها أبناء المنطقة.
ويزاول ساكنة المنطقة أنشطة صيد الأسماك التقليدي وبعض الزراعات البورية المعتمدة على التساقطات المطرية القليلة. وأضاف السيد عبد السلام “ولفكك العزلة عن قرى المنطقة تعمل الجهات المعنية الآن على تمديد المسالك إلى القرى المعزولة بفعل الطبيعة الجغرافية الجبلية للمنطقة”. وعبر بعض الساكنة المحلية عن رغبتهم في تسريع الأشغال ليستفيد أهالي المنطقة من الاقبال السياحي المرتقب في فصل الصيف القادم لأن لديهم منتوج سياحي نوعي وفريد بالساحل المتوسطي.
تم إنتاج هذا المقال بدعم من شبكة صحافة الأرض التابعة ل”إنترنيوز” كجزء من “مبادرة الإعلام المتوسطية “