حمل عام 2019 آلافاً من حرائق الغابات حول العالم، ورغم اختلاف المناطق جغرافياً ومناخياً بشكل كبير، لكن هناك سبب رئيسي لحدوثها… البشر.
أسباب حرائق الغابات
تحتلفُ الآراء لدى العامة حول السبب، بينما يعمدُ أصحاب المعالي إلى رمي المسؤولية على الطبيعة غالباً. هنا يصدقُ العامة ويكذب المسئولون وهذا ليس بجديد. للوقوف على الأسباب الحقيقية اتصل مركز فيريل للدراسات بأصحاب العِلم والأبحاث. هو مركز أبحاث الطبيعة العالمي بفرعه WWF DEUTSCHLAND وهي اختصار لـ World Wide Fund For Nature في ألمانيا وابتدأت الأجوبة على تساؤلاتنا كالتالي:
حوالي 4% فقط من حرائق الغابات تُسببها الطبيعة كالصواعق “البرق”.
والباقي؟
جرى الحديثُ عن الاحتباس الحراري، فلم يُصنّفهُ المركز بسبب أول! فالسبب الأول هو الأنشطة البشرية، وتكون مُتعمدة أو غير متعمدة.
البشر هم السبب بحدوث 96% من حرائق الغابات حول العالم… وسوريا ولبنان من العالم وليست من كوكب المشتري…
هناك الإهمال كإشعال النار لتحضير وجبة شواء في الغابة. رمي عقب سيجارة. أعطال خطوط الكهرباء. وهناك الحرائق المتعمّدة وهدفها الحصول على مساحات خضراء للزراعة ويقوم بها غالباً أصحاب أرض مجاورة للغابة، أو بهدف الحصول على الفحم، أو لأهداف تخريبية وسياسية، للقضاء على الغطاء النباتي لمنطقة أو دولة ما أو حرق محاصيل زراعية وضرب اقتصاد الدولة.
مثلث النار
ويُطلق عليه بالألمانية Feuerdreieck. كي يحدث حريق بشكل طبيعي نحتاج لثلاثة عناصر من الطبيعة: حرارة، أوكسجين ومواد قابلة للاشتعال. غياب أي عنصر “شرط” يعني عدم حدوث حريق. سوف نرى توضيحاً بعد قليل حول حرائق سوريا ولبنان.
في الطبيعة، ترتفعُ الحرارة صيفاً فيتحقق الشرط الأول. الأوكسجين موجود بشكل طبيعي وهو الشرط الثاني. الأعشاب والأحراش اليابسة تحقق الشرط الثالث… تمهلوا، الحريق يحتاج لشرارة وتأتي من البرق ومنه البرق الجاف كما حدث في سيبيريا، أو حمم البراكين. في حالات نادرة جداً تحدث الشرارة نتيجة احتكاك الأعشاب اليابسة الحارّة بفعل الرياح أو بسبب احتكاك الصخور أثناء الانهيارات…
بالنسبة لسبب الاحتباس الحراري، فيعود لإنتاج الغازات الدفيئة التي تمتصُّ الأشعة فوق البنفسجية فترتفعُ حرارة الغلاف الجوي، وبالتالي تكون عاملاً مساعداً بزيادة الحرائق.
عوامل تُساعد على انتشار الحرائق
معظم حرائق الغابات تكون صيفاً، بسبب الجفاف وانخفاض نسبة الرطوبة وارتفاع الحرارة ويباس المزروعات والأعشاب. كما تساعد الرياح على انتشار الحرائق وتزيد من اشتعالها بسبب تزويد النيران بالأوكسجين اللازم. كما أنّ النيران أسرع انتشاراً في الغابات الجبلية بوجود الرياح من المناطق السهلية.
ماذا حدث في سوريا؟
الشريط الساحلي أعلى حرارة من الصحراء!!
بالعودة لما ذكرناه قبل قليل؛ نجدُ أنّ حرائق القمح في الصيف كانت بفعل فاعل… فاعل لم يظهر ولن يظهر.
بالنسبة لحرائق الأيام الماضية في غابات الساحل السوري واللبناني. أحصى مركز فيريل للدراسات 133 حريقاً في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص و104 حريق في لبنان. وبسبب تشابه ما حدث في سوريا ولبنان لدينا الملاحظات التالية، وعلى المسئولين أن يُجيبوا على الأسئلة الواردة بصمت:
أولاً: هل يُعقل أن يشتعل 133 حريقاً في سوريا و104 في لبنان بسبب طبيعي؟! “رجّح مسئول دائرة الحراج اندلاع الحرائق وتوسعها لانخفاض نسبة الرطوبة التي وصلت إلى 10% وسرعة الرياح… ثم الظروف الجوية وأيّ مصدر احتكاك…”. لحظة لو سمحت؛ هذه عوامل مُساعدة على الانتشار فقط، من أين جاءت الشرارة الأولى؟ من الاحتكاك؟ 237 حريقاً سببهم الاحتكاك نفسهُ!!
حتى المحافظ راح يُدلي بمعلوماته القيّمة: “سبب الحرائق ارتفاع درجة الحرارة والرياح الشرقية التي أدت لاتساع رقعة الحريق… التحقيقات جارية لمعرفة أسبابها إن كانت بفعل فاعل، لكنني أستبعدُ أن تكون مقصودة…” لا يا سيادة المحافظ، الحرائق، وعلى مسؤولية مركز فيريل للدراسات، مقصودة وبفعل “فواعل” وهي على وزن “دواعش” هل لاحظت ذلك؟
المدير العام للدفاع المدني اللبناني، ريمون خطار قال: “الرياح الساخنة أدت مساء الإثنين لتأجيج الحرائق “المشتعلة”، واندلاع أخرى في مناطق مختلفة من البلاد”. صحيح، تأجيج المشتعل وليس إشعال اليابس، السؤال: كيف اشتعلت، من أين جاءت الشرارة الأولى؟.
ريمون خطّار كان صريحاً: “الحريق الذي يندلع عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل يطرح علامات استفهام”…
لماذا لم تحدث حرائق في شمال فلسطين ولواء اسكندرون المحتل رغم تشابه الظروف الجوية تماماً؟!!!
ثانياً: لماذا لم تحدث هذه الحرائق في الصيف عندما كانت الظروف المناخية مماثلة تماماً لهذه الفترة؟ حرائق كبيرة في منطقة القرداحة رغم أن الرطوبة فيها أعلى من لواء اسكندرون!!
ثالثاً: لماذا لم تحدث حرائق شمال فلسطين وفي لواء اسكندرون المحتل أو في ريف إدلب الغربي وزيتونه وهي بنفس الظروف المناخية والغطاء النباتي؟ شاهدوا الصورة مع نسبة الرطوبة. للمعلومات: نسبة الرطوبة في القرداحة كانت أعلى منها في لواء اسكندرون
رابعاً: لماذا حدثت معظم الحرائق بعد منتصف الليل، حيث تنخفض درجة الحرارة وترتفعُ نسبة الرطوبة، ولم تحدث في فترة التسخين الأعظمي في النهار؟
خامساً: سبقَ وحدثت مراتٍ حرائق في الغابات، كحريق رأس البسيط وحريق غابات الفرنلق صيف 2007، لكنها كانت وحيدة ولم تكن بهذه الشمولية، وهذا لم تشهدهُ سوريا في تاريخها.
سادساً: ألم تحدث حرائق في الصيف؟ ماذا فعلت الحكومة الرشيدة لدعم رجال الإطفاء بمعدات حديثة؟ هل هناك أهم من دعم رجال الطوارئ؟ السؤال الذي نتوجّه به للحكومة: هناك حالة عدم استقرار جوية قادمة، قد تسبب فيضانات، سننشر عنها في صفحة الفيس بوك يومياً، نتمنى ألا تتطور كثيراً، ماذا أعددتم لها؟ سبب الإهمال أنّ حالات الطوارئ كالحرائق والفيضانات، ليس فيها تصوير… يا أصحاب المعالي…
من يقف وراء الحرائق؟
لن نتهم أحداً دون دليل ملموس، رغم وصول عشرات الرسائل والأسئلة لمركز فيريل للدراسات حول أنّ جماعة كتائب فلان هي التي فعلتها، لكن دون دليل، لهذا لا نأخذ بها معذرةً. فالحرائق شملت لبنان أيضاً. هنا نجيبُ على بعض الأسئلة ونطرح بعض الملاحظات، عسى أن تفيد القرّاء قبل المسئولين:
أولاً: يستطيعُ مشروع هارب إحداث حرائق، وهذا الاحتمال مُستبعد، فهو يحتاج لطاقة كبيرة جداً ومركز رئيسي قريب لتأمين الانعكاس، وهو ما لا يمكن تحقيقهُ، خاصّة وأنّ قاعدة حميميم وقواعد الدفاع الجوي يمكنها اكتشافهُ.
ثانياً: بتاريخ 2 آب 2019، ألقى فرع الأمن الجنائي في اللاذقية القبض على شخص يدعى (حسام . و) من مواليد 1985. بعد التحقيق تبيّن أنّ لديه 20 سابقة بإحراق أكثر من 700 دونم من غابات ريف اللاذقية “التفحيم” في ريف اللاذقية. حيث كان ينقل الفحم بشاحنة “مسروقة” لتاجر فحم، وله أكثر من 8 شركاء… السؤال: هل ألقيتم القبض على تاجر الفحم والشركاء؟ ألا يؤكد هذا أنّ هناك فاعل للحرائق؟
ثالثاً: ليس هناك فاعل واحد أو مجموعة واحدة. هي عدة مجموعات مرتبطة أو منفصلة، قد تختلفُ في أهدافها من هذه الجريمة القذرة، لكن يبقى الهدف الرئيسي هو التخريب وتدمير الغابات وإلحاق الأذى بمناطق مُعيّنة لأسباب انتقامية، وضرب مواسم زراعية وبالتالي ضرب الاقتصاد ولقمة عيش الشعب.
رابعاً: بما أنّه هناك أكثر من فاعل وأكثر من جهة، لهذا نضعُ الأسباب التالية الإضافية لكنها ليست رئيسية… “التفحيم”، ويمكن للسلطات المختصّة، إن أرادت كشف جزء من الفاعلين، أن تراقب “تجّار الفحم” وتسألهم عن مصدره… عسى ألا يكون الجواب: “من غابات سيبيريا المحروقة”… كما نضعُ في مركز فيريل للدراسات احتمال قيام أشخاص بافتعال حريق بسبب عداوات شخصية مع آخر، لحرق بستانه مثلاً، حيث أنهم يرون أنّ “الطاسة ضايعة”. هذا ما أفادنا به أحد المراسلين في منطقة وادي النصارى. هناك أيضاً أناس تستفيدُ من بوليصة التأمين أيضاً خاصة في لبنان. وهو ما يحدث هنا في برلين، تذكرون كم نشرنا عن حرائق السيارات والمنازل ليل السبت بشكل شبه أسبوعي.
خامساً: الفاعل لم يأتِ من مدغشقر، وليست مؤامرة خارجية. هو أدرى بالمنطقة وبطريق الوصول لهدفه، ويعرف أين يحرق وكيف يختفي دون أن يراه أحد.
ختاماً
يمكن أن نعذرَ مسئولاً لعدم تصريحه بوجود فاعل للحفاظ على مجريات التحقيق، شرط أن يعملَ على إلقاء القبض على هذا الفاعل وتقديمه للعلن وعلى الإعلام… طبعاً على فرض وجود إعلام يحترم عقول الناس، لا إعلام ينسبُ سبب الحرائق لكوكب المشتري كما حدث صباح الثلاثاء في برنامج على إحدى الفضائيات السورية… الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والاحترام للشعب والدفاع المدني الذين أدّوا واجبهم على أكمل وجه…
الدكتور جميل م. شاهين.
Firil Center For Studies, FCFS Berlin Germany
للإشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا