لا بد من متابعة المزاج العام في الشارع الصهيوني وإقباله الحار على التطرف اليميني خاصة إذا كان المجتمع بكل تناقضاته يحاول اللجوء إلى نوع من التطرف ظنًا منه في لا وعيه الجمعي أنه يؤمّن له حماية مطلوبة في ظل التراجع السياسي والأمني والخوف من المستقبل على وجود الكيان ككل.
إيتمار بن غفير محام وناشط سياسي إسرائيلي، رئيس فصيل “العظمة اليهودية” (عوتسما يهودت)، وأحد أعضاء الكنيست بات ظاهرة بارزة على الساحة الداخلية بعد تبعات اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين في مثل هذه الأيام من عام 1995.
تعود أصوله اليهودية إلى العراق، في أول حياته السياسية انتمى إلى حزب “موليدت”، الذي دعا إلى تهجير الفلسطينيين من إسرائيل، مرورًا بحزب “كاخ” الإرهابي، وصولًا إلى حزب “الصهيونية الدينية”. عرف بنشاطه العدواني على العرب وعلى المسجد الأقصى، وبرز مدافعًا عن عناصر اليمين المتشدد المتهمين بارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين، بما فيها الهجوم على عائلة دوابشة بقرية دوما بالضفة الغربية، التي شملت إحراقها، وقتل ثلاثة منها.
على وقع هتافات أنصاره عاليه ” الموت للعرب” ربما نشهد على موجات متطرفة عدوانية أعلى ضد الفلسطينين مع تسلمه وزارة الأمن الداخلي فهو لا يؤمن إلا بالقوة وفرض الأمر الواقع مستعيدًا بذلك فورة بعض الشخصيات التاريخية المتطرفة للكيان الصهيوني المتلبسة بلبوس ديني، أمثال الحاخام مائير كاهانا الذي قُتل في الولايات المتحدة في 1990، والوزير رحبعام زئيفي الذي اغتاله مقاتلو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في القدس المحتلة في 2001.
فيما تبدو حظوظه وحظوظ بعض الأحزاب اليمينة كبيرة فإنها ستفرض حضورها وسياستها على الحكومة المقبلة مما سيدفع بالصراع إلى مستويات لن تتحكم بها حكومة نتانياهو الذي يخشى من سطوة هؤلاء على المشهد العام في ظل تعقيدات إقليمية ودولية ليست إسرائيل بمعزل عنها.
كحال سابقيه فإنه يدعو إلى طرد الفلسطينيين، وتحويل إسرائيل إلى دولة يهودية بالكامل بالقوة، مما قد يجعله وفق بعض الاستطلاعات القوة الحزبية الثالثة في الكنيست المقبل، بعد الليكود بزعامة نتنياهو، و”يوجد مستقبل” برئاسة يائير لابيد.
السؤال أن المخاوف الأمريكية ستكون فعلية وجدية من تصاعد نجم بن غفير حيث سيضر بما تدعو إليه واشنطن من حل الدولتين وإن كان ذلك شكلا ومجرد أنها لا تعدو كونها تمنيات يستعملها الأميركيون في خطابهم السياسي الانتخابي الداخلي أو على مستوى العالم لتصوير أنفسهم أنهم في موقع الوسيط النزيه والعادل هذا من جهة ومن جهة ثانية سيفقد واشنطن هامش المناورة والتأثير على الحكومة الإسرائيلية في مقاربة الملفات السياسية مما سيخلق نوعا من التوتر في العلاقات اللهم إلا إذا شكلت عودة ترامب تقاطعًا ما مع اليمين الإسرائيلي وأعادت خلط الأوراق الأقليمية.
مع العلم أن بن غفير، سبق له أن اتهم رئيس الحكومة الحالية يائير لابيد بأنه حوّل إسرائيل إلى “محميَّة” أمريكية، وانصاع لسياسة واشنطن في جميع الملفات، بما فيها الاتفاق النووي الإيراني، وترسيم الحدود البحرية مع لبنان، والعلاقة مع الفلسطينيين وغير ذلك مما ينبىء بتوترات حتى مع الدول التي سلكت طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني.
إن حقائق الماضي وشواهد الحاضر تؤكد أن التطرف اليميني يريد العيش فوق الجثث والدمار في وقت تعيش المجتمعات العربية والإسلامية انقاسامات وتمزقات وليس بينها بين وحدة حقيقية على قضاياها الاستراتيجية والمصيرية، فكل دولة منها تفكر في امتصاص تبعات الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصاداتها وحماية أنظمتها، فيما تترك فلسطين وأهلها لوحدهم في المواجهة التي ستستعر أكثر مع صعود التطرف والعنصرية.
باعتقادي على المستوى الداخلي الللبناني المعقد اليوم من الضروري التنبه لمخاطر المشهد الإقليمي مع عودة اليمين الصهيوني وانعكاساته على البلد الذي هو بمسيس حاجة إلى تعزيز جبهته الداخلية على المستويات كافة في حين نجد التلهي وتضييع الوقت والتشبث بالأنانيات والحسابات الفئوية والشخصية فلا من سياسة ولا من سياسيين بل جماعات متشرذمة تحكم بلدًا مقهورًا ينتظر طوق نجاة عساه ألا يطول !
إنه ضرب من المستحيل أن نتوقع شيئا من دولنا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية اليوم شيئًا سوى البيانات والمواقف التي تطلق في الهواء بينما الغطرسة الصهونية تعزز ونحن لا زلنا نتقن البكاء على الأطلال وغاية ما نتمناه أن نركب الأمواج بحثًا عن ملاذات آمنة من الجوع والخوف.