الاحدثفلسطين

تهديدات الإدارة الأمريكية بوقف الإمدادات العسكرية لاسرائيل لا تتجاوز الاعلانات الشفهية | بقلم د. عوض سليمية

التوتر “الظاهر” في العلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة يضيف مزيدا من ضوء النهار على اتساع نطاق حالة التمرد التي ينتهجها رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو في الرفض المتكرر لطلبات الادارة الامريكية بهدف الحفاظ على وظيفته عبر تماسك تحالفه اليميني المتطرف. هذا الموقف يفرض تحديات على مصالح الولايات المتحدة الحيوية في الشرق الاوسط وعبر العالم، الامر الذي زاد من عزلة واشنطن على الساحة الدولية، وكان احدث اصدار لهذه الحقيقة، ما أكده التصويت الاخير يوم 10 ايار/ مايو في الجمعية العامة للامم المتحدة وكانت نتيجته حيازة فلسطين على 143 دولة تدعم حصولها على العضوية الكاملة في الامم المتحدة، مقابل معارضة 9 اصوات فقط بمن فيهم امريكا واسرائيل. وكان قد سبق هذا التأييد الواسع من قبل برلمان العالم، الاجماع الدولي لاعضاء مجلس الامن – أيّده 12 عضواً وعارضته واشنطن وامتنعت بريطانيا وسويسرا عن التصويت، على احقية فلسطين كدولة كاملة العضوية في الجمعية العامة للامم المتحدة، بتاريخ 19 ابريل.

استشعارا لهذا الخطر، دفعت الادارة الامريكية لاول مرة منذ بدء العدوان على الشعب الفلسطيني بتاريخ 7 اكتوبر من العام الماضي، للتهديد بوقف توريد صفقة سلاح الى اسرائيل – تشمل 3500 قنبلة ذكية تتراوح بين 2000 رطل و500 رطل، بهدف الضغط على حكومة نتنياهو لوقف قتل مزيدا من المدنيين الفلسطينيين ووقف القصف العشوائي على قطاع غزة، والحيلولة دون اجتياح مدينة رفح التي يسكنها قرابة 1.5 مليون نازح، معظمهم قدمو من مناطق شمال القطاع والمناطق الوسطى الذي تعرضت بنيتها التحتية لتدمير شامل بفعل الهجمات الاسرائيلية المستمرة. في هذا السياق، قال الرئيس بايدن إنه “سيوقف شحن الأسلحة الهجومية الأمريكية إلى إسرائيل، والتي أقر بأنها استخدمت لقتل المدنيين في قطاع غزة، “إذا مضت اسرائيل قدما في غزو بري لمدينة رفح”.

في خطوة للوراء تُظهر ان زوايا المراقبة وطريقة فهم القضية في واشنطن لا ترى الا من العدسة الاسرائيلية، سريعاً تراجعت الادارة الامريكية عن مواقفها المُعلنة تجاه وقف صفقة السلاح، في تقرير قدمه إلى الكونجرس يوم الجمعة 10 ايار/مايو، قال كبير الدبلوماسيين الامريكيين أنتوني بلينكن “ليس من الممكن التحقق مما إذا كانت إسرائيل قد استخدمت أسلحة أمريكية الصنع في غزة بطريقة تنتهك القانون الدولي”. وفقا لــموقع Axios، وزعم بلينكن في تقريره إن “الولايات المتحدة تلقت تأكيدات «موثوقة ومقنعة» “credible and reliable” من إسرائيل تسمح للولايات المتحدة بمواصلة تقديم المساعدة العسكرية”.

تقرير بلينكن المنافي للحقائق على الارض، يؤكد من جديد عدم قدرة الادارة الامريكية على الدفاع عن خطوطها الحمراء. ويبدو ان الرئيس بايدن ادرك سريعاً انه لا يستطيع ممارسة نفوذه الهائل على اسرائيل بقطع توريدات السلاح، لانه ببساطة يحاول تجنب مواجهة مباشرة مع لوبيات اسرائيل في واشنطن، خاصة مع انطلاق انشطة الحملة الانتخابية الرئاسية واقتراب موعد انعقاد المؤتمر العام للحزب الديموقراطي. وآخر ما يريده بايدن هو مواجهة لوبي اسرائيل القوي الذي سيلاحقه بالمطرقة السياسية والمالية. الى جانب، سلاح معاداة السامية المدعوم من الاغلبية في الكونجرس من كلا الحزبين لاخماد الاصوات المنتقدة لاسرائيل. وبالتالي يحاول بايدن تجنب تكرار سيناريو المواجهة الذي عصف بسياسات سلفه اوباما، عندما فكر في حل الدولتين ومحاولة ممارسة نفوذه على اسرائيل، لكنه فشل في النهاية.

يبدو المشهد السياسي امام الرئيس بايدن اكثر تعقيدا مما توقع ويكشف عن خيارات باتت محصورة. من ناحية، يدرك بايدن ان مجرد التفكير في ممارسة نفوذه على اسرائيل لوقف الحرب، عبر اعاقة تدفق شحنات السلاح و/او التهديد بتجميد رزم المساعدات المالية من جيوب دافعي الضرائب الامريكيين، و/او رفع الغطاء الدولي عن اسرائيل في محكمة العدل الدولية او الجنايات الدولية او مجلس الامن الدولي، يعني ببساطة انه لا يغامر فقط بمستقبله السياسي كرئيس للولايات المتحدة وارثه السياسي الداعم لاسرائيل منذ عقود، بل ان هذه المغامرة سوف تمتد لتشمل قلب مقاعد حزبه الديموقراطي في غرفتي الكونجرس (الشيوخ والنواب) لصالح منافسه ترامب.

من ناحية اخرى، يعلم الرئيس بايدن ان الدعم اللامحدود لاسرائيل سوف يزيد من فجوة الانقسام الحاصلة بين جناحي الحزب- الجناح التقدمي الليبرالي الذي يدعم الحق الفلسطيني والحرس القديم الداعم لاسرائيل، بالاضافة الى قناعاته بخسارة ملايين البطاقات الانتخابية لابناء الجاليات (العربية والاسلامية، اللاتينية، الاسيوية والافريقية…)، وطلاب الجامعات، من انصار الحق الفلسطيني في الولايات المتحدة – وهم قاعدة انتخابية محسوبة في الغالب على الحزب الديموقراطي.

في خضم الفوضى، لاحت هناك فرصة لكنها سرعان ما توقفت، ناورت الادارة الامريكية في المساحة المسموح لها من قبل محامي اسرائيل، (اللوبي). وهي محاولة تمرير صفقة تبادل اسرى، تاخذ بعين الاعتبار خطوط نتنياهو الحمراء الجديدة، ومارست فيها واشنطن عبر ممثلها مدير الــ CIA  اقصى درجات النفوذ والضغط على الفصائل المسلحة في قطاع غزة عبر وسطاء التفاوض. بما فيها من بين امور اخرى، (تجاهل مطالب الوقف الشامل للحرب واستبداله بعبارات فضفاضة من قبيل “وقف مستدام”، عدم انسحاب الجيش الاسرائيلي من قطاع غزة، ضرورة نزع سلاح الفصائل المسلحة، عدم عودة النازحين الى شمال القطاع الا ضمن شروط اسرائيل…). هذه المهمة المستحيلة للادارة الامريكية والاشبه بتربيع زوايا الدائرة، كان ينظر اليها البيت الابيض على انها طوق نجاة لسياسات الادارة الغارقة، تستطيع من خلالها استرضاء أطراف القاعدة الانتخابية والحلفاء معا، من زاوية، تهدئة الغليان داخل القاعده الشعبية للحزب الديموقراطي مع اعلان نجاح صفقة التبادل المتوقعة، من زاوية اخرى، عدم تجاوز خطوط اللوبي. لكن سرعان ما إنهارت هذه الآمال مع رفض نتنياهو مقترح الوسطاء.

في الواقع، تهديدات بايدن بتعليق شحنات السلاح  ليست المرة الأولى التي يهدد فيها رئيس أمريكي بشرط تقديم المساعدة لإسرائيل. تاريخياً، أوقف الرئيس رونالد ريغن شحنة من قذائف المدفعية والقنابل العنقودية في عام 1982 أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان بسبب تقارير تتحدث عن تجاوزات للجيش الاسرائيلي للقانون الدولي. كما أوقف ريغن شحنة طائرات إف -16 في عام 1983 حتى انسحبت إسرائيل من لبنان. لكن المؤشرات تقول، ان بايدن ليس رونالد ريغن، وأن امريكا ماضية في توفير كل ما تحتاجه اسرائيل من سلاح امريكي على الرغم من انتهاكاتها الصارخة للقوانين الدولية وحقوق الانسان في قطاع غزة والاراضي الفلسطينية عموماً.

بينما يحاول الرئيس بايدن التحرك بين الحلقات في محاولة منه لتعقيم سجله الانتخابي كمرشح رئاسي عائد، إلا ان ما يصدر عنه من تهديدات بقطع الامدادات العسكرية في حال اقدمت اسرائيل على اجتياح لمدينة رفح لم تعد مكسوة بالحديد، وهي مجرد مناورة داخلية لتحسين وضعه الانتخابي المتدهور. وهي خطوة يصعب تصديقها، لا سيما عند النظر في سجله التاريخي المؤيد لاسرائيل.

د. عوض سـليميـة

حاصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية في تاثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية تجاه القضية الفلسطينية من جامعة university utara Malaysia. زميل ابحاث ما بعد الدكتوراة في السياسة الخارجية الأمريكية. مدير برنامج السياسة الخارجية الامريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى