خلف القضبان وليس أمام الكونغرس ، قد تكون هذه المقولة التي أطلقها الشباب الأميركي بوجه نتنياهو هي الأكثر انطباقا على ما هو مطلوب تجاه مجرم حرب ملوث بالدم الفلسطيني .
بعض المجرمين ومنهم نتنياهو يحالفهم الحظ، ويخدمهم بحيث يتيح لهم المثول أمام مؤسسات دولية ومنتديات يغلب عليها طابع المصلحة أكثر من طابع المبادىء والقيم ، فيتحول المجرم الى زعيم ، والضحية الى مدان ، يستفيدون من صراعات جانبية ليوظفوها في تبرير جرائمهم ، هذا ما حصل في الولايات المتحدة التي تعيش حالة صراع ومزايدات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حساب الدم الفلسطيني
الحزب الجمهوري وجه دعوة لنتنياهو لإلقاء كلمة أمام الكونغرس بمعزل عن الجرائم الإنسانية التي يرتكبها بحق شعب أعزل يدافع عن حقوقه في تحرير وطنه وارضه المغتصبة .
يبدو أن متلازمة الهنود الحمر في أميركا تكرر نفسها الآن في فلسطين وبصور أبشع، لذلك لا تخجل الطبقة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة من الوقوف الى جانب المجرم ، ولا مانع لديها من تكرار تجربة الهنود الحمر مرة أخرى.
جاءت الدعوة للتحدث أمام الكونغرس في سياق الصراع الدائر بين الحزبين ، وفي سياق المزيدات التي تحكم سلوك الحزبين في إطار المعركة الإنتخابية الرئاسية ، لم يعارض الحزب الديمقراطي الدعوة .
حاول بدوره استغلالها في استقطاب اللوبي الإسرائيلي في الولايات من جهة ، والمزايدة على الحزب الجمهوري من جهة أخرى ، وفي نفس الوقت امتنع عدد من النواب والسناتور الديمقراطيين عن الحضور ورفضوا المشاركة في جلسة الكونغرس حيث أكاذيب نتنياهو .
جرى استقبال شبه مميز لنتنياهو ، رغم إدراكهم الأكيد انه مجرم حرب ، وانه مهزوم في غزة رغم المجازر ، وان نصف مجتمعه يقف ضده ويطالبه بالإستقالة، وغالبية الرأي العام العالمي يتهمه بأنه مجرم ويمارس إبادة جماعية تخطت مفاهيم وسلوك التهديد والفصل العنصري .
حاول نتنياهو أن يظهر كزعيم وكمقرر سياسي عن الولايات المتحدة ، برر جرائمه بحزمة من الأكاذيب ، وجه البوصلة نحو إيران محملا إياها مسؤولية تداعيات ما يجري في الشرق الأوسط ، كل ذلك في سبيل إظهار انه يدافع عن المنظومة الغربية التي ينتمي اليها ، وعن النظام الرأسمالي الحر ، والنموذج الغربي الذي يتعرض لهجوم في الشرق الاوسط تقوده إيران واذرعها في المنطقة ، وان ذلك يقتضي تكافل الغرب للدفاع عن الحضارة الغربية ،ومن جهة اخرى هو يريد ان يخلق عدو ليبرر طلباته التسليحية باطنان القنابل والصواريخ . .
كمية من الأكاذيب ساقها نتنياهو أمام الكونغرس الذي صفق له بلا حياء ، بينما الصوت الأميركي الحقيقي كان في الخارج يطالب باعتقاله ويصفه بمجرم الحرب .
سعى نتنياهو لتعزيز دوره وموقعه أمام بايدن ونائبته المرشحة لإنتخابات الرئاسة كمالا هاريس .
الجو في الخارج تسابق مع ١٢٠ نائبا رفضوا الحضور ، كان الجمهور في الخارج ينادي باعتقال نتنياهو وطرده ، وان مكانه السجن كمجرم حرب وليس في الكونغرس .
حاول نتنياهو اخفاء معاناة جيشه في غزة ، وانه عجز عن حسم المعركة وتتضارب مصالح الجيش الذي يتطلع الى الإنسحاب مع مصالح نتنياهو الذي ما زال يسعى الى اقتناص نصر مهما كان صغير ليغطي به خيبته التي تتفاقم كل يوم ، لن تنجح محاولات ترميم قدرات الجيش الإسرائيلي عبر صفقات الأسلحة في اعادة الروح المعنوية التي فقدها في السابع من اوكتوبر .
نتنياهو أمام منعطف تاريخي ، هو يستجدي الدعم الأميركي ، في لقائه في الكونغرس ومع الرئيس بايدن ومع كمالا هاريس يحاول الترميم والإستدراك ليطيل عمر حكومته وبقائه كرئيس للوزراء للإفلات من العقاب ، واطالة عمر كيانيه الذي بدأ يقر نخبه الفكرية والسياسية وبعض من قادة قيام هذا الكيان انه الكيان بات امام موقف مصيري، وانه امام موقف وجودي، وان تطور الاوطاع لا تخدم استمراره مهما بلغ مستوى الإجرام الذي يمارسه نتنياهو وجيشه .
ستماية الف اسرائيلي غادروا الى الخارج دون عودة ، وهذا التساقط مرشح لأن يتطور بحيث تتحقق نبوءة سماحة السيد بان هذا الكيان قد لا يكون محتاجا لمعركة فاصلة كبرى لكي يضمحل وينتهي ويعود الحق الى اصحابه .