قرأت وسمعت الكثير من السياسيين والمحللين والخبراء عن أن رئيس الحكومة الصهيونية في الكيان الصهيوني المؤقت لا يريد إنهاء الحرب على غزة ويريد توسيعها باتجاه لبنان والجمهورية الإسلامية في إيران وتوريط الولايات المتحدة في هذه الحرب ، والسبب برأيهم أن نتنياهو يريد الهروب الى الأمام ومنع محاكمته بتهم الفساد والحفاظ على مستقبله السياسي .
وبصراحة فإن ما تقدم ، لا يمكن أن يشكل أساساً صالحاً ومبرراً مقبولاً ، لا في إسرائيل ولا في الغرب ولا عند محور المقاومة ، ولا يمكن أن يُقبل عقلياً ومنطقياً كسبب لإستمرار الحرب على غزة لأكثر من عشرة أشهر وما رافقها من تهجير أكثر من مليوني ونصف فلسطيني وتدمير قطاع غزة بكامله وقتل وجرح حوالي 150 ألف إنسان .
لكن التحليل الموضوعي والمنطقي والعقلاني يهدينا الى الأسباب الحقيقية لهذه الحرب المجنونة ، ولقد تناولت هذه الأسباب في مقالات سابقة وأهمها : أسطورة إسرائيل الدينية _ الطاعون الفلسطيني والنووي الصهيوني ، مخطط إسرائيل الإستراتيجي ، أما الآن فإنني أكمل ما بدأته .
يقول روجيه غارودي في كتابه محاكمة الصهيونية ما يلي :
“… نذكر بأن إسرائيل لا تتوقف عن بناء المستوطنات وقضم الأراضي الفلسطينية التي تسيطر على 96% منها ….
على هذا الطريق قطع نتنياهو مسافات جديدة لكي يبقي القدس بين مخالبه ( على الرغم من قرار الأمم المتحدة رقم 242 الذي يشدد على إستحالة ضم أراضي بالحرب ويفرض على القوات الإسرائيلية الإنسحاب من الأراضي المحتلة ) ففتح في القسم العربي من القدس ، في بارحوما ، ورشة بناء مستوطنات تتسع لألفي مسكن مخصصة لسكن اليهود فقط ويرفض الإلتزام بالتعهدات التي تم التوقيع عليها في إتفاق أوسلو باسم دولة إسرائيل ، كإنسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة ، فيخرق الإتفاق عامداً متعمداً على الرغم من الإحتجاج الدولي.
وفي مدينة الخليل يبقي نتنياهو الوضع قابلاً للتفجير في أي لحظة ، ففي وسط 120 ألف فلسطيني من سكان المدينة استقر 500 مستوطن يهودي هم بالذات رشاشو العطر وزارعو الورد على قبر السفاح باروخ غولدشتاين لأنهم يرون فيه بطلاً ، وفيهم تعشعش روح الحزب القومي الديني الذي يزعم أنه يوحد بين الدين اليهودي التقليدي والقومية اليهودية داخل الصهيونية السياسية بإضفاء الشرعية الدينية على بناء المستوطنات …
ويتابع روجيه غارودي : ” حتى رئيس دولة إسرائيل عيزير وايزمان يحمل نتنياهو مسؤولية تجميد محادثات السلام وعزلة إسرائيل المتزايدة ، فقد قال وايزمان في نتنياهو : ” فيما مضى استعملني هذا الرجل وخدعني كثيراً أما اليوم فقد طفح الكيل ” ( صحيفة لوموند 2 تموز 1998 ) .
ومع ذلك يمضي نتنياهو في سياسة التطهير العرقي قاطعاً الطريق على أي مفاوضات حول الجولان السورية وحول القدس ولبنان .
ويقول تيوكلين الرئيس السابق للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا لـ كريف إن شعار ” الأمن أولاً ” الذي ينادي به نتنياهو هو مناورة إجرامية ( لوموند 2 أيار 1998 ) وهذا صحيح وبديهي ، إذ كيف يمكن المطالبة بحدود آمنة لدولة تحتل المناطق الحدودية لجيرانها جميعاً ؟ وتخرق على الدوام الإتفاقات الدولية والإتفاقيات التي وقعت مع الفلسطينيين عليها بنفسها في أوسلو ؟ …
إن رئيس الحكومة الصهيونية في الكيان الصهيوني المؤقت الذي احتل فلسطين العربية وطرد سكانها منها ليس شخصا عادياً بل هو سياسي محنك ومجرب ، فهو رئيس حزب الليكود ، وشغل مناصب رسمية في الكيان الصهيوني من منصب مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة الى وزير مالية وخارجية وصحة ورئيس وزراء وهو الأطول مدة في تاريخ إسرائيل حيث خدم لأكثر من خمسة عشر عاماً كرئيس حكومة ، كما أنه أول رئيس حكومة يولد في إسرائيل بعد إعلان قيام الدولة المغتصبة . لذلك فهو يمثل بجدارة وبكفاءة التربية الصهيونية القائمة على الحقد ورفض الآخر .
وبناء على ما تقدم ، يقتضي عدم حصر الحرب على فلسطين وغزة ولبنان بأسباب شخصية لرئيس الدولة الإسرائيلية ففي ذلك تسخيف وتقزيم للقضية الفلسطينية ولدور إسرائيل كقاعدة متقدمة للإستعمار العالمي، ويقتضي بالتالي على الفلسطينين والعرب والمسلمين والأحرار في العالم فهم عقيدة نتنياهو التي هي عقيدة الكيان الصهيوني والشعب الصهيوني ويقتضي فهم أنهما عدوان للإنسانية والتعامل معهما على هذا الأساس. ويقتضي أن نُفهم الصهاينة بأن هذه العقيدة لم ولن تجعلهم آمنين ومستقرين خاصة وأنه قد مضى على احتلالهم لفلسطين 76 عاماً ولم تستطع عنصريتهم إخضاع المقاومين لهم في فلسطين ولبنان واليمن والعراق والأحرار في العالم .
وهنا نذكرهم بصبيحة يوم 14 آب 2006 يوم عادوا خائبين من لبنان العزيز ، في حين عاد الجنوبيون الى أرضهم وبيوتهم في مسيرة عنفوان وفرح وفخر قل نظيره في حمى المقاومة وعموم الشعب اللبناني .