الاحدثمراجعة كتب

الحالة الخطيرة لدونالد ترامب

صدر كتاب “الحالة الخطيرة لدونالد ترامب” (The Dangerous Case of Donald Trump) في عام 2017 عن دار النشر الأمريكية Thomas Dunne Books، وهو من تحرير الدكتورة بَندي إكس. لي، وهي طبيبة نفسية شرعية وأستاذة في كلية الطب بجامعة ييل. يجمع هذا الكتاب بين دفّتيه مقالات وتحليلات نفسية كتبها 27 طبيبًا نفسيًا وخبيرًا في الصحة العقلية، اجتمعوا ليقدموا تقييمًا مهنيًا وأخلاقيًا لما وصفوه بأنه خطر حقيقي يشكّله الرئيس الأمريكي حينها، دونالد ترامب، على الأمة الأمريكية والعالم بأسره. وقد أتى هذا الكتاب كمحاولة لخرق الصمت المهني الذي يفرضه العُرف الطبي، في سبيل تحذير الجمهور من التداعيات النفسية والسياسية لشخصية تحمل صفات يعتبرها المؤلفون غير مستقرة ومثيرة للقلق، حين تكون في موقع السلطة المطلقة.
يضم كتاب “الحالة الخطيرة لدونالد ترامب” مجموعة من المقالات التي كتبها أكثر من 27 طبيبًا نفسيًا وخبيرًا في الصحة العقلية، عبّروا فيها عن قلقهم العميق من شخصية دونالد ترامب، ليس من باب المعارضة السياسية، بل من منظور مهني وأخلاقي بحت. هؤلاء المتخصصون لا يدّعون أنهم قدّموا تشخيصًا طبيًا رسميًا لترامب، نظرًا لعدم خضوعه لتقييم مباشر، لكنهم يرون أن سلوكياته العامة والمتكررة تُظهر نمطًا نفسيًا يستحق التحذير منه علنًا، خاصة عندما يكون الشخص في موقع قوة قادر على اتخاذ قرارات تمسّ حياة الملايين.
الصفة الأكثر إثارة للقلق التي ناقشها العديد من المشاركين في الكتاب هي ما يُعرف بالنرجسية الخبيثة، وهي تركيبة نفسية شديدة الخطورة، تجمع بين النرجسية الشديدة، جنون الارتياب (البارانويا)، السلوك المعادي للمجتمع، والسادية. النرجسية هنا لا تُفهم فقط على أنها حب مفرط للذات، بل هي شعور عميق بالعظمة والحاجة المستمرة للإعجاب، مقرون بانعدام كامل للتعاطف مع الآخرين. ترامب، وفقًا لهذه التحليلات، لا يتحمل النقد مطلقًا، ويُظهر ردود فعل دفاعية حادة، وغالبًا ما يعكس الاتهامات على خصومه دون التعامل مع مضمونها، مما يدل على منظومة نفسية مغلقة على الذات وعدائية تجاه الآخرين.
الملاحظ أيضًا، حسب تحليل الأطباء، هو اندفاع ترامب المفرط في التصرفات والتصريحات، حيث يتخذ قرارات أو يطلق تغريدات مثيرة دون تروٍ أو مشاورة، مدفوعًا برغبات لحظية أو استجابات عاطفية غاضبة. هذا النوع من السلوك يُعد خطرًا حقيقيًا عندما يصدر عن شخص يمتلك السلطة المطلقة لتفعيل إجراءات عسكرية أو التفاعل مع أزمات عالمية معقّدة. يضاف إلى ذلك غياب واضح للتعاطف في مواقف تستدعي مشاعر إنسانية طبيعية، مثل الكوارث الطبيعية أو الاحتجاجات الاجتماعية، مما يعكس برودًا عاطفيًا، وربما انفصالًا نفسيًا عن الألم الجماعي.
الكتاب لا يكتفي بتحليل شخصية ترامب من الداخل، بل يتناول أيضًا تأثيره على الصحة النفسية للمجتمع الأمريكي عمومًا. الأطباء يؤكدون أن وجود شخصية نرجسية مهووسة بالقوة والانتصار في أعلى هرم السلطة، يترك أثرًا مدمرًا على النفسية العامة، وخصوصًا عند الفئات المستضعفة أو المهمّشة. فقد لاحظوا زيادة في معدلات القلق، والشعور بعدم الأمان، وحتى تصاعد النزعة العنصرية والعدائية في الخطاب الشعبي، وكأن هذه السمات قد شُرعنت بفعل النموذج القيادي الذي يقدّمه ترامب.
من الناحية الأخلاقية، ناقش الكتاب التحدي الذي واجهه الأطباء عند كسر ما يُعرف بـ”قاعدة غولدووتر”، وهي المبدأ الذي يمنع المختصين من تشخيص شخصيات عامة دون فحص مباشر. لكن المشاركين في الكتاب رأوا أن ترامب يمثل حالة خاصة، وأن صمتهم سيكون نوعًا من التواطؤ مع خطر واضح وحاضر. وبالتالي، كان دافعهم الأساسي هو تحذير المجتمع من أن السلوكيات التي تبدو غريبة أو صادمة على السطح، قد تكون انعكاسًا لاضطرابات نفسية عميقة لا يمكن تجاهلها، خاصة عندما تكون مصحوبة بالقوة والنفوذ.
في نهاية المطاف، لا يتعامل الكتاب مع ترامب كشخص فقط، بل كنموذج سياسي ونفسي معقّد، يُعيد طرح السؤال الأزلي: هل يجب أن تُفحص الصحة النفسية لمن يتولى السلطة؟ وهل يمكن أن يُشكّل اضطراب نفسي واحد خطرًا على أمة بأكملها؟ يقدّم الكتاب إجابة غير مباشرة، لكنها واضحة: نعم، إذا اجتمعت في القائد صفات نرجسية مدمّرة، مدفوعة بالارتياب، العدوانية، وانعدام الضمير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى