معرفة الحداثة والاستغراب – حقائق متضادة | عرض سلوى فاضل
على مدى 232 صفحة، يُعالج كتاب “معرفة الحداثة والاستغراب _ حقائق متضادة” مسائل غاية في الأهمية في الفكر الغربي من خلال نقله إياها إلى اللغة الفارسية، ومن ثم، عَبْرَ كلّ من المترجمين مسعود فكري ومحمد فراس حلباوي، إلى اللغة العربية لصالح “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” ضمن سلسلة الدراسات الحضارية، في خمسة فصول غنيّة، أولها: الحداثة وعلم الاستغراب: محورية الإنسان والتاريخ الأخير، والثاني: علم الحداثة الغربي بمثابة التاريخ البشري العام إلى الحداثة بما هي تاريخ غربي خاص، أما الثالث فتحت عنوان: علم الحداثة في الشرق: عملية الانعتاق من الوعي الحداثوي، والرابع: تعميم الحداثة على التاريخ والوجود، واستحالة “علم الاستغراب”، أما الخامس والأخير فقد جاء تحت عنوان: “الاستغراب: الشروط، والإمكانية، والخصائص”.
الميّزات
يتميّز الكتاب بتنوع وأصالة مراجعه الأجنبية والفارسية، بدءًا من إنتاجات الفلاسفة إلى إنتاجات علماء الاجتماع الأوروبيين خصوصاً، والغربيين عموماً، دون الوقوع في فخ الاستلاب والاستغراب.
إذ يحاول مؤلف الكتاب المفكر الإيراني حسين كتشويان نيان معالجة قضية الحداثة والأفكار والنزعات التي راجت في فترة معينة، ويحاول تفكيك أبرز مقولات الحداثة الغربية في كتابه هذا.
غياب تام
لكن ما يفتقد إليه الكتاب، بترجمته العربية، هو تأصيل المصطلحات، من أجل أن يعي القارئ العربي، على الأقل، حجم الهوّة التي تقع على القارئ الفارسي أولا، والعربي ثانياً، هذه الهوة التي هي أزمة حقيقية وكبيرة لا يشعر بقوتها إلاّ المُختص الذي يعاني من اختلافات الترجمات الفكرية، والاجتماعية، والفلسفية من اللغات التي خط بها المفكرون الغربيون مؤلفاتهم ورسموا بها أفكارهم.
الحداثة
فيحاول هذا الكتاب التأسيسي “رسم الخط الفاصل بين دراسة الفكر والمجتمع الغربيين وبين دراسة الحداثة وفهمها”، خاصة أن البحّاثة المسلمين يخلطون بين الحداثة والعلوم والمدارس والتيارات الفكرية، وبين درس الغرب وتبديل مواضعهما.
الاستغراب
و”الاستغراب ظاهرة نفسية، واجتماعية، وثقافية معاصرة، يتميّز الأفراد الذين يجسدونها بالميل نحو الغرب والتعلق به ومحاكاته. و”هو الوجه الآخر للاستشراق، -كما يراه المفكر المصري الراحل حسن حنفي- فإذا كان الاستشراق هو رؤية الشرق فقط، فإن علم الاستغراب يهدف إلى فك العقدة التاريخية المزدوجة بين الأنا والآخر”، و”إلى القضاء على الثقافات المحلية من أجل انتشار الثقافة الغربية خارج حدودها، وهيمنتها على غيرها، واعتبار الغرب النمط الأوحد لكل تقدّم حضاري ولا نمط سواه، وعلى كل الشعوب تقليده والسير على خطاه.
ردم الهوة!
يُساهم الاستغراب في ردم الهوة بين الشرق والغرب، الأمر الذي يؤصل للحوار والجدال بالتي هي أحسن بين الشعوب والأمم المختلفة. بما يمكّن من تلافي الصراع بين الحضارات. وإن كان لا تعريف موّحد للحداثة، إلا أنه يمكن فرز الحداثة إلى نُظم، وثقافة. فهي من حيث الشكل تشمل الاكتشافات والاختراعات البشرية على مدى التاريخ، وخاصة ما بات ضروريا في الحياة اليومية للفرد، وهي غربيّة بامتياز، أما المساهمات الأخرى فيها فهي بمقدار استيعابها للنُظم الغربية وانسجامها معها. مما ولّد الصراع الشرقي- الغربي، وولّد عالم أول /عالم ثالث، والصراع الحداثوي-الرجعي.
“فبعد ثلاثة قرون على انطلاقة الحداثة، صرّح إميل دوركايهم بشكل واضح، أن حصيلة المساعي الرامية إلى تبديل القيم إلى أمور طبيعية لم تكن سوى انتصار ظاهري، لذا لم تحظَ بأدنى توفيق ونجاح”.
ويبقى سؤال حسين كتشويان نيان هو: لماذا لم يستطع مفكرو العالم الإسلامي اعتماد رؤية خاصّة بهم حول العلاقة مع الغرب بعد مرور 100 عام على المواجهة مع الحداثة؟ فيجيب لأننا نلزم التكرار دون أيّ توقف، ولا نضيف على هذه الحداثة، لأنها لا تنبع من ذاتنا. من هنا علينا بحسب نيان معرفة الذات أولاً. فكلما مضينا قُدما في مجال معرفة الذات، سنحظى بامكانية إدراك افضل وأعمق بالنسبة للحداثة الغربية.
أخيرا…
المشكلة الأساس لدى إيران هي افتقاد السؤال والقضايا الخاصّة، باعتبارها محوراً لبرنامج بحثي في مجالات الدراسات والأبحاث مما سيُوصل إلى فهم الهوية الايرانية والأبعاد الخاصة بها. وسيخلص العقل الفارسي نفسه إلى التبعية للمعارف الذاتية الحداثوية.