مُقاربات في فهم الدين | عرض سلوى فاضل
إذا كان الإسلام دين الفطرة، فكيف يمكن أن يكون فهمه عملا علميا على درجة عالية من الخطورة والتعقيد؟ والسؤال الأبرز من ساهم في هذا التعقيد طالما أن الإسلام هو دين التوحيد؟
الجواب برأييّ هو بسبب المدارس الكلامية التي نشأت على هامش الدين بسبب من التفاعل مع التيارات الفكرية المختلفة في مرحلة إنتشار الإسلام في مختلف أنحاء العالم.
يحاول الدكتور حبيب فياض في كتابه الموسوم بـ”مقاربات في فهم الدين” والذي يقع في 189 صفحة من القطع الوسط، موّزعة على أربعة أقسام تشتمل عددا من الفصول، هي: “إشكاليات المنهج والمعرفة في فهم الدين”، والذي يضم في فصله الأول: “مدخل فلسفي: نحو منهج موحد لفهم الدين”. أما الثاني فـ “لاهوت الأديان: مقاربة منهجية ومعرفية”. والثالث: فـ “فهم الدين بين الإيمان والاعتقاد”.
أما القسم الثاني من الكتاب، فيعالج “العرفان، الكلام: الائتلاف والاختلاف”، ويتناول: في فصله الأول “ثنائية المنهج والمعرفة في إطار العرفان والفلسفة”. والثاني: “الفلسفة والعرفان: التماهي والتباين”. والثالث “الفلسفة والكلام: أيّ علاقة؟”.
وفي القسم الثالث يتحدث تحت عنوان “علم الكلام الجديد: ملابسات الهوّية والدور”، ويشرح في فصوله الثلاثة ما يلي: “علم الكلام بين التقليد والتجديد، والثاني “بين علم الكلام الجديد وفلسفة الدين”. والثالث “التجديد في المنهج الكلامي: الشهيد الصدر إنموذجاً”.
ويترك للقسم الرابع الحديث عن: “الدين والمعرفيات الكليّة، والذي يضم في الفصل الأول منه “الدين والفن والتصوّف: رؤية تأسيسية”. والثاني “فلسفة لغة الدين: الأسئلة والإشكاليات”. والثالث “الدين، الفلسفة: المعاصَرة والجديد”.
يأتي هذا الكتاب، الصادر في طبعة أولى عام 2008، ضمن “سلسلة الدراسات الحضارية” التي يُصدرها “مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي المعاصر”. والذي أُعيدت طباعته عام 2017.
الكلام أم علم الكلام؟
برأي الدكتور حبيب فيّاض إن “الكلام في الشيئ غير الكلام عنه” خاصة، أن علم الكلام الجديد يُطرح على نحو يمس القضايا المُستجدة في المجتمعات الإسلامية بعيدا عن الإلهيات والكينونة والنشأة وغيرها من المسائل المرتبطة بالفكر.
فطالبو التجديد في علم الكلام يحاولون الاستفادة من المناهج الحديثة في العلوم الاجتماعية، مع تناول قضايا تهمُّ الإنسان المعاصر، لم يسبق تناولها من قبل، كالمجتمع، والإنسان، والفرد، والحرية، والأخلاق، وحقوق الإنسان، والتجربة الدينية الإنسانية.
ففي الفصل الثالث، يضع الباحث والأكاديمي حبيب فيّاض الإصبع على الجرح من خلال توصيفه الواقع الفكري الإسلامي المُنقسم إلى قسمين بشقيه المعاصر والحديث في مقاربات قد تلامس حقيقة الدين ومقاصده. وما يلفت في بحثه هو اطلاقه تعبير مفكرين دينيين!
كما يأخذ على المفكرين المسلمين تمييزهم بين الإسلام بما هو منظومة نظرية وبين المسلمين بما هم بشر، قد لا تعكس، بالضرورة، سلوكياتهم حقيقة الإسلام.
وهنا يقع المفكر الإسلامي، بشكل عام، وهو منهم، في الاشكالية الكبرى في التمييز ما بين التنظير والتطبيق. فإذا فشل المسلمون بالتطبيق فذلك راجع لأمرين: إما أنهم لا يؤمنون بالإسلام كمنهج كليّ متكامل، وإما لأن الإسلام دين وعقيدة يصعب تطبيقها، وليس سوى عبارة عن نظريات أخلاقية وارشادية لا أكثر، تتدخل في أشد تفاصيل المعيشة سواء العملية والممارساتية العبادية. علما أن الدين بشكل عام في أساسيات أهدافه هو اكتشاف مدى صلاحيته للحياة وللتجديد فيها، ومحاولة تطبيقه بيسر من أجل الخلاص الأخروي.
في كتابه النظريّ هذا، يكشف فيّاض عن مدى قدرة الإسلام الأصيل على تطويع أفكاره العرفانية والكلامية مع الحياة المعاصرة، بعيدا عن الواقع الحياتي الذي لم يتصالح مع الفكر، وعن مدى قوة الفكر الإسلامي “الإيراني” غير العربي، المُتجدد ما بعد الثورة والنهضة الإسلاميتين، والتي أزاحت الفكر الديني الشيعي التقليدي المُهادن للسلطة عن سدة المسرح، وفتحت بابا للخوض بكل ما يمكن خوضه من قلب بابيّ الاجتهاد والتأويل العظيميّن، واللذين امتاز بهما الإسلام الجعفري العظيم.
فالدين ليس مسألة عبادية، كما قد يتصورها الناس أجمعين، بل هو قضية على درجة عالية من التعقيد والتجريد، خاصّة أنه يخوض في عالم الغيب الذي لا زال الخوض فيه بالنسبة للفلاسفة العظام أمراً غير معقول بل غير ممكن!.
أخيرُا.. هو كتاب بحثي ثقافي، يُفيد الطلاب الأكاديميين الذين يبحثون في الجامعات النظرية عن الفكر الديني، وخاصة الإسلامي الذي يُعتبر دين القرن الواحد والعشرين والقرون القادمة.