لا أعرف خبايا ما يحصل في سيول إلا أني أرى التحولات الأوروبية نحو التشدّد والتقوقع.
لا أعرف لماذا الجيش الروسي لم يستطع حسم حربه في أوكرانيا إلا أني أرى نمو وتصاعد نشاط الحركات الانفصالية في سوريا والسودان بعد العراق واليمن.
لا أعرف كامل أسرار انهيار التجربة السوفياتية إلا إني أتابع حركة ميول الفكر العالمي لهدم كل الإنجازات الإنسانية والأخلاقية والميول نحو العدالة والمساواة التي ناضل الآباء من أجلها في كل بلدان العالم في القرن العشرين.
صار الكلام العنصري والطائفي والمتزمت الديني والقومي المتشدد و المناطق والقبائلي والطبقي يأتي بالإعجاب والتأييد بينما الخطاب الوطني المسالم الجامع لكل الناس من كل الألوان والانتماءات والأسماء حول برنامج أخلاقي متحضر وراق يثير السخرية وحتى اشمئزاز البعض.
صار الكلام عن عظمة الخصخصة وعن جماليات الملكية الخاصة المشبعة بالثراء و رفاهية شعوب تملك جيوشا قوية على حساب شعوب تملك جيوشا ضعيفة هو الكلام المقبول والمتعارف عليه كحديث معاصر شبابي.
صار النضال من أجل حقوق الناس بالحياة الكريمة “موضة”قديمة وخطاب خشبي وحديث المسنين.
يتحدث كثيرون بإعجاب عن الخطوات التي سيعمل بها الرئيس الأميركي الجديد في اليوم الأول لاستلامه السلطة بل يضيفون تمنياتهم الحاقدة الخاصة ضد شعوب وضد فقراء وضد مغلوبين على أمرهم.
التعاطف الإنساني إلى زوال.
الأشرار يتقدّمون في كل الساحات المحلّية والعربية والدولية.
يبدو أننا قادمون على سحق بعضنا البعض تارة بإسم الإله وتارة أخرى بإسم أرباب الشبكة العنكبوتية والحاسوب والعملات الرقمية وعائلات المصارف والنفط والغاز والذهب.
مستوى الفكر العالمي الأدبي والنقدي والموضوعي والأخلاقي والانساني صار مرفوضاً ومشبوهاً و في تدهور مريع.
مجازر غزة ولبنان خير دليل أن التجربة ستعمم عالمياً وقريباً ضد كل من سيتمرّد ضد منظومة عالمية حاكمة بالجزمة العسكرية وبالعقوبات الاقتصادية.
بما خص لبنان ثنائي الانتداب الأميركي-الفرنسي يتقدّم بلطف لأن غاز بحر مجزرة قانا ليس ملك العصابات المالية اللبنانية بل ملك الدولة المالية العالمية العميقة.
يبدو أن الدولة المالية العميقة سئمت الاختباء والتخفي وقريباً ستحكم مباشرة بوجهها الحقيقي بلا حاجة لأقنعة.
ويصرّ الحاكم بأمر المال العتيق أن لا يفضح أمراء النهب والفساد حتى في زنزانته وهذا مثال عن قمة الانحطاط الأخلاقي.