الأمن القومي وصناديق الاقتراع في العالم.. زيجة شبه مستحيلة! كتب برونو كاوفمان
قد تكون سويسرا فعلا استثناء عندما يتعلّق الأمر بالتصويت الشعبي على القضايا الأمنية والمسائل العسكرية. ولكن مثلما تظهر تغطيات وسائل الإعلام بشأن هذا الموضوع، فإن الدول الأخرى ومواطنيها يولون اهتماما لهذا الامتياز، ويتمنون أن يحظوا به يوما ما.
تقول ليندسي كوشغاريان من مشروع “الأولويات الوطنية”، وهو جزء من حملة #PeopleoverPentagon الواسعة النطاق في الولايات المتحدة، “نودّ أن يكون لنا رأي أكبر فيما يتعلق بإنفاقنا على الأمن القومي”.
وتضيف: “لا يمكننا تدمير طريقنا للخروج من الوباء”، في إشارة إلى القرار المتفق عليه بين الحزبيْن في الكونغرس الأميركي بتخصيص 53% من الميزانية الفدرالية لعام 2021 (حوالي 733 مليار دولار) لأغراض الإنفاق العسكري.
على مدى السنوات، أبدت وسائل الإعلام في جميع انحاء العالم اهتماما كبيرا بهذه النوعية من القرارات المتكررة الصادرة عن صناديق الاقتراع في سويسرا. ومن بين العناوين التي تصدرت وسائل إعلام أجنبية بشأن التصويت في 27 سبتمبر الجاري على شراء طائرات عسكرية جديدة بأكثر من 6 مليارات فرنك، نجد على سبيل المثال: “احتداد المعركة بشأن خطة سويسرية لشراء طائرات مقاتلة”، و”شراء مقاتلات سويسرية يتوقّف على نتيجة استفتاء شعبي في عام 2020″، و “سويسرا تصوّت مرة أخرى بشأن شراء مقاتلات نفاثة جديدة”.
وفي الحقيقة، فإن التصويت على القضايا المرتبطة بالأمن القومي مثل سلاح الجو “يجب أن يكون واضحا بما فيه الكفاية للناخبين”، كما يقول مات كفورتروب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوفنتري.
وأشار كفورتروب إلى وجود تلازم تاريخي بين إقرار الخدمة العسكرية الإلزامية والحق في التصويت في العديد من البلدان، وأشار إلى أنه “حتى 1924، في السويد، كان حق الاقتراع مقتصرا على الرجال الذين أدوا بالفعل واجب الخدمة العسكرية”. كذلك قامت العديد من البلدان بإجراء اقتراعات شعبية على المستوى الوطني بشأن مسألة التجنيد الإلزامي، بما في ذلك أيسلندا (في عام 1916، وكان الرفض بنسبة 92%)، وأستراليا (1917، نسبة الرفض 54%)، وكندا (1942، نسبة التأييد 66%).
وفي النمسا، أظهرت “الإستشارة” الأولية التي أطلقتها الحكومة بشأن مسألة إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية في عام 2013 أن 60% يؤيدون الإبقاء عليها. وقبل ذلك بعشر سنوات، حصل اقتراح مواطني يدعو إلى اجراء استفتاء عام بشأن اقتناء طائرات عسكرية جديدة على دعم حوالي 10% من الناخبين النمساويين المؤهلين. وعلى عكس الوضع في سويسرا، فإن مثل هذه المبادرات المواطنية لا تؤدي تلقائيا إلى تنظيم تصويت شعبي حول المسألة.
استفتاء وطني بشأن الحرب
من الجهود التاريخية الرئيسية الأخرى لربط الديمقراطية المباشرة بالأمن القومي ما حصل في الولايات المتحدة الأميركية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين.
يقول كفورتروب: “كانت الحجة أن الناس العاديين، الذين تمت دعوتهم للقتال والتضحية بأرواحهم في زمن الحربين يجب أن يكون لهم صوت في تقرير ما إذا كان على بلادهم التورّط في النزاعات العسكرية”.
وقد تمت مناقشة التعديل الدستوري – المعروف بتعديل لودلو – عدّة مرات من قبل الكونغرس، وتم التطرّق أيضا إلى إمكانية الحد من قدرة الكونغرس على إعلان البلاد في حرب بواسطة استفتاء شعبي عام.
ورغم أن استطلاعات الرأي أظهرت وجود دعم شعبي بنسبة 75% للتعديل، إلا أن نسبة المؤيّدين للتعديل على مستوى الكونغرس لم تصل إلى نسبة الثلثيْن المطلوبة قانونيا.
وعلى عكس الاقتراعات الشعبية حول الشؤون الأوروبية – مثل الاقتراع القادم بشأن اتفاق حرية تنقل الأشخاص مع الاتحاد الأوروبي- فإن الاستفتاءات المتعلقة بالأمن القومي نادرة في جميع أنحاء العالم خاصة منذ السبعينات (وهي الفترة التي تم خلالها إجراء أكثر من نصف الاستفتاءات المتعلقة بالامن القومي في سويسرا، والبالغ عددها 45).
الاستثناء الوحيد لهذه الحالة هي البرازيل في الفترة التي تلت حقبة الحكم الإستبداي. ففي عام 2005، رفض ما يقرب من ثلثي الناخبين اقتراحا قدمته حكومة الرئيس البرازيلي آنذاك لولا دا سيلفا بحظر بيع الأسلحة الخاصة.
يقول رولف راوشنباخ، خبير الشؤون السياسية، وصاحب العديد من المؤلفات حول التجربة الديمقراطية في البرازيل: “لقد كانت محاولة فاترة لاستخدام الديمقراطية المباشرة من أجل تجريد البلاد من السلاح. ولكن بعد هذا الفشل، فقد حزب العمال كل طموحاته لتعزيز مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار بشأن القضايا الوطنية”.
واليوم، يحكم البرازيل خايير بولسونارو، وهو عسكري سابق، فيما يشغل ضباط من الجيش مناصب وزارية رئيسية في حكومته.
الرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة
في منطقة أخرى من العالم، وبالتحديد، في تايوان، حققت الديمقراطية المباشرة نجاحا آخر. حيث كان موضوع أوّل تصويت شعبي على مستوى البلاد يتعلّق بقضية أمن قومي. ففي مارس 2004، وافق أكثر من 90% من الناخبين المشاركين في “استفتاء السلام”، الذي بادر بإطلاقه الرئيس تشين شوي بيان. ومع ذلك، ولأن نسبة المشاركين في الاقتراع لم تبلغ 50%، فإن نتيجة التصويت لم تُعتمد. ولكن بدلا من التخلي عن الطموح في تمكين المواطنين من الإدلاء بآرائهم في قضايا السياسات الوطنية الرئيسية، واصلت تايوان تعزيز آليات الديمقراطية التشاركية.
يقول مايكل كاو، الرئيس السابق لمؤسسة ديمقراطية تايوان: “كان طموحنا ولا يزال أن نصبح منارة لسلطة الشعب في آسيا”. وحتى الآن، أجرت هذه الدولة الواقعة في غرب المحيط الهادي عشرات الاستفتاءات الشعبية وأصبحت نموذجا للديمقراطية النابضة بالحياة في المنطقة، على الرغم من التحديات الخارجية المستمرة والمهددة لأمنها القومي.
في الأخير، رغم أن استخدام أدوات الديمقراطية المباشرة لتنظيم قضايا الأمن القومي لا تزال عادة سويسرية حصرية تقريبا، فقد انتشر اشعاع إحدى مبادراتها المحلية في جميع أنحاء العالم. قبل عشرين عاما، أنشأت الحكومة السويسرية “مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة”، بهدف تعزيز الحوكمة الديمقراطية في قطاع الأمن.
واليوم، تضم هذه المنظمة الدولية في عضويتها 60 دولة، بل أصبحت – كما يؤكد مديرها توماس غيربر – “ركيزة حيوية للسلام” في العالم.
رابط المقال اضغط هنا