الاحدثدولي

الإنتخابات الإيطالية وصعود اليمين المتطرف “إخوان إيطاليا” | كتب د. عوض سليمية

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

شكل فوز جورجيا ميلوني (45 عاماً) زعيمة حزب إخوة إيطاليا (فراتيلي ديتاليا) في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 سبتمبر/أيلول، حدثاً سياساً إستثنائياً ليس فقط في إيطاليا بل في القارة العجوز برمتها، على إعتبار انها تقود حزباً يُعتبر إمتداداً في جذوره وايديولوجيته للحركة الفاشية التي أسسها موسوليني– الزعيم الإيطالي السابق 19221943، وهو من أدخل إيطاليا في تحالف مع ألمانيا النازية واليابان في الحرب العالمية الثانية. وقد حاز تحالفها اليميني مع حزب (فورزا ايطاليا) الذي يقوده رئيس الوزراء الاسبق سيلفيو برلسكوني و(حزب الرابطة) اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني/ وزير الداخلية الاسبق، على أغلبية مقاعد البرلماني الايطالي بغرفتيه (النواب والشيوخ) بنسبة (43.8%)، مما يمنحها تفويضاً كاملاً بتحديد شكل الحكومة القادمة ورئاستها.

ميلوني الوجه الثوري الجديد لروما، والمتمردة على العولمة، هي اول إمرأة تفوز بمنصب رئاسة الحكومة منذ العام 1946، ارتكز برنامجها الانتخابي على ثلاث محددات: (لا للمثلية، لا للعولمة، لا للمهاجرين). متمسكة بالسيادة الوطنية، الى جانب شعارها (الرب، الوطن، العائلة)، وهي محافظة متشددة، لا تتفق مع بعض سياسات الدول الاوروبية، فهي التي اطلقت تصريحاتها “نعم للعائلة الصالحة،،، ولا لمجتمع الميم”، الامر الذي اثار حفيظة قادة اوروبا. في الوقت نفسه، معادية للاجهاض بنفس مستوى معاداتها للهجرة غير المنظمة وظاهرة تدفق اللاجئين الى ايطاليا، وهي حادة الطباع، فقد هاجمت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عام 2018، ووصفته  بقاتل اطفال ليبيا، وان بلاده مستمرة في استغلال سكان القارة الافريقية وتشغيل الاطفال وسرقة مواردها بما فيها 30% من اليورانيوم لتشغيل مفاعلاتها النووية، في حين يعيش ابناء القارة الافريقية دون كهرباء، بعد ان سخر من الايطاليين ووصفهم بالمقرفين واللامسؤولين.

يرى القادة الاوروبيون أن حليفتهم الشابة ليست خطراً على الديموقراطية الايطالية، بالرغم من امتداداتها الفاشية، بقدر ما هي خطر على قرارات وسياسات اوروبا الموحدة، وما يخشاه قادة بروكسل، هو إستدارة سريعة في الموقف السياسي التقليدي لايطاليا الداعم لوحدة الامة الاوروبية نحو روسيا الاتحادية، بحثاً عن طوق نجاة في إطار الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالقارة، بفعل الحصار الغربي المفروض على موسكو وما نتج عنه من اضطرابات في سلاسل امدادات الطاقة وخاصة الغاز، الذي تحتاجه اوروبا بشدة لتخطي فصل الشتاء القادم بسلام، فهم متوجسون من رؤيتها قريباً في نفس القارب الذي يحمل مرشحة الرئاسة الفرنسية مارين لوبان، ورئيس وزراء المجر فيكتور اوربان، والمتجه نحو سواحل بوتين طلباً للدفئ، والاستقرار الاقتصادي الذي اطاح بثلاث حكومات سبقتها، بينما تواجه إيطاليا عجزاً في الميزان التجاري بلغ 150% وهي اعلى نسبة عجز في القارة الاروربية بعد اليونان، مع ارتفاع معدلات التضخم، التي صاحبها ارتفاع حاد في اسعار السلع والخدمات، الى جانب ارتفاع جنوني في اسعار الطاقة، بالاضافة الى ارتفاع مؤشر البطالة والتي وصلت الى حدود 25% في اوساط العاملين الايطاليين.

واحدة من العقبات التي تواجه دوران عجلة حكومة اليمين وتحتاج الى حلول سريعه هي الازمة الاقتصادية الناتجة عن العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، حيث تدعم ميلوني، إجراءات الغرب الجماعي في العقوبات المفروضة على روسيا، فيما يعارضها حلفائها في الائتلاف، بيرلسكوني وسالفيني وكلاهما مؤيد لبوتين، ويعتبران أن العقوبات على موسكو سبباً مباشراً لاغراق اقتصاد بلادهم، خصوصاً ارتفاع أسعار الطاقة- تستورد ايطاليا من روسيا ما معدله 63 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، وبالتالي فإن خيارات هذه الحكومة ضيقة وليس امامها الا ممران والا ستواجه الانهيار، الممر الاول: ان تسير ميلوني على الخطة الفاشلة لرئيس الوزراء السابق دراغى، وتنتظر دفعات مالية من البنك المركزي الاوروبي تصل الى 190 مليار يورو على مدار الخمس سنوات القادمة. الممر الثاني: ان تسلك الطريق الاقصر الذي شقه رئيس الوزراء المجري، المتمثل في الخروج عن وصاية الاتحاد الاوروبي والتوجه نحو موسكو لانقاذ اقتصاد بلادها ومنحها تذكرة أمان للترشح لفترات رئاسية قادمة.

لا تخفي ميلوني اعجابها بسياسات المحافظين في الولايات المتحدة وعلى رأسهم ترامب، وتنظر الى وجود اسرائيل كأمر حيوي في المنطقة، وتعتبر الخطاب المعادي لاسرائيل أنه اعلى درجات معاداة السامية، وانها تخطط للقيام بزيارة قريباً الى اسرائيل لتعزيز الشراكة بين البلدين، بما فيها توريد الغاز عبر البحر المتوسط، لكنها ترى ان نقل سفارة بلادها من تل ابيب الى القدس أمر حساس وخطير وتحتاج الى تنسيق خطواتها بما ينسجم ومواقف الاتحاد الاوروبي من الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وفقاً لتصريحاتها لصحيفة اسرائيل هيوم بتاريخ 28 سبتمبر 2022، ومع ذلك، اعتقد اننا لن نرى تغيراً جوهرياً سيطرأ على مرتكزات السياسة الخارجية الايطالية إزاء ازمات الشرق الاوسط بما فيها القضية الفلسطينية، بالنظر الى حجم الازمات الداخلية، المطلوب العمل عليها حالياً من قبل حكومة ميلوني وخاصة اقتصاد ايطاليا المختنق.

د. عوض سـليميـة

حاصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية في تاثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية تجاه القضية الفلسطينية من جامعة university utara Malaysia. زميل ابحاث ما بعد الدكتوراة في السياسة الخارجية الأمريكية. مدير برنامج السياسة الخارجية الامريكية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى