في تشرين الأول عام ٢٠١٨ كنت في زيارة من زياراتي الدورية الى دمشق، استضافتني فضائية سما كالعادة، وحاورتني المحاورة المبدعة والمميزة في الإعلام السوري السيدة هناء الصالح، كان يومذاك ما زال بضعة ايام لينفذ اردوغان التزامات اتفاق سوتشي بالإنسحاب، وكانت المهلة الممدة لهذا الإنسحاب لغاية ١٥ تشرين الاول (اوكتوبر) عام ٢٠١٨ بموجب اتفاق سوتشي، حيث لم يكن قد لتزم اردوغان في الميعاد الأول، قلت لها ان اردوغان لن يلتزم ولن ينفذ، وان الأصدقاء الروس سيراعون عدم التزام اردوغان لإعتبارات جيوسياسية يرونها، وانا لا اوافق عليها لأنني اراها مبنية على اوهام، قلت ايضا ينبغي عدم بناء الاوهام على عدم النجاح الكلي الاميركي بعدم التمكن من اسقاط النظام، فـ الإستراتيجية الأميركية لم تتغير، منذ لحظة دخولها سوريا وحتى الآن، وهم وان فشلوا في اسقاط النظام والدولة واسقاط الرئيس، فلا يعني ذلك تراجعهم عن استراتيجيتهم التي تقول انه اذا عجزنا عن اسقاط كامل الدولة، فلنسقط قسم منها، وليبقى هذا القسم اداة إبتزاز للدولة السورية، والإستمرار في تهديد وحدة اراضيها، وايضا الآستيلاء على قسم مهم من ثروات الشعب السوري كأداة ابتزاز ايضا سواء في لقمة العيش، او الحاجات الاخرى لا سيما الكهرباء، والطاقة من غاز ونفط ومازوت، سواء للتدفئة، او لإشغال المعامل والتأثير على الإنتاج.
لم يكن يومذاك قد صدر قانون قيصر الذي يفرض العقوبات ويحاصر سوريا، لكن الأدوات لذلك كانت وما زالت موجودة، وهي تلتقي في الهدف بشكل او بآخر، رغم الظهور المزيف على انها متضادة، فالمسار الاردوغاني ما يزال يطمح بإقتطاع قطعة من الاراضي السورية بعد فشل مشروعه العثماني، وربما ينتظر العام ٢٠٢٣ للتحلل من اتفاقية لوزان التي تحدد الحدود التركية، والطرف الآخر الأميركي الحاضن للكردي (احد ادواته في سوريا )، ما زال يغذي الوهم لدى هؤلاء في انتاج دولة كردية سواء في اطار انفصالي، او كونفدرالي.
هذا التصور للإنقضاض على قسم من الاراضي السورية ما زال قائما، ويجري العمل على تكريسه كل يوم، عبر العديد من الإجراءات التي تكرس على ارض الواقع، سواء لدى الاميركي ومعه الكردي، او الاردوغاني، فالإجراءات نحو تكريس هذا الواقع تسير على قدم وساق.
ثمة اختلالات منهجية في مواجهة هذا المشروع من قبل الدولة السورية، ربما مراهنة على تطورات او تحولات دولية، لكن السيادة لا تقبل الرهانات عادة، ربما تستفيد منها احيانا، لكن الفعل يبقى للدولة والشعب معا.
لا بديل عن وضع خطة مواجهة تفسد المشروع الأردوغاني، الذي يتجذر كل يوم نحو مزيد من التتريك، سواء على مستوى البنية التحتية السياسية،والمجتمعية، والثقافية،والإقتصادية، والتعليمية، وتداول العملة وايضا الإستشفاء، وهي أدوات تكرس واقعا جديدا، ربما يصبح من الصعب تغييره لاحقا، وربما نصبح أمام لواء اسكندرون جديد، كذلك في منطقة شرق الفرات، حيث بتيح الاميركي للكردي تكريس وقائع تثبيت هيمنته التأسيسية لإنشاء كيان كردي .
فما هو المطلوب ؟؟
المطلوب من الدولة السورية خطة مواجهة واضحة المعالم، تشكل تعبيرًا عن تلاحم رسمي وشعبي في آن، عبر عملية تنسيق عميقة بين ثورة شعبية يجب ان تفجرها الدولة السورية، يترافق معها اسناد من قبل الجيش العربي السوري، بحيث تجعل الأعداء على طرفي الصراع لا ينامون، ولا يهنأون من جهة، ويشعرون بالكلفة العالية التي سيدفعونها جراء بقائهم في الاراضي السورية من جهة اخرى، وعلى المستوى الداخلي اطلاق ثورة صناعية وزراعية وتكنولوجية ودعم المشاريع الحرفية الصغيرة والكبرى، واطلاق طاقات الشعب السوري بخلق حالة تحدي للعقوبات وتحويلها الى فرصة للتطوير كما شهدت ايران جراء العقوبات على مدى اربعين عاما، واستطاعت تحويل ايران من دولة محاصرة الى دولة طليعية في المنطقة وعلى مستوى العالم، بغير ذلك اخشى ما اخشاه من فقدان اراض سورية جديدة بدل تحرير الأرض المغتصبة منذ العامين ١٩٣٨ و١٩٦٧ .