بفوز الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، يكون محور المقاومة قد حقق ثلاثة انتصارات متتالية في أقل من شهرين، النصر الأول وهو ما حصل في عملية “سيف القدس”، في الحرب ما بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية في غزة، وما حملته من دلالات مؤثرة وقوية في توحد الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج حول خيار المقاومة، التي انتصرت بفضل الأمطار الصاروخية التي انهمرت على الكيان العبري من البحر إلى النهر وخاصة في عمق “تل أبيب”، والانتصار الثاني جاء بفوز الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الرابعة، والتي رسخت وثبتت قيادته للمرحلة المقبلة لفترة 7 سنوات، والزخم الشعبي الجماهيري الذي لم تشهده سوريا منذ زمن بعيد والتي أظهرت تمسكه به، جاء بمثابة اعلان انتصار في الحرب المفروضة منذ 11 عاماً على كل التحالف الدولي الغربي والعربي والإقليمي للإطاحة بالنظام، والانتصار الثالث كان بفوز الرئيس إبراهيم رئيسي والذي يعتبر من المحافظيين والأقرب إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي.
لم تكن صورة السيد إبراهيم رئيسي خلال مراسم التشييع والصلاة على جنازة القائد قاسم سليماني إلى جانب مرشد الثورة السيد علي خامنئي صورة عابرة، بل كان لها دلالات مؤثرة على المستوى العاطفي لدى الشعب الإيراني نظراً لما يمتلك من شعبية واسعة تخطت معظم الساسة الإيرانيين لما له من احترام وتقدير وما حققه من إنجازات على مستوى الجبهات الإيرانية سابقاً وفي المهمات في الخارج، فحالة البكاء أثناء الصلاة التي انتابت السيد إبراهيم رئيسي انطبعت في عقول الإيرانيين وجعلتهم ينشدّون أكثر إلى هذه الشخصية المحبوبة والتي كانت تربطه علاقة خاصة مع سليماني وما له من إنجازات على مستوى مكافحة الفساد وأيضا لمسؤوليته المباشرة عن أهم المراقد الشيعية المقدسة في إيران، مرقد الإمام علي الرضا في مشهد.
جاءت نتائج الانتخابات الإيرانية في 18/6/2021، لتؤكد نتيجة كانت محسومة سلفاً، ليس لأن طريقة وأسلوب اختيار الشخصيات السبعة كان مدروساً لإيصال رئيسي كما أشاع البعض، بل توجه الشعب الإيراني إلى الالتصاق والتمسك أكثر بقيادة السيد علي خامنئي وثانياً لأنه أراد أن ينتقم من الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها السابق دونالد ترامب لاغتيالها الشهيد قاسم سليماني والذي كان “حاضراً عند كل صندوق اقتراع” (أكثر من 66 ألف صندوقاً) ولعل مشاركة أكثر من 14 مليون شخص (بحسب الوكالات الغربية) في تشييع سليماني كانت كافية لتوقع نتيجة الانتخابات المقبلة، إلا أن الأرقام تحدثت بلغة معبرة، فالسيد إبراهيم رئيسي نال 17،926،345 صوتاً من أصل 28 مليوناً في ظل جائحة «كورونا»، والمرتبة الثانية ذهبت إلى قائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي حائزاً على 3.3 مليون صوت، وحل في المرتبة الثالثة حاكم المصرف المركزي السابق عبدالناصر همتي، الذي مثل ثقل الإصلاحيين محققاً 2.4 مليون صوت. هذه الفوارق إن دلت على شيء فإنها تظهر أن عدد الأصوات التي ذهب الى المحافظين تقريباً هي أكثرمن21 مليون صوتاً من أصل 28 مليون صوتوا في الانتخابات، فالشعب الإيراني صوت لخيار الشهيد سليماني على سدة الرئاسة وليس لأي شخص آخر.
سعت الدوائر الغربية منذ أكثر من ستة أشهر على إشاعة أجواء سلبية تجاه الانتخابات، من خلال وسائل الإعلام الغربية والعربية فأكثر من 200 محطة فضائية ناطقة باللغة الفارسية وموجهة كانت تحرض الشعب الإيراني في الداخل والخارج على التغيير والإطاحة بنظام الحكم بأي شكل من الأشكال وعلى الأقل فوز الإصلاحيين فيها، وفي المعلومات أن أكثر من اجتماعاً حصل في السفارات الغربية في طهران، كان الهدف منها إيصال إصلاحي الى سدة الرئاسة وأيضا إصلاحي لخلافة السيد علي خامنئي! وهذا ما أطلق عليه دبلوماسي إيراني سابق، أنه محاولة انقلاب على النظام بأكمله وليس الرئاسة فقط!
جرى تحضير الأجواء عند الإصلاحيين لإيصال همتي، خاصة بعدما تلقى تأييد الرئيس السابق محمد خاتمي ووزير الخارجية الإيراني الحالي محمد جواد ظريف عندما أشاع أنه على استعداد للبقاء في منصب وزير الخارجية فيما لو نجح همتي، إلا أن الفشل كان ذريعاً لعدد الأرقام التي لم تستطع أن تتجاوز المرشح المحافظ محسن رضائي.
استطاع المحافظون الإيرانيون من خلال الأرقام التي نالوها من الإمساك أكثر في السلطة وتثبيت خيار النهج السياسي المتبع على الأقل لمدة أربعة سنوات إن لم نقل ثمانية فيما لو أعيد التجديد للسيد إبراهيم رئيسي، والذي يمثل نهج وخط الإمام الخميني وخليفته الإمام الخامنئي.
لا شك أن السيد رئيسي ينتظر تحديات كثيرة على مستوى الوضع الداخلي وخاصة الاقتصادي لما تعرضت له الجمهورية من حصار قاتل طيلة 40 عاماً، إلا أن الإنفراج المتوقع فيما لو تم توقيع الاتفاق النووي ستكون في مصلحة رئيسي وستعطيه زخماً قويا على مستوى الداخل الإيراني وعلى مستوى الخارج وبالأخص على مستوى حلفاء إيران في المنطقة الذين تنفسوا الصعداء بنجاحه، وحصلوا على أوكسجين طازج، فالرئيس رئيسي الثوري متحيز دائماً لدعم الحلفاء بخلاف نظيره السابق حسن روحاني.
لقد أوصل الشعب الإيراني رسالته الى المجتمع الغربي، وهي ستكون كالتالي: “إما أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات وتلتزم بـ الاتفاق النووي الذي نكثت به في عهد ترامب أو الذهاب نحو المواجهة الشاملة وصناعة ترسانة نووية لا أعتقد أن الولايات المتحدة في وارد الوصول اليها وخاصة بعد انشغالها في الملف الصيني والروسي وبدء انسحابها من العديد من النقاط في العالم”.