الاحدثدولي

بايدن يُحقِّقُ انتصارَهُ المَوعود وهو يَجمَعُ أغراضه للرَحِيل | بقلم د. بيار الخوري

مع نهاية ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، يَبرُزُ مشهدٌ مُعَقَّدٌ يَعكسُ تغييراتٍ سياسيةٍ واضحة في الشرق الأوسط، تُوِّجَت باتفاقيات وتهدئات في مناطق ساخنة مثل غزة، سوريا، ولبنان. هذه التحوُّلات السريعة تُثيرُ تساؤلاتٍ حول قدرة إدارة بايدن على تحقيق ما يبدو كإنجازاتٍ كبرى في وقتٍ قصير، خصوصًا وأنَّ عهده واجهَ انتقاداتٍ حادة نتيجة الأزمات المُستمرّة في المنطقة، إلى جانب تصاعُد التوتّرات في أوكرانيا.

من الواضح أنَّ إدارة بايدن اعتمدت على استراتيجيةٍ دقيقةٍ تهدفُ إلى إنهاءِ ولايته بسجلٍّ إيجابي في السياسة الخارجية، خصوصًا في ما يتعلّقُ بالشرق الأوسط، الذي طالما كان ساحة اختبارٍ مُعقَّدة للإدارات الأميركية المُتعاقبة. قد تكونُ هذه الإنجازات نتيجةَ تراكُم جهودٍ ديبلوماسية مُكثّفة لسنوات ولكن بخاصة خلال الاشهر الأخيرة، حيث مارست واشنطن ضغوطًا كبيرة على الأطراف الإقليمية والدولية لتحقيق توافقات سياسية مؤقتة. هناكَ دلائل على أنَّ بايدن استغلَّ اللحظة الانتقالية إلى الإدارة المقبلة لدَفعِ اللاعبين الأساسيين في المنطقة نحو تقديم تنازلات، ربما مدفوعة بمخاوف وعدم يقين بخصوص سياسات إدارة ترامب المقبلة.

التغيُّرات الإقليمية كانت أيضًا عاملًا رئيسًا، حيث شهدت المنطقة تقارُبًا بين عددٍ من الدول الفاعلة مثل المملكة العربية السعودية وإيران، والتغيُّر السياسي وعودة سوريا التدريجية إلى الساحة الديبلوماسية، وأخيرًا بداية انتظام المؤسّسات الدستورية في لبنان. شكّلت هذه التطوّرات مزيجًا من التراجُع الحاد في النفوذ الإيراني واحتضان حلفاء الولايات المتحدة لإيران في الوقت عينه، بما أتاحَ لواشنطن فرصةً أكبر للتأثير في سَيرِ الأحداث، خصوصًا في ظلِّ رغبةِ دول المنطقة في استقرار أوضاعها الداخلية وسط تحدّياتٍ اقتصادية وأمنية مُتزايدة. يبدو أن إدارةَ بايدن استثمرت في هذه التحوُّلات الإقليمية لتوجيه سياساتها نحو تحقيق إنجازاتٍ ملموسة، مُستفيدةً من رغبة القوى الإقليمية في تفادي التوتّرات مع الإدارة الأميركية المقبلة.

على الجانب الآخر، يُمكِنُ فَهمُ هذه التحرُّكات في سياقٍ أوسع يتعلّقُ بالأولويات الاستراتيجية لواشنطن. إذ تبدو هذه الجهود جُزءًا من خطّةٍ لتقليل الانخراط الأميركي المباشر في الشرق الأوسط، مع التركيزِ على أزماتٍ أُخرى أكثر أهمّيةً بالنسبة إلى واشنطن مثل أوكرانيا والصين. لقد قدّمت إدارة بايدن الشرق الأوسط كمسرحٍ لتحقيق تهدئةٍ شاملة قبل تحويل الانتباه والموارد إلى ساحاتِ صراعٍ جديدة.

السياساتُ البراغماتية التي تبنّاها بايدن لعبت دورًا محوريًا في تحقيق هذه النتائج. أبدت إدارته مرونةً واضحة تجاه التفاوُض مع القوى الإقليمية المختلفة، بما فيها إيران وتركيا، ما ساعدَ على خلقِ بيئةٍ مُناسِبة للتفاهُمات. هذه المرونة، المصحوبةُ بضغوطٍ دقيقة، ساعدت على توقيع اتفاقيات مثل وقف إطلاق النار في لبنان وقطاع غزة، اللذين جاءا كرسالةٍ واضحة على قدرة واشنطن على تحقيق استقرارٍ نسبي رُغمَ التحدّيات.

يُمكنُ القول إنَّ إدارة بايدن استثمرت اللحظة السياسية بحنكةٍ، حيثُ تمكّنت من استغلالِ ظروفٍ داخلية وخارجية لصالحها. هذا التحرُّك يعكسُ رغبةَ بايدن في تركِ بصمةٍ إيجابية في السياسة الخارجية، تُذكَرُ كجُزءٍ من إرثه السياسي، في لحظة رحيله من المشهد السياسي.

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى