الاحدثدولي

بريكس في مواجهة بروكسل: نحو عالم متعدد الاقطاب | بقلم د. عوض سليمية

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

على وقع نجاحات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا الشرقية، ووسط إصرار غربي معلن على عزل روسيا القيصرية عن العالم واستمرار تهديد امنها القومي، عقد رؤساء مجموعة بريكس قمتهم الافتراضية الرابعة عشرة تحت شعار “تعزيز شراكة بريكس عالية الجودة، نحو عصر جديد للتنمية العالمية” في الفترة من 23-24 يونيو/ حزيران 2022. والتي ضمت قادة كل من، جمهورية البرازيل الاتحادية، الاتحاد الروسي، جمهورية الهند، جمهورية الصين الشعبية وجمهورية جنوب أفريقيا.

وتأتي أهمية هذا التكتل انطلاقًا من مجموعة حقائق من ضمنها، أن شعوب هذا التكتل تشكل قرابة 40% من سكان العالم، وتقيم على ما مساحته 26% من اجمالي مساحة اليابسة، الى جانب اقتصادات صاعدة بقوة، فهي تشارك بما نسبته 22% من اجمالي الناتج العالمي، الى جانب امتلاكها لكل الادوات للمنافسة على الساحة الدولية.

بالنظر الى الموارد الضخمة التي تملكها دول البريكس، والذي يبدو في ظاهره تكتلًا اقتصاديًا ساعيًا نحو عصر جديد من التنمية والتعاون، خارج النظام الذي يهيمن عليه الغرب، الا ان هذا التكتل على ما يبدو سيكتسب طابع تحالف أمني وعسكري مع مرور الوقت لحماية مصالحه العابرة للقارات، وهو ما نقرأه بين سطور البيان الختامي المشترك للقادة المجتمعين – تم نشره على موقع وزارة الخارجية الصينية، حيث أظهر البيان اهتمام قادة بريكس بالقضايا العالمية، من بين امور اخرى، دعم الامن والاستقرار في افغانستان دون التدخل في شؤونها الداخلية من قبل أي دولة.

وإعادة التأكيد على ضرورة حل الملف النووي الايراني بالطرق السلمية والدبلوماسية، من خلال إعادة إحياء إتفاقية العمل الشاملة المشتركة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2231. الى جانب تأييد المجتمعين لصيغة الحل القائم على التفاوض بين الكوريتين. كما وأكد القادة المجتمعون في بيانهم على دعمهم لجهود الامم المتحدة ومركزية مجلس الامن للتصدر في انهاء الصراعات في منطقة الشرق الاوسط وافريقيا واحلال العدل والسلام.

ضمن هذه الاهداف، بدأت الصين مبكرًا منذ العام 2021 النظر في اجراءات توسيع مجموعة “بريكس” بعد مشاورات مع اعضاء الحلف، حيث انضم إلى نقاشات “بريكس بلس” ممثلون عن كل من، الأرجنتين، مصر، إندونيسيا، كازاخستان، نيجيريا، الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، السنغال وتايلاند، وهي الدول التي تعتبر أعضاء مرشحين للعضوية في مجموعة “بريكس”. وفقًا لوكالة سبوتنيك الروسية. وفي إطار تطابق المواقف بين الصين وروسيا نحو عالم متعدد الاقطاب، ركز القادة على ضرورة إصلاح مجلس الامن بغية جعله أكثر فعاليةً وتمثيلًا لشعوب الارض خاصة في البلدان النامية، فمن ناحية، ينظر القطبين الكبيرين (روسيا والصين) الى أن الدفع بكل من الهند والبرازيل وجنوب افريقيا للجلوس على مقاعد مجلس الامن كأعضاء دائمين، سيشكل حالة توازن في القوى لمواجهة الخصوم دائمي العضوية (الولايات المتحدة، فرنسا والمملكة المتحدة). ومن ناحية اخرى، على المدى البعيد، فإن الاعضاء الجدد المقترحين سيكون لديهم تأثير قوي لناحية حشد مزيد من الدول في افريقيا وامريكا اللاتينية والمنكوبة بفعل السياسات الهيمنة الامريكية، وبالتالي دفعهم نحو تحالفات مع القطب الجديد الموازي لواشنطن وحلفائها.

بوتين الراغب في كسر الحصار والعقوبات الغربية عن بلاده، يرسل رسائله لمن يهمه الامر، يتفاخر بأن بلاده اصبحت اكبر مورد لمصادر الطاقة الى الصين، واصبحت صادراته من الطاقة الملاذ الآمن للهند المتعطشة للنفط والغاز وباسعار اقل من السوق العالمية، الى جانب دعواته لرجال الاعمال الهنود الى الاستثمار في روسيا، ومع تعهده بمواصلة امدادات الحبوب وخاصة القمح للقارة الافريقية، وزيادة التبادل التجاري مع البرازيل، يرحب بالعملة المحلية لدول الاصدقاء لازاحة التاج عن رأس الدولار، ويتطلع الى إبقاء الابواب مفتوحة امام الفرص للاقتصاد الروسي والاستفادة من إعادة التدفقات التجارية بين دول الحلف وخارجه، خاصة صادرات الطاقة والحبوب التي تشكل مورد رئيس للخزينة الروسية لابقاء الاقتصاد الروسي في حالة تعافي، وبالتالي تمويل العملية العسكرية. وفقًا لبوتين، زادت التجارة مع مجموعة بريكس بنسبة 38% في الربع الأول من عام 2022.

بالاضافة الى الاهداف الاقتصادية، فإن قيصر الكرملين يجد نفسه مرتاحًا للمواقف السياسية لهذه الدول من العملية العسكرية، فقد امتنعت دول الحلف عن التزامها بالعقوبات الغربية، وقاومت ضغوطات واشنطن في الانحياز لمواقفهما، ولم يصدر عن حكوماتها مجرد انتقاد لهذه العملية، بل ذهب الرئيس الصيني شي جين بينج الى ابعد من ذلك، في تحميل دول حلف الناتو وعلى رأسها واشنطن مسؤولية التسبب في اندلاع الحرب في اوكرانيا. على الطرف الاخر، تكافح الهند من اجل الحفاظ على حالة التوازن في العلاقة مع استمرار روابطها مع الولايات المتحدة شمن مجموعة “كواد”، بينما يجذبها تعطشها للنفط والغاز الروسيين، واغراءات بوتين للشركات والمستثمرين الهنود للاحلال مكان الشركات الغربية التي غادرت اراضي روسيا، فهل ستشارك نيودلهي في الضربات الموجهة لسياسة التفرد الامريكي بمغادرتها حلف “كواد” والانخراط الفاعل للعمل مع حلف بريكس لرعاية مصالحها، وهل ستنجح الصين وروسيا في حشد مزيد من الدول المرشحة لعضوية الحلف؟ هذا ما ستكشفه لنا الايام.

د. عوض سـليميـة

حاصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية في تاثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية تجاه القضية الفلسطينية من جامعة university utara Malaysia. زميل ابحاث ما بعد الدكتوراة في السياسة الخارجية الأمريكية. مدير برنامج السياسة الخارجية الامريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى