دولي

بَينَ شَحذِ المُخَيّلة وشَحذِ السكاكين: الحربُ التي لم تَقَع! كتب البروفسور بيار الخوري

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

أطنانٌ من الورق تمّ استهلاكها فقط في اجتراح السيناريوهات المُمكِنة لحربٍ طرفها من ناحية إيران، ومن ناحية أُخرى تشكيلة تضمّ، الى الولايات المتحده، كلٌّ من بريطانيا واسرائيل ودول الخليج العربي (وعلى راسها السعودية). مثل تلك الأطنان كانت هناك ساعات البث التلفزيوني التي لم تستطع قطع مداها حتى كثافة الإستثمار الاعلامي في جائحة كوفيد-19. وكما شحذ الكتاب والمُحَلّلون السياسيون والاستراتيجيون أقلامهم، فَعَلَ كلُّ خبيرٍ في كلّ شيء كانت له علاقة بطريقة ما بشؤون الحرب والسلم.

نامَ العالم على أيامٍ تشي بأنه لن يستفيق إلّا على أصوات الإنفجارات التي ستأخذه الى مكان آخر وزمن آخر، وتاريخ يُكتَب من جديد. سيلٌ جارف من الأماني بين مَن استدرجته المُخَيّلة نحو استعادةٍ دموية للعبة الدومينو التي بدأت مع أطروحة البرسترويكا قبل 34 عاماً، وانتهت في يوغوسلافيا بمأساة البوسنة والهرسك، أو باستعادة دموية أكثر مشهدية للسقوط العنيف للنظام العراقي في العام 2003.

على الضفة الأخرى كان حلم “أم القرى” يستنهض الاستعداد للموت، والاستعداد لحصادِ أربعين عاماً من الثورة التي شَيطنَت كل العالم، او أقلّه لحصاد ستة اعوام على اتفاقٍ نووي حصدته ايران بعد شيطنة الأميركي والصهيوني وبعد تصالحها مع خليفة “الدبّ الشيطاني” في موسكو.

شَحذ المُخيّلة بدا أقوى من شحذِ السكاكين، ولذلك فتلك الحرب لم تقع!

أربع سنوات من العداء الأميركي لإيران أكّد حقيقةً واحدة: الولايات المتحدة لم تعد وحدها في العالم! إنتصارُ أميركا في الحرب الباردة لم تكن له مفاعيل طويلة الأمد أو تاريخية، كون العالم استطاع استيلاد حرب باردة جديدة بين ثلاث أمم، وبدلاً من عدو واحد للولايات المتحدة تواجه واشنطن عدوّين بالشراسة نفسها للإتحاد السوفياتي السابق وأكثر تسلّحاً بالحديد والعلم وتقنيات العصر.

كان الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب يعرف هذا الأمر ويرفض الإعتراف به. مارس ترامب سياسة حافة الهاوية مع الجميع: مع ايران وروسيا ومع الإتحاد الاوروبي ومع الدول الآسيوية ودول جنوب شرق آسيا وجارته المكسيك وحتى مع حلفائه العرب، ناهيك طبعاً عن الصين.

كان الرئيس ترامب يعرف ان الولايات المتحدة باتت مُحاصَرة أكثر من زمن الإتحاد السوفياتي. السوفيات نهلوا من موارد متناقصة وناضبة فيما العدوان الجديدان ينهلان من موارد العقول والتكنولوجيا التي لا تنضب، تلك الموارد التي طالما تغنّت الولايات المتحدة بفرادتها بها.

لم يذهب ترامب الى الحرب مع إيران رُغم كل السيناريوهات الجهنمية. واشنطن تريد طهران للتفرّغ واستكمال حربها مع موسكو وبكين، وطهران تريد اتفاقاً مع واشنطن كي لا تقع في أحضان أيّ من تلك العاصمتين وقد لعبت كل اوراق ما دون الحرب لتجر واشنطن الى اتفاق يبقيها مستقلة نسبياًعن الجبابرة الثلاثة.

التوازن منع الحرب لكنه لم يمنع انفلاش حروب الواسطة التي كان العالم العربي مسرح مبارزاتها. هناك أربع قوى عالمية، الولايات المتحده والصين وروسيا واوروبا لديها طموح الريادة العالمية، وهناك ثلاث قوى إقليمية لديها الطموح عينه ضمن حيّزٍ جيوستراتيجي إقليمي أدنى. إسرائيل حليفة صافية للولايات المتحدة، تركيا حليفة مزعجة للولايات المتحدة تعرض إستعدادها الدائم للاتجاه نحو الحلف مع روسيا، فماذا عن ايران؟

لو حالفت ايران الغرب لقتلها الشرق، ولو حالفت الشرق لقتلها الغرب، ولو لم تُحالف أياً منهم فسيكون العالم في يوم ليس ببعيد قد سبقها بعيداً. موقع إيران هو أقوى اوراق تلك الامة ولكنه سبب مأساتها، فهل تكون “أم القرى” قادرة على انتظار تغيير جذري لميزان القوى العالمي يتيح لها حرية اختيار الحلفاء؟ “لا شرقية ولا غربية، جمهورية اسلامية” سيبقى حلم طهران الدفين، لكن طهران ليست الوحيدة التي تحلم.

رابط المقال: اضغط هنا

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى