الاحدثدولي

ترامب يُهدّد الصين: «العين بالعين»… فهل سيكون العالم على أعتاب حرب اقتصاديّة في حال فوزه بالرئاسة؟ | بقلم د. رنا منصور

منذ توّليه الرئاسة في العام 2017، تبنى “دونالد ترامب” سياسة تجاريّة صارمة تجاه الصين، متّهماً إيّاها بممارسات تجاريّة غير عادلة مثل سرقة الملكيّة الفكريّة، التلاعب بالعملة، وإغراق الأسواق الأمريكيّة بالسلع الرخيصة. وكردة فعل حينها، قام ترامب بفرض رسوم جمركيّة على بضائع صينيّة بمئات المليارات من الدولارات، ممّا أشعل فتيل حرب تجاريّة بين البلدَيْن استمرّت حتى نهاية ولايته الأولى في العام 2020.
والحقيقة، أنّ هذه الحرب التجاريّة لم تؤثّر فقط على الولايات المتّحدة الأمريكيّة والصين، بل كانت لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالميّ برمته، حيث أدّت إلى اضطرابات في سلاسل التوريد، وزيادة في تكاليف الإنتاج، وتراجع في حجم التجارة الدوليّة.
ومع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة لعام 2024، عاد الرئيس السابق دونالد ترامب إلى واجهة النقاش السياسيّ والاقتصاديّ في الولايات المتّحدة، خاصة فيمَا يتعلّق بسياسته التجاريّة مع الصين. فخلال حملته الإنتخابيّة، أعلن ترامب عن نيّته في فرض رسوم جمركيّة قد تصل إلى 60% على السلع الصينيّة في حال فوزه بالرئاسة مرة أخرى، ممّا أثار مخاوف واسعة من تصعيد تجاريّ جديد قد يكون أكثر حدّة من النزاع الذي شهده العالم خلال فترة ولايته الأولى؛ لا سيّما أنّ الصين تُعدّ أحد أكبر الشركاء التجاريّين للولايات المتّحدة، ومنذ سنوات تحتل مسألة العلاقة التجاريّة بين البلدَيْن موقعاً محوريّاً في السياسة الاقتصاديّة الأمريكيّة.
أمّا اليوم، فقد شنّ ترامب هجوماً شرساً على جمهوريّة الصين خلال الساعات القليلة الماضية؛ حيث حاول كسب ثقة الشعب الأميركيّ اقتصاديّاً من خلال تبنّيه سياسة شرسة في مواجهة الصين، لا سيّما أنّ “كامالا هاريس” ضعيفة في هذا المجال. وقد قال ترامب في تصريح تلفزيونيّ أنّه سيمرّر قانون يُسمّى بـ «قانون ترامب للتجارة المتبادلة»، وتابع شارحاً بأنّه في حال فرضت الصين أو أي دولة أخرى على أميركا رسوماً جمركيّة بنسبة 100% أو 200%، فسيجعلهم يدفعون رسوما جمركيّة متبادلة بنسبة 100% أو 200% في المقابل. وخلص ترامب في تصريحاته بالقول: «إذا أذيتمونا، فسنؤذيكم، وهذا ما يُسمّى العين بالعين».
كذلك، فلا أحد ينسى أنّ ترامب سبق له أن هدّد الصين في تصريحاته السابقة بفرض عقوبات قويّة وقاسية عليها في حال لم تتراجع عن السياسة التي تتّبعها حاليّاً، زاعماً أنّها ترغب في السيطرة على العالم اقتصاديّاً لكي تصبح أقوى دولة من الناحية الاقتصاديّة.
ولذلك، وفي السياق الحاليّ بالذات، اكتسبت تصريحات ترامب أهميّة كبيرة، خاصة أنّ سياساته التصعيديّة ستترك أثراً عميقاً على الاقتصادَيْن الأمريكيّ والصينيّ على حد سواء.
والمشكلة أنّ ترامب يبدو عازماً على مواصلة نهجه في التصعيد، حيث أعلن مراراً وتكراراً عن خططه لفرض رسوم جمركيّة على الصين قد تتجاوز 60% من قيمة السلع المستوردة. ومثل هذه الإجراءات، إنّ تمّ تنفيذها، قد تؤدّي إلى ضغوط كبيرة على الاقتصاد الصينيّ الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات كأحد المحرّكات الرئيسة لنموّه الاقتصاديّ.
ووفقاً لـ”هوي شان”، كبيرة الاقتصاديّين في بنك «غولدمان ساكس»، فإنّ فرض مثل هذه الرسوم يُشكّل خطراً سلبيّاً كبيراً على النمو في الصين؛ ذلك أنّ هذه الرسوم قد تؤدّي إلى تقليص الناتج المحليّ الإجماليّ بنحو نقطتَيْن مئويّتَيْن، وهو ما يمثّل تهديداً خطيراً لاستقرار الاقتصاد الصينيّ الذي يواجه بالفعل مجموعة من التحديّات الداخليّة والخارجيّة، بما في ذلك التباطؤ في النمو، وتراجع الاستثمار، وارتفاع مستويات الديون.
من ناحية أخرى، فإنّ تداعيات التصعيد الجديد لترامب لن يقتصر على الولايات المتّحدة والصين فحسب، وإنّما من المتوقّع أن يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في الاقتصاد العالميّ. حيث يُحذّر صندوق النقد الدوْليّ من أنّ استمرار الحرب التجاريّة بين البلدَيْن قد يؤدّي إلى تقسيم الاقتصاد العالميّ إلى كتل اقتصاديّة منفصلة، ممّا يُعزّز توجّهات «فك الإرتباط» بين الاقتصادَيْن الأمريكيّ والصينيّ. ومثل هذا الفصل الاقتصاديّ الصارم قد ينعكس سلباً على التجارة العالميّة والاستثمارات الدوليّة، ويزيد من حالة عدم اليقين التي تُخيّم على الاقتصاد العالميّ منذ سنوات عديدة.
وباعتقادي فإنّ ترامب من خلال هذه التصريحات المثيرة، يبدو أنّه يهدف إلى تعزيز موقفه الإنتخابيّ بين الناخبَيْن الأمريكيَّيْن، خاصة أولئك الذين يرون في تصعيد السياسات ضد الصين وسيلة لحماية الوظائف الأمريكيّة؛ إذ يؤكّد ترامب أنّ فرض الرسوم الجمركيّة سيكون بمثابة أداة ضغط فعّالة لإجبار الصين على نقل مصانعها إلى الولايات المتّحدة، ممّا يُعيد إلى الأذهان استراتيجيّات مشابهة اتّبعتها الشركات اليابانيّة في التسعينيّات عندما واجهت ضغوطًا مماثلة من الولايات المتّحدة.
ومع ذلك، فإنّ نجاح مثل هذه الاستراتيجيّة في المناخ الجيوسياسيّ الحاليّ ليس مضمونًا. فعلى الرغم من أنّ البعض يرى في سياسات ترامب فرصة لإعادة التوازن للعلاقات الاقتصاديّة بين الولايات المتّحدة والصين، إلّا أنّ هناك من يشير إلى أنّ تصعيد التوتّرات قد يأتي بنتائج عكسيّة.
ولذلك، يُشير “بن هاربورغ” من شركة “Corevalues Alpha” إلى أنّ ترامب، بصفته صانع ماهر للصفقات، قد يسعى للوصول إلى اتفاقيّات تجاريّة إيجابيّة مع الصين، حيث يحب أن يبدأ المفاوضات من موقف متشدّد ثم يتراجع قليلًا لتحقيق أهدافه. ويُضيف هاربورغ بأنّ ترامب قد يكون أكثر استعداداً للتفاوض مع الصين بطريقة تحقّق مكاسب للطرفَيْن مقارنةً بإدارة بايدن التي لم تعرف كيفيّة التعامل مع الصين بشكل مُربح للدولة الأميركيّة.
وبالرغم من هذه التحليلات الاقتصاديّة المتباينة، فإنّني أرى أنّ فوز ترامب بولاية ثانية سيضع الصين في موقف حرج، وسيتطلّب منها التحضير لمواجهة تداعيات محتملة على نموها الاقتصاديّ؛ حيث من المحتمل أن تتّجه بكين إلى اتّخاذ خطوات تحفيزيّة لتعزيز الطلب الداخليّ كبديل عن التبعيّة المفرطة للصادرات، وذلك للحفاظ على استقرار اقتصادها في ظل ظروف تجاريّة عالميّة متقلّبة. ومن جهة أخرى، قد يؤدي استمرار التوتّرات التجاريّة مع الولايات المتّحدة إلى تعزيز التحالفات الاقتصاديّة الصينيّة مع دول أخرى، مثل دول جنوب شرق آسيا والإتحاد الأوروبيّ، ممّا قد يُساعد في تخفيف بعض الضغوط الاقتصاديّة. ولكن هذا التحوّل قد يكون جزءاً من استراتيجيّة طويلة الأمد لبكين للتكيّف مع بيئة دوليّة متغيّرة، وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكيّة كمصدر رئيس للصادرات.
في النهاية، تظل المخاوف قائمة حول ما إذا كان العالم على أعتاب جولة جديدة من الحرب التجاريّة. ففوز ترامب بولاية ثانية قد يُشعل فتيل نزاع اقتصاديّ جديد، وقد يفتح أيضاً فرصاً للمفاوضات وتحقيق بعض المكاسب إذا تمكن الطرفان من الوصول إلى تفاهمات تُعيد التوازن للعلاقات الاقتصاديّة بينهما. وحتى ذلك الحين، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى قدرة الصين على الحفاظ على زخم النمو الاقتصاديّ في مواجهة سياسات ترامب المحتملة، وما إذا كانت تلك السياسات ستؤدّي إلى إعادة تشكيل النظام التجاريّ العالميّ كما نعرفه اليوم؟ سؤال ستُرسم الإجابات عليه في الشهور القليلة المقبلة.

د. رنا هاني منصور

د. رنا هاني منصور دكتوراه في العلوم الاقتصادية- بنوك وتمويل أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية، كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال- الفرع الأول أمينة سر جمعية الخبراء الماليين عضو في اللجنة العلمية للجمعية اللبنانية لتقدم العلوم عضو في اللجنة الإستشارية لمجلة جويدي للإبتكار والتنمية والإستثمار لها أكثر من 150 مقال في العديد من المواضيع المالية، الاقتصادية، السياسية والاجتماعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى