أعلن الكاتب فيليب جيرالدي من خلال مقال نشره في “استراتيجيك كلتشر” أن إسرائيل سُمح لها بالإفلات من عقوبة تجسسها الهائل على الولايات المتحدة وسرقتها المواد والتكنولوجيا الأميركية.
وأوضح جيرالدي في مستهل مقاله أن قلة من الأميركيين يدركون أن ليس بإمكان أي مسؤول حكومي أميركي، وبينهم أعضاء الكونغرس، أن يذكر الترسانة النووية الإسرائيلية أو يناقشها بأي شكل من الأشكال، والتي يقدر بعض المراقبين أنها تتكون من ما يصل إلى 200 سلاح نووي تكتيكي يمكن إطلاقه جوًا أو برًا أو بحرًا. وجرى توضيح هذا الحظر بعبارات لا لبس فيها في “نشرة إدراج” سرية عممتها وزارة الطاقة الأميركية، والتي صدرت في 6 أيلول/سبتمبر 2012، وتحمل رقم ملف “WPN-136″، وجاء فيها “إرشادات حول نشر المعلومات حول إمكانية القدرة النووية الإسرائيلية”. وسيكون من المشوّق معرفة ما جاء في نص المذكرة بالضبط، ولكن على الرغم من المحاولات المتكررة للحصول على نسخة بموجب قانون حرية المعلومات، لا يزال النص الكامل للوثيقة محجوبًا كليًا.
وما نعرفه عن مضمون المذكرة هو أمر بالتكتم نشرته إدارة باراك أوباما، على ما يبدو لمنع أي مسؤول من الإدلاء بتعليق يحتمل أن يفسر بأن الحكومة الفيدرالية تقر بامتلاك إسرائيل أسلحةً نووية. ويعود التكتم على الترسانة الإسرائيلية إلى اتفاق بين الرئيس ريتشارد نيكسون ورئيس الوزراء الإسرائيلي غولدا مائير. وتجلى هذا الاتفاق مؤخرًا بإجابة الرئيس باراك أوباما، عندما سئل إذا كان يعرف بخصوص امتلاك “أي دولة في الشرق الأوسط أسلحة نووية”، “لا أريد التكهن”، وكان بكذب، بالطبع.
وبيّن الكاتب أن أول ضحية معروفة من ضحايا هذه النشرة كان جيمس دويل، المتخصص في السياسة النووية في مختبر لوس ألاموس الوطني، والذي كتب في عام 2013 جملة توحي بأن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية، وظهرت الجملة في مقال بعنوان “سبب تدمير الأسلحة النووية”، وأجازه مختبر لوس ألاموس، وظهر في مجلة المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، ثم طالب موظف غير معروف في الكونغرس بالتحقيق مع دويل، وجرى تفتيش حاسوبه قبل طرده.
تتمتع إسرائيل، كما هو الحال في أحيان كثيرة، بحرية مطلقة في تجريم الآخرين، مع أن برنامجها النووي أسس عبر سرقة اليورانيوم الأميركي وتكنولوجيا الأسلحة الأميركية. وكان حظر انتشار الأسلحة النووية في الواقع هدفًا رئيسيًا للحكومة الأميركية عندما علم الرئيس جون كينيدي في مطلع الستينيات أن تل أبيب كانت تطور سلاحًا نوويًا عن طريق تقرير لوكالة المخابرات المركزية. وطلب من الإسرائيليين إنهاء برنامجهم وإلا فإنهم يخاطرون بفقدان الدعم السياسي والاقتصادي الأميركي، لكنه اغتيل قبل اتخاذ أي خطوات لإنهاء المشروع.
ولفت فيليب جيرالدي إلى أن إسرائيل عجلت في برنامجها النووي بعد وفاة الرئيس كينيدي، وبحلول عام 1965، حصلت على المواد الخام لبناء قنبلة تتكون من يورانيوم عالي التخصيب تملكه الحكومة الأميركية، وحصلت عليه من شركة في ولاية بنسلفانيا تدعى “نوميك”، التي تأسست في عام 1956 ويملكها زلمان مردكاي شابيرو، رئيس فرع بيتسبرغ في المنظمة الصهيونية الأميركية. كانت شركة نوميك مورِّدًا لليورانيوم المخصب لمشاريع حكومية، لكنها كانت أيضًا منذ تأسيسها واجهة للبرنامج النووي الإسرائيلي، إذ سافر ممولها الرئيسي ديفيد لوينثال، وهو صهيوني بارز، إلى إسرائيل مرة على الأقل شهريًا، حيث يلتقي مع صديقه القديم مائير عاميت الذي ترأس المخابرات الإسرائيلية آنذاك. وتسترت شركة نوميك على شحنة اليورانيوم المخصب إلى إسرائيل بزعم أن المعدن “ضاع”، وبلغ مجموع الخسائر قرابة ستمائة رطل من اليورانيوم، وهو ما يكفي لإنتاج عشرات الأسلحة. ومن هنا جاءت أهمية العملية، حتى إن نوميك استقبلت في عام 1968، زيارة سرية خاصة، أحد كبار مسؤولي التجسس الإسرائيلي رفائيل إيتان الذي جند لاحقًا الجاسوس جوناثان بولارد.
كما كشف عن أدلة مادية تتعلق بعملية تضليل لصرف الانتباه عن اليورانيوم. وكان على هذا اليورانيوم المكرر توقيع فني يسمح بتحديد مصدره. وتقفى مفتشو وزارة الطاقة الأميركية في إسرائيل آثار اليورانيوم من شركة نوميك في عام 1978. كما نظرت وكالة المخابرات المركزية في تحويل اليورانيوم المخصب من مصنع نوميك، وخلصت إلى أنه كان جزءًا من برنامج أوسع للحصول على التكنولوجيا والمواد الخام لصناعة جهاز نووي لإسرائيل.
وقال الكاتب مع وجود اليورانيوم في متناول اليد، وسرقة التكنولوجيا المتقدمة اللازمة لصنع سلاح نووي، يأتي هنا دور منتج أفلام هوليوود أرنون ميلشان في القصة. وُلد ميلشان في إسرائيل، لكنه انتقل إلى الولايات المتحدة وانتهى به المطاف مالكًا مؤسسًا لشركة”نيو ريجينسي فيلمز”. وفي مقابلة أجريت معه في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 على التلفزيون الإسرائيلي، اعترف ميلشان بأنه أمضى سنوات عديدة في هوليوود كوكيل للمخابرات الإسرائيلية، ما ساعده في الحصول على التقنيات والمواد المحظورة التي مكنت إسرائيل من تطوير سلاح نووي. وعمل في مكتب العلوم الإسرائيلي وقسم اكتساب العلاقات في الموساد، والمشار إليه بوكالة التجسس “لاكام”.
واعترف ميلشان في المقابلة بـ “أنني فعلت ذلك من أجل بلدي وأنا فخور بذلك”. لكنه لم يكن يشير إلى الولايات المتحدة. كما قال إن “أسماء كبيرة أخرى في هوليوود مرتبطة بشؤوني السرية”. ومن بين النجاحات الأخرى التي حققها أنه حصل من خلال شركته “هيلي تريدينغ” على مشغلات كريتون، وهي مشغلات متطورة للأسلحة النووية.
وحصل على هذه الأجهزة من شركة “ميلكو إنترناشونال”، مقاول الدفاع السري في كاليفورنيا، إذ جند ميلشان شخصيًا رئيس شركة ميلكو ريتشارد كيلي سميث كعميل قبل توجيهه إلى موظف آخر في شركة هيلي، رئيس الوزراء الإسرائيلي المستقبلي بنيامين نتنياهو، ليتعامل معه. وقبض على سميث في النهاية في عام 1985، ولكن مكتب التحقيقات الفدرالي لم يستجوب ميلشان ولا نتنياهو بشأن السرقات.
وأردف الكاتب أن الأسلحة النووية الإسرائيلية أضحت تتصدر الأخبار الآن بسبب افتتاحية ظهرت بشكل مفاجئ في صحيفة نيويورك تايمز في 11 آب/أغسطس كتبها بيتر بينارت بعنوان “على أميركا أن تبدأ في قول الحقيقة عن الأسلحة النووية الإسرائيلية”، إذ كتب بينارت أن “إسرائيل تمتلك أسلحة نووية بالفعل. ولن تعرف ذلك أبدًا من قادة أميركا، الذين أمضوا نصف القرن الماضي وهم يتظاهرون بالجهل. وهذا الخداع يقوض التزام أميركا المفترض بمنع انتشار الأسلحة النووية، ويشوه الجدال الأميركي بشأن إيران. حان الوقت لأن تقول إدارة بايدن الحقيقة”.
أشار بينارت إلى أن الجمهور الأميركي لا يستطيع التوصل إلى أحكام مدروسة بشأن ما يجب القيام به في الشرق الأوسط إذا كان غير متأكد من أن إسرائيل قوة نووية أم لا، ولكن المسألة الوحيدة التي لم يناقشها هي مسألة المال، إذ إن مدير مركز أبحاث سياسة الشرق الأوسط غرانت سميث، الذي كان يتحدى السرية المحيطة بالترسانة الإسرائيلية، لاحظ مؤخرًا أن “أحكام التعديل الدستوري “سيمنغتون آند غلين” لقانون مراقبة تصدير الأسلحة (عمليات إعادة المعالجة النووية، والصادرات غير القانونية للأجهزة النووية المتفجرة، وعمليات نقل الأجهزة المتفجرة النووية والمتفجرات النووية) تحظر المساعدات الخارجية الأميركية للدول التي لديها برامج أسلحة نووية، والتي لم توقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، في غياب الإجراءات الخاصة المطلوبة.. لكن لم يتناول أي عضو في الكونغرس هذه المسألة – أو يذكر حتى ترسانة الأسلحة النووية الإسرائيلية”.
وقال جيرالدي إن سميث شعر بالإحباط بسبب إحجام التقدميين في الكونغرس، الذين عارضوا مؤخرًا مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 735 مليون دولار إلى إسرائيل تسمح لها بإعادة التسلح بعد هجومها على غزة، عن تجاهل أمر التكتم وإثارة قضية الترسانة النووية، إذ قال: “يبدو أن أعضاء الكونغرس وبقية أعضاء الحكومة الأميركية ملتزمون بأمر التكتم السري هذا في وقت يمكّنهم من اتخاذ إجراء من شأنه أن يتحدى رفض الإدارة الاعتراف بأسلحة إسرائيل النووية، وربما ي يقطع الطريق على 3.8 دولار مليار من أموال دافعي الضرائب المتوجهة إلى إسرائيل”.
ويختم الكاتب المقال بالحديث عن أن وجود وثيقة وزارة الطاقة هو اعتراف بالسلطة المذهلة للوبي الإسرائيلي على الحكومة الأميركية في جميع المستويات، لا سيما أنها تهدف إلى تجاهل أو إبطال التشريعات الأخرى التي أقرها الكونغرس لمكافحة الانتشار النووي. ويبدو أن إنكار ما يعرفه الجميع أنه حقيقي، أي أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية، يعود إلى قدرة حكومة الولايات المتحدة على الاستمرار في مكافأة إسرائيل الغنية بمليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب كل عام.
ولكي تشير إلى أن هذه التسوية شائنة عليك استخدام عبارة ملطفة، لكنها أكثر من شائنة، إنها إجرامية، إذ سمحت لإسرائيل بالإفلات من عقوبة التجسس الهائل على الولايات المتحدة وسرقة موادها وتكنولوجياها، بينما تشارك أيضًا منذ سبعينيات القرن الماضي في مؤامرة مع حكومة الولايات المتحدة تشوه السياسة الخارجية الأميركية، مؤامرة وضعت لاستمرار تدفق مليارات الدولارات إلى إسرائيل، وهي أموال لا يحق لها الحصول عليها بموجب القانون الأميركي الحالي، إنه لأمر مخز، بل إنه خيانة.
رابط المقال الأصلي : اضغط هنا