من كان يصدق مشاهد الأمس بل من كان يتوقع أن “تُغتصب ديموقراطية” الولايات المتحدة الأميركية في عقر دارها “الكونغرس”، وبأمر من رئيس الدولة دونالد ترامب الذي طلب من “أنصاره التوجه الى مبنى الكونغرس للتعبير عن غضبهم بشأن عملية التصويت والضغط على المسؤولين المنتخبين لرفض النتائج، وحثهم على “القتال”.
حسناً فعل هذا “الأحمق”، نعم، كي تظهر للعالم أجمع حقيقة الأمور، وحقيقة المظاهر الخداعة عما أسميته بمقال منذ شهرين بـ “ديموقراطية الهمبرغر“، ما جرى بالأمس “اقتحام الكابيتول” أشبه بـ عنوان لمسرحية أميركية قديمة تم الإعداد لها ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻝ (ﺳﺎﻟﻲ ﺳﺘﺎﻧﻔﻮﺭﺩ) ﻭﻫﻲ ﺃﺷﻬﺮ ﻗﻮﺍﺩﺓ ﻓﻲ ﺳﺎﻥ ﻓﺮﺍﻧﺴﻴﺴﻜﻮ، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻳﺮ ﺑﻴﺘﺎً ﻟﻠﺪﻋﺎﺭﺓ ﻫﻨﺎﻙ، وليس غريباً على المجتمع الأميركي فخدمات ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺳﺘﺎﻧﻔﻮﺭﺩ ﻟﻢ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ، ﺑﻞ ﺗﻌﺪﺕ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻭﺃﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ .! ففي ﻋﺎﻡ 1945 ﺷﻬﺪﺕ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺳﺎﻥ ﻓﺮﺍﻧﺴﻴﺴﻜﻮ ﺍﻷﻣيركية ﺃﺟﺘﻤاعا لممثلين ﻋﻦ ﺧﻤﺴﻴﻦ دولة ﻭﺷﺮﻋﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻔﺎﻭﺿﺎﺕ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺕ ﻣﺘﻮﺍﺻﻠﺔ ﻗﺎﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﻧﺸﻮﺀ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻛﻤﺎ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ . ﻟﻜﻦ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﻭﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ، ﻫﻮ ﺃﻥ ﺟﺰﺀ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻔﺎﻭﺿﺎﺕ ” ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ ” ﺟﺮﺕ ﻭﻗﺎﺋﻌﻬﺎ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﺎﺧﻮﺭ ﺳﺎﻟﻲ ﺳﺘﺎﻧﻔﻮﺭﺩ.
ومن يعلم قد تكون “سالي”، شرعت وقوننة الكثير من آليات اتخاذ القرارات في الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان أيضاً، أو ليست هي “قوادة” الزعماء الأمميين! الذين إذا ما أرادوا الهروب من منازلهم ونسائهم لجأوا إليها، لنيل “عطفها” و”إحسانها”، يقال أنها عندما كانت تريد ان تؤثر على زعيم ما، كانت ترسل له أفضل “بضاعتها” الى منزل خاص كي لا يشتبه أحد بقدومه إلى ماخورها.
لقد غزت الولايات المتحدة الأميركية العالم أجمع تحت عنوان “تحقيق الديموقراطية والعدالة للشعوب”، ولكن أي ديموقراطية؟ يقول المفكر الأميركي نعوم تشومسكي “إن الولايات المتحدة تخشى قيام أي ديمقراطية حقيقية تعكس الرأي العام للشعوب، خاصة مع تداعي قوى هيمنتها على العالم”.
وقال تشومسكي في محاضرة سابقة له بالجامعة الأميركية في القاهرة بعنوان “النظام العالمي الناشئ والربيع العربي”، إن الأمر الأخطر بالنسبة للولايات المتحدة سيكون التحركات تجاه استقلالية القرار في منطقة الشرق الأوسط، وأضاف أن مخططين أدركوا منذ أربعينيات القرن الماضي، أن السيطرة على مناطق مخزونات الطاقة بالشرق الأوسط لها علاقة كبيرة بالسيطرة على العالم أجمع.
فالديموقراطية كما عرفناها في القوانين اليونانية القديمة حيث “كان الرجال يجتمعون في الساحة العامة ويقترحون القوانين ويصوتون عليها، ثم يتم اختيار بعض الرجال، من خلال القرعة، لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه”، لم تتطور منذ ذلك الحين إن لم نقل إنها ماتت في أو ولدت مبتورة في أوانها!
حسب تقدير الخبير السياسي الأمريكي دانييل زيبلات، مؤلف كتاب “كيف تموت الديمقراطيات” تعاني ثقافة الحوار في الولايات المتحدة من “انهيار طويل للاعتراف المتبادل”. وفقط تعديلات قانونية من شأنها المساعدة في مجابهة هذا التطور:” المعايير هي نوع من الدرابزين المرنة”، كما قال زيبلات في حديث مع صحيفة تاغس شبيغل البرلينية، و” إذا لم تكن تلك الدرابزينات المرنة كافية، فنحتاج إلى أخرى أكثر صلابة، أي قوانين وربما تعديلات دستورية لتحديد المجال السياسي. ”
أما الفيلسوفة الأميركية سوزان نايمان قالت: بإمكاني فقط القول بأن الديمقراطية في خطر. والأمل أستمده من حركات القاعدة الكثيرة، وفي مقدمتها حياة السود مهمة، أكبر حركة اجتماعية في تاريخ أمريكا. فعلى إثرها يقول اليوم 75 في المائة من الأمريكيين “العنصرية المنهجية مشكلة كبيرة”. إذن شيء ما يتحرك. والسؤال هو ببساطة ماذا بوسعنا أن نفعل ضد هذا النظام الانتخابي غير الديمقراطي. وتبقى هنا أمور مفتوحة”!
قلت في مقال سابق أيضاً: “المثاليات بعيدة عن الحكم في العالم، لا كونفوشيوس الصيني في البعد الفلسفي “للامبراطورية الصينية”، ولا في فلسفة “ديموقراطية الهمبرغر” في الولايات المتحدة، ودستور “توماس جيفرسون”، بل فلسفة الدولار الأميركي واليوان الصيني، ومن يسيطر على اقتصاد من، ولو “بالبلطجة”.
ما جرى بالأمس في مبنى الكابيتول في واشنطن أظهر الصورة الحقيقية لآليات تمظهر الديموقراطية بشكلها الفج والوقح، وأظهر حقيقة الرعاع الأميركيين ان كان من الطبقة “المخملية” الحاكمة أم من “طبقة الهمج الرعاع” الذين اقتحموا المبنى بأمر من راعيهم الرسمي. “البلطجة” بوجهيها العلوي والسفلي أظهرت كما هي هشة ومصطنعة شعارات “تحرير الشعوب” و”ديمقرطة” العالم، وقد يكون العزاءً لنا في ما جرى ويجري في بلادنا. أضحكتني تغريدة لأحد المغردين الخليجيين حين نظر لما يجري في “مبنى الكابيتول” وعلق قائلاً: “تعالوا انظروا إلى آليات الحكم في بلادنا كيف تنتقل بشكل سلس من الأب الى الولد بكل ديموقراطية”!
العودة الى مثالياتنا الموروثة عن أجدادنا أفضل بكثير مما نشاهده على الشاشات الأميركية والمحلية، كان إذا حلف الرجل ووضع يده على شاربه لتحقيق وعداً ما، يعتبر صك أمان للمتلقي، أين نحن من ذاك الزمن؟