جاءت نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي لهذا العام 2022، مخيبة لرغبات الجمهوريين الطامحين في إعادة فرض السيادة الكاملة على الكونغرس بغرفتيه الشيوخ النواب، بالرغم من أن معظم استطلاعات الرأي كانت تميل لصالح الحزب الجمهوري على منافسه التقليدي الحزب الديموقراطي في معظم نتائجها، وأظهرت هذه النتائج ايضاً كسراً للموروث القائل بأن الحزب الحاكم في الغالب يفقد اغلبيته النيابية في الكونغرس – منذ العام 1945، أجريت 19 انتخابات نصفية في الولايات المتحدة، خسر فيها الحزب الحاكم 17 مرة. ومع تخوفات على مستقبل الديموقراطية الأميركية الذي بات يواجه تهديداً ترامبياً، اطلق الرئيس جو بايدن نداءاته لاستنهاض القاعدة الجماهيرية لحزبه، بينما اعلن ترامب حالة طوارئ لوقف ما أسماه تدمير البلاد نحو حشد موجة عملاقة من المد الجمهوري الاحمر في كل الولايات الأميركية.
ضمن هذا المشهد، تميزت الحملة الانتخابية لهذا الموسم بحالة استقطاب حادة بين قيادتي الحزبين الكبيرين/الجمهوري والديموقراطي، مع جهود مضنية وملايين الدولارات التي اتفقت، لاستمالة الناخبين لتغذية الصندوق الانتخابي لصالح مرشحيه، انطلاقاً من عدة قضايا داخلية، جدولها الناخب الأميركي على سلم اولوياته، جاء في مقدمتها ارتفاع التضخم وأزمات الطاقة الى جانب تردي حالة الوضع الاقتصادي، وكانت كلتا القضيتان سلاحان انتخابيان في جعبة الجمهوريين، بينما حمل الديموقراطيون على اجندتهم الانتخابية قضايا الاجهاض والتي يعتبرها الأميركيون قضايا حساسة والقضايا القانونية التي تلاحق ترامب وحلفائه بما فيها احداث 6 يناير واحتفاظه بالوثائق الحكومية بصورة غير قانونية. ومع تصدر مطلب إصلاح الاوضاع الاقتصادية الداخلية كأولوية للناخب الأميركي، إلا اننا لم نشهد تسونامي احمر يجتاح الولايات الأميركية في صناديق الانتخابات، وفقاً لتنبؤات ترامب على حساب المد الازرق الديموقراطي، وتشير النتائج حتى الان الى احتفاظ الديموقراطيون بأغلبية مقاعدهم في مجلس الشيوخ (51 مقابل 48 من اصل 100 مقعد اجمالي مقاعد اعضاء مجلس الشيوخ، مع ابقاء مقعد جورجيا تحت بطاقة الاقتراع بتاريخ 6 ديسمبر المقبل)، مقابل اقتراب الجمهوريون بالفوز بغرفة مجلس النواب ( 217-207، المقعد 218 سيكون البطاقة الرابحة، وما زالت عملية الفرز جارية على 11 مقعداً المتبقي من اصل 435 مجموع مقاعد مجلس النواب). وتشير الارقام المتقاربة الى ان هامش المناورة بات ضيقاً، ولا يعطي أي من الحزبين مساحة كافية للانفراد باجندته بعيداً عن الحزب الاخر. وخاصة في حال ظهور تمرد داخلي من قبل صانعي القرار من كلا الحزبين على قياداتهم خلال عمليات التصويت او المصادقة على مشاريع القوانين المُنتظرة.
وعلى الرغم من خسارة حزبه لعدد من مقاعد مجلس النواب لصالح الجمهوريين، الا ان الرئيس بايدن اعلن ثقته بنزاهة الانتخابات النصفية والتزامه بنتائجها، مع تفاخره بعدم حصول موجة تسونامي حمراء، كان قد راهن عليها ترامب وقادة الحزب الجمهوري، واشاد بقدرة الديموقراطيون في الحد من الاضرار المتوقعة بفعل تدني شعبيته. بينما امضى الجمهوريون ليلة سيئة، وحملوا ترامب المسؤولية الكاملة عن هذا الفشل بفعل تدخلاته الفجة في تعيين المرشحين السيئين وإجبارهم على تبني قضايا اثارت رعب الناخب الأميركي بما فيها استمرار تظلم مرشحي ترامب بشأن سرقة انتخابات الرئاسة لعام 2020، هذه الورقة المستهلكة، كانت بقعة سوداء في سجل مرشحي ترامب، بالنظر لموقف المواطن الأميركي الذي فضل الامن والاستقرار على الديموقراطية الهشة. في الواقع أظهر ما نسبته 50% من الأميركيين تخوفهم من اندلاع حرب أهلية، بعد مشاهد أحداث اقتحام مبنى الكابيتول بتاريخ 6 يناير، وفقاً لنتائج دراسة تم نشرها على موقع Cold Spring Harbor Laboratory/ CSH في شهر تموز/ يوليو 2022.
ترامب صاحب الصفقات الخاسرة، قاد حزبه الجمهوري من خسارة الى خسارة، وبدد موارد الحزب وأضاع قاعدته الجماهيرية المُلونة. منذ تصدره قيادة الحزب الجمهوري، خسر ترامب مجلس النواب عام 2018، وخسر التصويت الشعبي والمجمع الانتخابي عام 2020، وخسر مجلس الشيوخ عام 2021. وفشل في إحداث انقلاب ليلة 6 يناير2021. وخسر إدعاءاته بسرقة نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، كما خسر عدداً من مرشحي حكام الولايات خلال هذه الحملة، وكانت الضربة القاضية له في ولاية بنسلفانيا حيث خسر مرشحه محمد اوز في استعادة المقعد الحاسم، لصالح المرشح الديموقراطي جون فيترمان، الامر الذي افقده آمال إعادة الاحتفاظ بحالة شبه التوازن الذي كان قائماً في مجلس الشيوخ (50-50). وعلى الرغم من هذه الخسائر المتتالية، الا انه دشن أمس رسمياً حملته لخوض انتخابات الرئاسة لعام 2024، في مواجهة مرشح الحزب الديموقراطي، دون ان نسمع احتجاجاً من القادة التاريخيين للحزب الجمهوري على هذه الخطوة، رغم قناعاتهم بأن ترامب يقود الحزب في مسالك اقل ما يمكن وصفها أنها عنصرية ضيقة، ستؤدي في النهاية الى انشقاقات داخل الحزب الجمهوري.
ومع امتلاكه حق النقض الفيتو على التشريعات وفق نص الدستور الأميركي في البند الخاص بصلاحيات الرئيس، فإن قلب مقاعد مجلس النواب بالرغم من الهامش الضيق للجمهوريين، يطلق إنذارات بان اجندة الرئيس بايدن وجدول اعماله ستكونان تحت سيف المشرعون الجمهوريون، وسيكون العامان القادمان لرئاسة بايدن مروعان، بالنظر الى تعاكس مسارات قطاري الشحن الاحمر والازرق في اولوياتهما في السياسات الداخلية كما الخارجية ايضاً، ومع تزايد اتساع الشقوق في المواقف، واعلان ترامب ترشحه رسمياً لاتخابات 2024، فإن هذا المشهد ينذر بصعوبة إن لم يكن استحالة العثور على محطة في منتصف الطريق تسمح لهما بالالتقاء. وهنا يبقى السؤال، هل شاركت جماعات المصالح في تقويض العملية الانتخابية وانقاذ الرئيس بايدن والحزب الديموقراطي من سقوط كان مؤكداً، حفاظاً على مصالحهم الاقتصادية والسياسية، على حساب إبطاء محركات قطار ترامب وحزبه الجمهوري المتطرف الذي يسير نحو دفع البلاد بصورة اسرع من الرئيس بايدن نحو الهاوية.